اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين
(( الصحابة وما ادراك ما الصحابة ))
التاريخ يحدثنا عن أمور عظيمة طمست ، وحقائق مريبة بقيت ، لم يكتف الخلفاء الثلاثة - ابي بكر وعمر وعثمان- بمنع رواية الحديث وحرقه وحبس الصحابة بالمدينة حتى لاينشروا الحديث في المناطق الاخرى...بالاضافة الى ترك ساحة الحديث مفتوحة ليتطفل عليها من نسميهم ب(المتطفلين على الدين)الذين يروون الاحاديث للخلفاء طمعا في قوتهم وعطائهم..
نقرأ اليوم عن الحديث في زمن معاوية بن ابي سفيان من كتاب الاحداث للمدائني اذ يقول : كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة (هو العام الذي جمع فيه معاوية شيعته سنة 42 هجرية وسماهم أهل السنة والجماعة وبذلك اشتهر بعام الجماعة ) أن : (برئت الذمة ممن روى شيئا في أبي تراب –أي الامام علي(عليه السلام)وأهل بيته،فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرأون منه ويقعون في أهل بيته . وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي (عليه السلام) فاستعمل عليهم زياد بن سمية...فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم ايام علي (عليه السلام) فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الايدي والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق... وكتب معاوية الى عماله في جميع الافاق : ان لايجيزوا لأحد من شيعة علي واهل بيته شهادة وكتب اليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا الي بكل ما يروي رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى اكثروا من فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعثه اليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطايع ويعظمهم في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا، فأي رجل من الناس يروي في عثمان فضيلة أو منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه ، فلبثوا في ذلك حينا ..)
ويضيف المدائني بقوله ( ثم كتب الى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية . فاذا جائكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد المسلمين في أبي تراب الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا أحب الي و أقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله ..)
ثم يواصل قوله : (فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى اشادوا بذكر ذلك على المنابر وألقى على معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم و غلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله ..)
ويتضح من ذلك شدة المؤامرة التي حيكت لتزييف الحقائق الى درجة أنهم أحلوا الكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، وكل هذا يرجع للعداء الشديد الذي يحمله معاوية لعلي وشيعته ولذلك جند معاوية(لعنه الله) كل امكانياته للوقوف في وجه علي وشيعته فكانت أول خطوة هي تعرية الامام علي (عليه السلام) من كل منقبة وفضيلة بل لعنه على المنابر لمدة ثمانين عاما .والخطوة الثانية هي تشكيل سياج ذي مظهر جميل وخلاب حول مجموعة من الصحابة حتى يكونوا رموزا بدل الامام علي (عليه السلام)..فتحت تهديدات معاوية واغراءاته انجرف لخدمته مجموعة من المنافقين يضعون الآحاديث كذبا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت ستار أنهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
قال ابو جعفر الاسكافي –من كتاب ابو هريرة لمحمود أبو ريه ص 236 :
(ان معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه – منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير..)
فهكذا انقلب القوم على الرسول والرسالة وباعوا آخرتهم بدنيا معاوية
وقبل أن نغادر نقرأ نموذجا من الصحابة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويضعون الحديث طلبا للدنيا.. جاء في شرح النهج لابن ابي الحديد : روى ان معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة الف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ، واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد ) (البقرة204 ).
وان الاية نزلت في ابن ملجم ( لعنه الله) – قاتل علي بن ابي طالب – وهي قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) فلم يقبل – أي سمرة بن جندب – فبذل – معاوية- له أربعمائة الف درهم فقبل )
نعم هاهم الصحابة يكذبون على الله ورسوله بدراهم معدودات
وقبل أن نختم نسجل اعتراف سمرة بن جندب – من تاريخ الطبري ج 6 ص164 ، وابن الاثير ج3 ص195 :
( مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب ، فأغره –أمهله- معاوية أشهرا ، ثم عزله فقال سمرة : (( لعن الله معاوية ، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا )
وبهذا ظهرت في تلك الفترة آلاف الأحاديث المكذوبة التي تنسج فضائل وبطولات للصحابة وخاصة للخلفاء الثلاثة ( أبي بكر وعمر وعثمان ) ثم تناقلت هذه الاحاديث جيل بعد جيل حتى دونت في المصادر المعتمدة..