- إن المؤمن (حزنه في قلبه، وبشره في وجهه).. هذا الحزن من أين جاء
أولاً : حزن رباني
إن حزن المؤمن رباني، وحزن رسالي.. فرب العالمين بتعبير البعض: زبائنه قليلون، وزبائن الدنيا كثيرون.. فرب العالمين السائرون إليه هم الأقلون عددا في كل عصر.. لو فتشنا عن العدول من الناس في عامة الناس، كم ترى من الذين يمكن أن تصلي خلفهم؟.. معنى ذلك أن من لا تحرز فيه العدالة، هو في مظان الوقوع في الإثم.. ونسبة المسلمين أقل من نسبة غير المسلمين بكثير، ومن المسلمين كم هم الملتزمون؟.. فالمؤمن يحزن عندما يرى هذه الرسالة غريبة
رب العالمين يصل به الأمر إلى أن يقول كلمة ثقيلة على بني آدم، لو أدرك بني آدم هذه الكلمة، للطم على رأسه.. أو تعلمون رب العالمين ماذا يقول عنا كبشر لا كمؤمنين؟
كل هذه المعاني موجودة، ولكن يصل الأمر برب العالمين أن يقول
{ قُتِلَ الإِنسَانُ }
أي الموت لك يا بني آدم
{ قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ }
أي ما أشد كفره!.. ليس الكفر أن تعبد هبل واللات والعزى، إنما الكفر أن تغطي نعمة الله -عز وجل-، وأن تعيش في هذه المناخات الملائمة، وأن يمر عليك شهر رمضان المبارك، ولا تخرج بتغيير أبداً في باطنك.. نعم هذه صورة من صور الكفر!
ثانياً : غيبة الولي
إن المؤمن من روافد حزنه، هذا الذي نقرأه في كل ليلة في دعاء الافتتاح
( اللهم!إنا نشكو إليك فقد نبينا -صلواتك عليه وآله- وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدَّة الفتن بنا...).. إلخ
أو تعلم بأن المؤمن في كل سبت له حزن؟.. الأيام مقسمة على أسماء الأئمة ()، ولا غرابة في ذلك!.. الأشهر اثنا عشر شهرا، بعدد أئمة أهل البيت ().. يوم السبت يوم رسول الله ( وسلم)، نقول في الزيارة
(فما أعظم المصيبة بك، حيث انقطع عنّا الوحي، وحيث فقدناك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون)
الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يوم الجمعة يرى محبيه، ويرى مقدرات الأمة، ويرى كل شيء بيد غيره.. وهو الإمام الذي (بيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء)،(لولا الحجة، لساخت الأرض بأهلها).. هذا الموجود الذي عبد الله من أكثر من ألف عام نعم العبادة!.. السبب المتصل بين الأرض والسماء.. في دعاء الندبة نقرأ
(أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء)؟
وإذا بهذا الوجه، وإذا بهذا السبب، وإذا بهذا الحبل الممدود، يعيش غريباً في الأرض.. نعم هذا من موجبات الحزن، فالإنسان كلما زاد ذكراً لإمامه، كلما زاد هماً وغماً
ثالثاً : رقة القلب
إن المؤمن له حزن يتحول على شكل مناجاة في جوف الليل، هذه المناجاة تستدر منه الدمعة.. إذا جرت من المؤمن الدمعة، فإنه يعيش ألذ لذائذ الوجود؛ لأنه إذا رق القلب، وجرى الدمع؛ فتحت له أبواب السماء.. فيأخذها فرصة، ليتكلم مع الله عز وجل.. مثل شاب يريد أن يلتقي بمن يحبها، وهي تتمنع عليه.. عندما يصاب بمرض من الأمراض، يتصل بها ويقول: يا فلانة أنا اليوم مريض، لابد أن أزورك.. فإذا حاز على اللقاء، يشكر الله على نعمة المرض، يقول: نعم المرض الذي أوصلني إلى من أحب!.. أليس كذلك؟!.. والمؤمن كذلك، فهو يعيش قساوة القلب، فإذا جاءه هذا الحزن، وجرت دمعته؛ يحول المجلس إلى مجلس أنس برب العالمين.. حاول أن تحول هذه الدمعة
دمعة الرثاء، ودمعة البكاء على مصائبهم، إلى دمعة المناجاة، وبث الهموم، وطلب التوبة بين يدي الله عز وجل
ما المانع أن نحول دمعة الولاء، إلى دمعة التوحيد؟.. نعم القلب يرق بذكر أهل البيت، فيحوله الإنسان إلى ذلك
رابعاً : مجهولية المستقبل
إن الرافد الأخير للحزن، هو رافد مجهولية المستقبل: نحن سائرون إلى مستقبل مجهول.. نحن إلى أين سائرون؟.. لو الآن دخل هذا الملك الكريم الذي سنراه يوماً ما -بعض المؤمنين في الحج أو في غيره، يقوم بطواف وبأعمال ويهديها إلى الملك "عزرائيل"، يقول: حتى أصادقه في الدنيا، فعند قبض الروح لعله يرفق بي قليلاً.. نعم، هذه حركة جيدة!..- لو دخل هذا الملك الكريم وقال: أريد أن أقبض روح واحد منكم، من مستعد لأن أذهب به الليلة إلى عالم الآخرة؟.. ألا تعتقد أنه يا حار همدان من يمت يرني.. نعم إذا مات المؤمن، فقبره روضة من رياض الجنة.. من منا مستعد؟.. في سورة الجمعة يقول تعالى