من مظاهر الوفاء أن المتشيعين من الشعراء لم يتركوا قولا قاله عليّ (ع) إلا حفظوه ورددوه وتأثروا به ونظموه شعراً , إمعانا منهم في إجلاله وتجسيما لعنايتهم به . واليك الآن نماذج من هذه الطرائف المبثوثة في كتب الأدب والتاريخ , قال علي ّ(ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد)فقال احدهم :
قل للحسود اذا تنفّس ضغنة ً ياظالماً وكأنه مظلومُ
وقال عليّ (ع): ( قيمة كل امرئ ما يحسن) .( واعلموا إن الناس أبناء ما يحسنون) فنظموا هذا المعنى نظما كثيرا ً, فقال احدهم :
لا يكون اللبيب ُ مثل الخليّ لا ولا ذو الذكاء مثل الغبيِّ
قيمة المرء كلّ ما يحسنُ المر ء ُ قضاء من الامام عليّ
وقال علي (ع) ( الناس أعداء ما جهلوا) . فقال ابن السكون الحلّي :
يا سائلي عن علي و الأُلى عملوا به من السوء ما قالوا وما فعلوا
لـم يعـــرفـوه فعـادوه لجـهـلـهـم والناس كلهم أعداء ما جهلوا
ومن روائع المتنبي في علي ّ (ع) وقد عوتب في تركه مدحه , هذان البيتان اللذان يشهدان بما يضمر له من عاطفة الإعجاب , وبما في نفسه من إيمان بعبقريته :
وتركت مدْحي للوصيّ تعمدا إذ كان فضلاً مستطيلاً شاملا
و اذا استطال الشيء قام بنفسهِ وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا
ومن مظاهر الوفاء لابن أبي طالب أن الشعراء لم يتركوا فضيلة ً من فضائله ألا قالوا فيها شعرا ً , ولا صفة من صفاته إلا صوّروها نظما ً وعلّقوا عليها .
ويروى إن السيد الحميري وقف مرّة بالكوفة فقال : ( من أتاني بفضيلة لعلي بن أبي طالب ما قلت فيها شعراً فله دينار ) .
ويأتي القرن العشرون , فإذا بالقيم والمعاني التي تمثلها شخصية ابن أبي طالب ما تزال تسمو في النفوس وترتفع وتنتج ادبا ً كثيرا ً يتجسم به الوفاء الإنساني كأكرم ما يكون تجسّم الوفاء , فإذا بشاعر لبناني يخاطبه قائلاً :
كلما بي عارضُ الخطب المْ وصماني من عنا الدهر المْ
رحت اشكوا لعلي علّتي وعليّ ملجأ من كلِّ همْ
وأنادي الحقّ في أعلامه وعليٌّ علم الحق الاشمْ
كلما عُذّب بالجور فتىً ودعاه في دجى الخطب , نجم
فهو للظالم رعدٌ قاصفٌ وهو للمظلوم فينا معتصم