بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا الزهراء محمد وعلى آله الغر الميامين المعصومين وعلى من وآلاهم وأحبهم إلى يوم الدين وبعد:
ومن رواته: ابن عبّاس، وأبو الحمراء، وأبو سعيد الخدري، ومن رواته صحابة آخرون أيضاً.
ولابدّ من الكلام والبحث حول هذا الحديث سنداً ودلالة ليتمّ الاستدلال.
أمّا سنداً، فإنّي أذكر لكم سندين من أسانيده، وقد حقّقتهما،
وهما سندان صحيحان، وبإمكاني تحقيق صحة أسانيد أُخرى لهذا الحديث أيضاً، لكنّي أكتفي بهذين السندين:
يقول ياقوت الحموي في كتابه معجم الاُدباء بترجمة محمّد ابن أحمد بن عبيدالله الكاتب المعروف بابن المفجّع، هذا الشخص نظم حديث التشبيه في قصيدة، والقصيدة إسمها قصيدة الاشباه، يقول الحموي ياقوت:
وله قصيدة ذات الاشباه سمّيت بذات الاشباه لقصده فيما ذكره: الخبر الذي رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في محفل من أصحابه: «إن تنظروا إلى آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في خلّته، وموسى في مناجاته، وعيسى في سننه، ومحمّد في هديه وحلمه، فانظروا إلى هذا المقبل»، فتطاول الناس فإذا هو علي بن أبي طالب، فأورد المفجع ذلك في قصيدته وفيها أي في هذه القصيدة مناقب كثيرة.
ياقوت الحموي معروف بأنّه من المنحرفين عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا مذكور بترجمته، لاحظوا كتاب وفيات الاعيان، لاحظوا شذرات الذهب وغيرهما من المصادر، وقد ذكروا أنّه تكلّم في سنة 613 هـ في دمشق بكلام في علي، فثار الناس عليه وكادوا يقتلونه، فانهزم من دمشق، ذكر هذا ابن خلّكان ونصّ على أنّه كان متعصّباً على علي.
وأمّا عبد الرزاق بن همّام، فهذا كما أشرنا وذكرنا وفي الجلسات السابقة أيضاً ذكرناه، هذا شيخ البخاري وصاحب المصنّف ومن رجال الصحاح كلّها، ولم يتكلّم أحد في عبد الرزاق ابن همّام بجرح أبداً، حتّى قيل بترجمته: ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله مثل ما رحلوا إليه، توفي سنة 211 هـ.
معمر بن راشد، من رجال الصحاح الستّة، توفي سنة 153هـ.
الزهري هو الامام الفقيه المحدّث الكبير، من رجال الصحاح الستّة، وقد تجرّأ ابن تيميّة وادّعى بأنّ هذا الرجل أفضل من الامام الباقر (عليه السلام).
وأمّا سعيد بن المسيّب، فكذلك هو من رجال الصحاح الستّة، توفي بعد سنة 90 هـ، وهذا الشخص يروي هذا الحديث عن أبي هريرة.
وأبو هريرة عندهم من الصحابة الثقات والموثوقين، الذين لا يتكلّم فيهم بشكل من الاشكال.
فهذا السند صحيح إلى هنا.
وسند آخر، وهو ما ذكره الحافظ ابن شهرآشوب المازندراني
في كتابه مناقب آل أبي طالب، المتوفى سنة 588 هـ، هذا من علمائنا، لكنْ يترجمون له في كتبهم في كتب التراجم، ويثنون عليه الثناء الجميل، وينصّون على أنّه كان صادق اللهجة، وسأقرأ لكم عبارة ابن شهرآشوب يقول:
روى أحمد بن حنبل، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة. وأيضاً روى ابن بطّة في الابانة بإسناده عن ابن عباس، كلاهما عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سمته، وإلى محمّد في تمامه وكماله وجماله، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل»، قال: فتطاول الناس بأعناقهم فإذا هم بعلي كأنّما في صبب وينحل عن جبل.
وتابعهما أنس، أنس بن مالك أيضاً من رواة هذا الحديث إلاّ أنّه قال: «وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى يحيى في زهده، وإلى موسى في بطشته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب»(1) .
وهذا السند نفس السند، إلاّ أنّ الراوي عن عبدالرزاق هو أحمد بن حنبل، وأحمد بن حنبل لا يحتاج إلى توثيق.
وأمّا ابن شهرآشوب، فهو أحد كبار علماء طائفتنا، إلاّ أنّ أهل السنّة أيضاً يحترمونه ويثنون عليه، ويترجمون له، فلاحظوا الوافي بالوفيات للصفدي، لاحظوا بغية الوعاة للسيوطي، ولاحظوا غير هذين الكتابين، يقولون هناك بترجمته: وكان بهي المنظر، حسن الوجه والشيبة، صدوق اللَّهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الخشوع والعبادة والتهجّد(2) .
وأمّا دلالة حديث التشبيه، فهذا الحديث يدلّ على أفضليّة أمير المؤمنين من الانبياء السابقين، بلحاظ أنّه قد اجتمعت فيه ما تفرّق في أولئك من الصفات الحميدة، ومن اجتمعت فيه الصفات المتفرّقة في جماعة، يكون هذا الشخص الذي اجتمعت فيه تلك الصفات أفضل من تلك الجماعة، وهذا الاستدلال واضح تماماً، ومقبول عند الطائفتين، وسأقرأ لكم بعض العبارات:
يقول ابن روزبهان في الجواب عن هذا الحديث: أثر الوضع على هذا الحديث ظاهر، ولا شكّ أنّه منكر، لانّه يوهم أنّ علي بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الانبياء، وهذا باطل، فإنّ غير النبي لا يكون أفضل من النبي، وأمّا أنّه موهم هذا المعنى فلانّه جمع فيه من
الفضائل ما تفرّق في الانبياء، والجامع للفضائل أفضل من الذين تفرّق فيهم الفضائل، وأمثال هذا من الموضوعات.
فيضطرّ ابن روزبهان بعد أن يرى تماميّة دلالة الحديث على مدّعانا، يضطرّ إلى رمي الحديث بالوضع(3) .
وقد أثبتنا نحن صحّة الحديث، وأثبتنا أنّه حديث متّفق عليه بين الفريقين، وذكرنا عدّة من أعيان رواة هذا الحديث من أهل السنّة.
ويقول ابن تيميّة: هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله بلا ريب عند أهل العلم بالحديث(4) .