بسم الله الرحمن الرحيم و له الحمد
اللهم صل على محمد و آل محمد
يقول الطبري في تاريخه : كان بين الصحابة في عهد عثمان امور شنيعة لا تتحملها عقول العامة و امور كثيرة اعرضت عن ذكرها .
و قد وجد الطبري الحل لهذا الاشكال الذي تصوره و ليجد مخرجا لهذه الامور الشنيعة بين الصحابة التي لن تتحملها عقول العامة كما صرح و تصطدم مع مبدأ عدالة الصحابة ، وجد الحل في رواية لسيف بن عمر المعروف بالوضع و الزندقة استبدل بها بدلا عن الصحابة المعترضين على سياسة عثمان شخصية اخرى .
خلاصة رواية سيف ان يهوديا من اليمن اسلم و اسمه عبد الله ابن سبأ و يقال له ابن السوداء كان يحرض المسلمين و فيهم كبار الصحابة على عثمان و كان يراسل اهل الامصار في مصر و الكوفة و البصرة و انه رحل الى مصر و اجتمع بأهلها يحرضهم على عثمان فكانوا أكثر الناس دورا في الثورة و انه اول من ادعى أحقية علي بن ابي طالب بالخلافة و انه الوصي بعد رسول الله و افضل الخلق بعده ثم كان دوره البارز في حربي الجمل و صفين . و بعد ذلك لم يذكر سيف عن ابن سبأ شيئا لا في فتنة الخوارج او مقتل امير المؤمنين او الاحداث التي تلت ذلك .
سنحاول في بحثنا هذا ان نعرض رواية الطبري على الأحداث و الشخصيات المذكورة في أقدم كتب التاريخ الموثقة لنعرف حقيقة هذه الشخصية الخارقة التي جابت الامصار و أججت الثورة على عثمان بل و سار وراءها كبار الصحابة كما يصور لنا الطبري في تاريخه .
المراجع في هذا البحث هي :
- الامامة و السياسة لإبن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276
- تاريخ اليعقوبي لأحمد بن واضح المعروف باليعقوبي الكاتب العباسي المتوفى سنة 284
- تاريخ الأمم و الملوك لأبن جرير الطبري المتوفى سنة 310
- مروج الذهب لعلي بن الحسين المسعودي المتوفى سنة 346
بداية نلاحظ ان الطبري هو الوحيد بين هؤلاء المؤرخين الذي تكلم عن شخصية ابن سبأ بالرغم من ان ابن قتيبة و اليعقوبي اقدم من الطبري و المسعودي معاصر له ، ثم جاء مؤرخون بعد الطبري فأعاد بعضهم نفس القصة نقلا عن الطبري كأبن كثير في البداية و النهاية و البعض الاخر تغاضى عن ذكرها و لم يعتمدها كالسيوطي في تاريخ الخلفاء .
السؤال الآن
من هو ابن سبأ ؟
هذا ما سنحاول ان نعرفه و نحن نقرأ معا ما بين السطور و الأحداث
***
السؤال الأول : من هؤلاء الذين كان رأيهم أن علي بن أبي طالب عليه السلام هو أفضل الناس بعد رسول الله و الأحق بخلافته و أنه هو الوصي ؟ هل أتباع ابن سبأ كما يزعم الطبري ؟ تعالوا بنا نبحث في كتب التاريخ .
اليعقوبي
دخلت مسجد رسول الله، فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهف تلهف من كان الدنيا كانت له فسلبها، وهو يقول:
واعجباً لقريش، ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم غناء في الإسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي، وما أرادوا إصلاحاً للأمة ولا صواباً في المذهب، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين.
فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله، ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو، وهذا الرجل علي بن أبي طالب.
فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل ولا الرجلان.
ثم خرجت، فلقيت أبا ذر، فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد،
ثم أتيت عبد الله بن مسعود، فذكرت ذلك له فقال: لقد أخبرنا بذلك .
***
كان أبو ذر الغفاري يجمع الناس في المسجد و يقول : أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي،
إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم، محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها، وبورك زبدها،
محمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون، وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه.
أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها! أما لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه،
فأما إذ فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
***
المسعودي
كان عمار بن ياسر يقف في مسجد النبي صلى الله عليه و آله و يخطب في الناس قائلا : يا معشر قريش، أما إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة وهنا مرة فما أنا بآمِنٍ من أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله .
وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أوذى به أهل هذا البيت بعد نبيهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟ فقال: إني واللّه لأحبهم لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، وإن الحق معهم وفيهم، يا عبد الرحمن أعجب من قريش - وإنما تطوُلُهم على الناس بفضل أهل هذا البيت - قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده من أيديهم أما ولايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر .
***
كان حذيفة بن اليمان عليلاً بالكوفة في سنة ست وثلاثين، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي فقال: أخرجوني وادعوا الصلاة جامعةً .
فوضع على المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي وعلى اله، ثم قَال:
أيها الناس، إن الناس قد بايعوا عليّاً فعليكم بتقوى اللّه وانصروا عليّاً ووازروه؛ فواللّه إنه لعلى الحق آخرا وأولاً، وإنه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال: اللهم أشهد، إني قد بايعت عليّاً، وقال: الحمد للهّ الذي أبقاني إلى هذا اليوم،
وقال لا بنيه صفوان وسعد، احملاني وكونا معه، فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس، فاجتهدا أن تستشهدا معه، فإنه واللّه عَلَى الحق، ومن خالفه عَلَى البَاطل .
إجابة السؤال الأول اذن واضحة و لا تحتاج الى بيان ! تعالوا الى السؤال الثاني
***
السؤال الثاني : هل كان اليهودي ابن سبأ او ابن السوداء هو الذي حرض المسلمين على الثورة على عثمان بذكره الأمور التي خالف فيها عثمان ؟
ابن قتيبة
اجتمع ناس من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فكتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه، وما كان من هبته خمس إفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان، حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة: دارا لنائلة، ودارا لعائشة وغيرهما من أهله وبناته، وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله، وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور، وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلى بهم الصبح وهو أمير عليها سكران أربع ركعات ثم قال لهم: إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم، وتعطيله إقامة الحد عليه، وتأخيره ذلك عنه، وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم، واستغنى برأيه عن رأيهم، وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة، وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبي عليه الصلاة والسلام، ثم لا يغزون ولا يذبون، وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس، وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران .
ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود، وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمار، جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده، فمضى حتى جاء دار عثمان، فاستأذن عليه، فأذن له في يوم شات، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع إليه الكتاب فقرأه،
فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا فرقا منك، قال: من هم؟ قال: لا أخبرك بهم. قال: فلم اجترأت علي من بينهم؟
فقال مروان: يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود (يعني عمارا) قد جرأ عليك الناس، وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه،
قال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه،
فغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام، فأدخل منزلها.
***
حين اشتد اعتراض الصحابة على عثمان ارسل في طلب ولاته من الامصار ، فجاء معاوية من الشام و لقي عمار بن ياسر فقال له : يا عمار، إن بالشام مئة ألف فارس، كل يأخذ العطاء، مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم، لا يعرفون عليا ولا قرابته، ولا عمارا ولا سابقته ،
فإياك يا عمار أن تقعد غدا في فتنة تنجلي، فيقال: هذا قاتل عثمان .
*** اليعقوبي
اعتل ابن مسعود، فأتاه عثمان يعوده، فقال له: ما كلام بلغني عنك؟
قال: ذكرت الذي فعلته بي، أنك أمرت بي فوطئ جوفي، فلم أعقل صلاة الظهر، ولا العصر، ومنعتني عطائي.
و أقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفي، وصلى عليه عمار بن ياسر، وكان عثمان غائباً فستر أمره. فلما انصرف رأى عثمان القبر، فقال: قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود. قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولى أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألا يخبر به،
ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد، فصلى عليه عمار، وكان أوصى إليه، ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار، وقال: ويلي على ابن السوداء ! أما لقد كنت به عليماً.
وبلغ عثمان عن عمار كلام، فأراد أن يسيره أيضاً ( أي ينفيه كما فعل مع أبي ذر حيث نفاه الى الربذة )، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه. فجلس عمار في بيته .
***
إجابة السؤال الثاني أيضا واضحة ، و قد ابتدأت بعض الأمور تتضح و الضوء يسلط على المواقف و الأسماء ، فالى السؤال الثالث ...
(يتبع)