[ابو الحسن الكاظمي]

قلب من حديد

في أيام الصبا كنت أخاف كثيرا من الظلام لا لشيء ولكن لكثرة ما سمعته من الكبار عن الجن والأرواح و(السعلوة) وغيرها من الشخصيات التي كثيرا ما تناقلتها جلسات آخر الليل أمام( الصوبة) لأنه لم يكن هناك شيء اسمه (الستلايت) ,فكان اقربائي ممن هم أكبر سنا مني يحاولون الضحك والمزاح بسبب أو من دونه ,كانوا دائما يريدون مني أن أصعد إلى نهاية سلم البيت في الطابق الثاني مع عدم فتح أي ضوء (لان الكهرباء كما تعرفون كانت موجودة في ذلك الزمان أما اليوم فنسمع بها فقط),المهم إنني كنت أفشل دائما في هذا التحدي فكان أولئك يطلبون مني ويكررون عليّ تلك العبارة (صير سبع خلي قلبك من حديد)ومرت الايام والسنون وبدأت أفهم من هو صاحب القلب الحديدي بل وزدت معرفة حين عرفت إن اصحاب القلوب الحديدية ليسوا رجالا فقط بل وحتى النساء
ذلك القلب الذي اذا رأى يتيما,جائعا ,ارملة ,شيخ عجوز
لايزداد إلا قوة وقساوة !
واذا مر بمسكين يطلب صدقة رنّ ذلك القلب كأنه جرس إنذار من الخطر مخرجا الحاناً مدوية ضاربة وجه ذلك المسكين مسمعة اياه تلك المقولة اليومية (أنت كذّاب)
الملفت للانتباه أن هذا القلب الحديدي لم يطلى بمادة مانعة للتاكسد فهو سريع الصدأ ,لايصدأ من الماء لكنه يصدأ من اي صرخة لطفل يتيم حرم من دفء الامومة, يزداد صدأ إذا سالت عليه دمعة أم فقدت ابنائها
وتنتشر رائحة الصدأ كلما بات شبعا لايفكر بالجياع ولم يبال إن كانوا قد أكلوا ام لا فهذا ليس غريبا لانه يحمل قلبا من حديد
كلما رايت هكذا قلب مختوم عليه ( صنع في مصانع إبليس), أتذكر قوله تعالى(كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
فأسأل الله تعالى أن لايجعلنا من أصحاب القلوب الحديدية .