"إنِّي تاركٌ فيكم ما إنْ تَمَسَّكتُم به لَنْ تَضِلُّوا بعدي؛ أحدهما أعظَمُ مِنَ الآخر: كتابُ الله حَبْلٌ ممدودٌ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ، وعِترَتي أهْلُ بَيْتي، وَلَنْ يَتَفَرَّقا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ؛ فانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُوني فيهما؟".
"إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض".
"إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما".
"إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
"إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
"إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض".
"إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله - عز وجل - وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض".
"إني تاركٌ فيكم ما إن تمَسَّكتم به لن تَضلُّوا بَعدي ، أحدهما أعظمُ منَ الآخَرِ ، كتابُ الله حبلٌ ممدود منَ السماءِ الأرضِ ، وعِترَتي أهل بَيتي ، ولن يتَفرقا حتى يرِدا عليَّ الحَوضَ ، فانظروا كيفَ تَخلفوني فيهما".
الدلالة الأولى : دلالة النص :
إنَّ من دلائل حديث الثقلين أنَّ النبي صلى الله عليه وآله قد نصَّ فيه على إمامة أهل البيت عليهم السلام، لأنَّه قَرَنَهُمْ بالقرآن الكريم، وقد أطلق عليهما وصفاً واحداً يجمع بينهما وهو (الثقلين)، ولا شكَّ أن ترك القرآن الكريم في الأمَّة ليس لمجرد حفظه وتلاوته، بل ليكون إماماً يهتدي به الناس ويعملون بما فيه من تعاليم، فكل كتاب سماوي أنزله الله تعالى على رُسُلِه عليهم السلام يكون إماماً يهتدي به الناس ويتَّبِعُونَ ما فيه.
قال الله تعالى في الآية 17 من سورة هود : (أَفَمَن كانَ على بَيِّنَةٍ مِن ربِّهِ ويَتْلُوهُ شَاهِدٌ منهُ ومِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِماماً ورحمةً أولئكَ يُؤمِنونَ بهِ وَمَن يَكْفُرْ بهِ مِنَ الأَحْزَابِ فالنَّارُ مَوْعِدُهُ فلا تَكُ في مِرْيَةٍ منهُ إِنَّهُ الحَقُّ مِن ربِّكَ ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يُؤمِنونَ).
وقال تعالى في الآية 12 من سورة الأحقاف : (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إماماً ورحمةً وهذا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لساناً عربيَّاً لِيُنذِرَ الذينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى للمُحْسِنين).
كـلـمـات المـفـسِّــريــن
1- قال الطبري في تفسيره (ج12 ص361) في تفسير الآية 17 من سورة هود :
"وأما قولُه : ( إِمَاماً ) . فإنه نَصْبٌ على القطْعِ مِن ( كِتابُ مُوسَى ) . وقولُه : ( وَرَحْمَةً ) . عَطْفٌ على الإمامِ ، كأنه قيلَ : ومِن قبلِه كتابُ موسى إماماً لبني إسرائيلَ يأتمُّون به ، ورحمةً لهم مِن اللهِ تَلاه على موسى".
2- قال مكي بن أبي طالب في (الهداية إلى بلوغ النهاية ج11 ص6827) في تفسير الآية 12 من سورة الأحقاف :
"ثم قال: (وَمِن قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِمَاماً وَرَحْمَةً).
أي: ومن قبل هذا القرآن كتاب موسى أنزلناه عليه، "فالهاء" تعود على القرآن المتقدم ذكره في قوله: (إِن أتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ) وهو التوراة إماماً لبني إسرائيل يأتمون به، ورحمة لهم".
3- قال أبو المُظَفَّر السَّمعاني في تفسيره (تفسير القرآن ج2 ص419 طبعة دار الوطن، الرياض) في تفسير الآية 17 من سورة هود :
"وقوله: (ومن قبله كتاب موسى إِماماً) أراد به: التوراة، وقوله (إِماماً ورحمة) يعني: كانت التوراة إِماماً ورحمة لمن اتبعها، وهي مصدقة للقرآن، شاهدة للنبي صلى الله عليه وسلم".
4- قال البغوي في تفسيره (ج2 ص393 طبعة دار طيبة، الرياض، الإصدار الثاني، الطبعة الثالثة، 1431هـ - 2010م) :
"(وَمِن قَبلِهِ) أي: ومن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: من قبل نزول القرآن (كتاب موسى) أي: كان كتاب موسى (إِمَاماً ورَحْمَةً) لمن اتبعها، يعني: التوراة، وهي مصدقة للقرآن، شاهدة للنبي صلى الله عليه وسلم".
وقال في (ج4 ص136) في تفسير الآية 12 من سورة الأحقاف :
"(وَمِن قَبلِهِ) أي: ومن قبل القرآن (كتاب موسى) يعني: التوراة (إِمَاماً) يقتدى به (وَرَحْمَةً) من الله لمن آمن به، ونُصِبَا على الحال عن الكسائي، وقال أبو عبيدة: فيه إضمار، أي: جعلناه إماماً ورحمة، وفي الكلام محذوف، تقديره: وتقدمه كتاب موسى إماماً ولم يهتدوا به".
5- قال ابن الجوزي في (زاد المسير ج4 ص88) في تفسير الآية 17 من سورة هود :
"قوله تعالى : ( إِماماً ورحمة ) إِنما سماه إِماماً ، لأنه كان يهتدى به ، "ورحمة" أي: وذا رحمة ، وأراد بذلك التوراة، لأنها كانت إماماً وسبباً لرحمة من آمن بها".
6- قال القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن ج19 ص192) في تفسير الآية 12 من سورة الأحقاف :
"قوله تعالى: (وَمِن قَبلِهِ) أي: ومن قبل القرآن (كتاب موسى) أي: التوراة (إِمَاماً) يقتدى بما فيه (وَرَحْمَةً) من اللهِ. وفي الكلام حذفٌ؛ أي: فلم يهتدوا به. وذلك أنه كان في التوراة نعتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والإيمانُ به، فتركوا ذلك. و"إِمَاماً" نصب على الحال؛ لأن المعنى: وتقدَّمه كتابُ موسى إماماً. "وَرَحْمَةً" معطوف عليه. وقيل: انتصب بإضمار فعلٍ، أي: أنزلناه إماماً ورحمة".
7- قال ابن كثير في تفسيره (تفسير القرآن العظيم ج7 ص425) في تفسير الآية 17 من سورة هود :
"ثم قال تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى ) أي : ومن قبل القرآن كان كتاب موسى وهو التوراة ( إماماً ورحمة ) أي : أنزله الله تعالى إلى تلك الأمة إماماً لهم ، وقدوة يقتدون بها ، ورحمة من الله بهم ، فمن آمن بها حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن ، ولهذا قال تعالى : ( أولئك يؤمنون به )".
8- قال الآلوسي في (روح المعاني ج25 ص76 طبعة مؤسسة الرسالة) في تفسير الآية 12 من سورة الأحقاف :
"وقوله سبحانه: (إِمَاماً وَرَحْمَةً) حال من الضمير في الخبر، أو من "كتاب" عند من جوَّز الحال من المبتدأ. وقيل: حال من محذوف، والعامل كذلك، أي: أنزلناه إماماً. وهو كما ترى. والمعنى: وكائنٌ من قبله كتاب موسى يقتدى به في دين الله تعالى وشرائعه كما يقتدى بالإمام، ورحمة من الله سبحانه لمن آمن به وعمل بموجبه.
وقوله تعالى: (وَهَذَا) أي: القرآن الذي يقولون في شأنه ما يقولون (كتابٌ) مبتدأ وخبر، وقوله عز وجل: (مُّصَدِّقٌ) نعت "كتاب" وهو مصبُّ الفائدة، أي مصدِّق كتاب موسى الذي هو إمامٌ ورحمة، ولما بين يديه من جميع الكتب الإلهية".
9- قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان ص927) في تفسير الآية 11-12 من سورة الأحقاف :
"(وإذْ لم يَهْتَدوا به فسيقولونَ هذا إفكٌ قَديمٌ)؛ أي: هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن، وفاتهم أعظمُ المواهب وأجلُّ الرغائب؛ قدحوا فيه بأنَّه كذبٌ، وهو الحقُّ الذي لا شكَّ فيه ولا امتراء يعتريه، (الذي) قد وافق الكتب السَّماوية، خصوصاً أكملها وأفضلها بعد القرآن، وهي التوراة التي أنزلها الله على (موسى إماماً ورحمة)؛ أي يقتدي بها بنو إسرائيل ويهتدون بها، ويحصُلُ لهم خير الدنيا والآخرة".
10- جاء في (التفسير الميسر ص503، إعداد نخبة من العلماء، المملكة العربية السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدَّعوة والإرشاد، مجمَّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الثانية، 1430هـ - 2009م) :
"(12) ومن قبل هذا القرآن أنزلنا التوراة إماماً لبني إسرائيل يقتدون بها، ورحمة لمن آمن بها وعمل بما فيها، وهذا القرآن مصدق لما قبله من الكتب، أنزلناه بلسان عربي؛ لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وبشرى للذين أطاعوا الله، فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم في الدنيا".
11- قال ابن قيِّم الجوزية في (الصواعق المرسَلَة على الجَهْمِيَّةِ والمُعَطِّلَة ج3 ص1125-1126، دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، 1418هـ - 1998م) :
"والعاقل اللبيب إذا تدبر القرآن، وتدبر كلام هؤلاء المعارضين له تبين أن الريبة كلها في كلامهم والطمأنينة في كلام الله ورسوله، وأخبر سبحانه أن التوراة - التي هو أكمل وأجل منها - إمامٌ للناس. فقال تعالى: (وَمِن قَبلِهِ كِتابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً) [الأحقاف: 12]. والإمام هو القدوة الذي يؤتم به. وكيف يقتدي بكلام يخالف صريح العقل وسماه سبحانه فرقاناً لأنه فرق بين الحق والباطل، فلو خالف صريح العقل لم يكن فرقاناً..".
إذا كانت التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام إماماً للناس يقتدون بها ويعملون بما فيها ويهتدون بها، فلا رَيْبَ أنَّ القرآن الكريم إمامٌ للناس، فهو أعظم وأجل كتابٍ أنزله الله سبحانه على خير خَلْقِهِ وأكرمِ رُسُلِهِ محمد صلى الله عليه وآله، إذاً فتركه في الأمة كان بعنوان أنَّه إمامٌ للناس يقتدون به ويعملون بما فيه ويهتدون به، وهو رحمةٌ من الله للناس، فيكون تركُ أهل البيت عليهم السلام الذين قَرَنَهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وآله بكتاب الله بمعنى كونهم أئمةً يقتدي بهم الناس ويعملون بتعاليمهم ويهتدون بهديهم ويسيرون على نهجهم.
ولقد حَصَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله الأمن من الضلال في اتباع القرآن الكريم وأهل البيت معاً، وهذا يعني أنَّ عدم التمسُّك بهما يؤدي إلى الضلالة والخسران، فلا يمكن التَّمسُّكُ بأحدِهِما دون الآخر، لأنَّ كلّاً منهما مُصَدِّقٌ للآخر، ومن كان التَّمسُّكُ بهم موجباً للنجاة من الضلالة فلا بدَّ أن تكون الإمامة فيهم لا في غيرهم.
الاستاذ المجاهد عاشق امير المؤمنين حفظه الله ورعاه
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع