بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
قرأت مقالة بقلم الشيخ مرتضى الفقيه العاملي
بعنوان .. الحسين (ع) يعلمنا كيف نحقق اهدافنا وكيف ننتصر
وقد اعجبتني فأحببت ان انقلها للفائدة والاجر ...
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين ..
اذا تأملنا في واقعة كربلاء العظيمة ، ودرسنا تحركات قائدها العظيم ، وأعملنا النظر في كلماته ومواقفه التي اطلقها عليه السلام ، نجد فيها الكثيرمن الدروس التي تنفع الكثير من الناس على اختلاف تطلعاتهم ، فمن وضع نصب عينيه هدفا واراد بلوغه ، يتعلم كيف يبلغه ، ومن اراد الموعظة فإنه ولاريب سيجد ضالته ، ومن توخى العاطفة ، فإنها منبع العواطف الجياشة .
ولأن الحسين عليه السلام شخصية استثناية بكل المقاييس ، لايمكن استيعاب كل جوانبها ، ولكن مالايدرك كله لايترك كله .
وسأتناول اليوم جانبا من شخصيته ، وهو جانب القائد او الثائر او قائد الثورة ، ( ماشئت عبّر ) ، وفي هذا الجانب من شخصيته ، ايضا لايمكن استيعاب كل فنون القيادة التي يتمتع بها هو عليه السلام ، لانه كان إستثنائيا في كل جوانبه ، ولو تمكن احد من ادراك كل تلك الجوانب ، ويحيط بمعرفة كل الجوانب تمام الاحاطة لاصبح ذلك العارف استثنائيا في معرفته ، ولو تمكن من تطبيق ماأحاط بعلمه عمليا ، لكان هو الحسين ع وليس غير الحسين .
ولان الحسين ع هكذا في إستثنائيته ، حملّه الله تعالى أمانة تنوء بثقلها الجبال ، وتضعف دونها الرجال ، إنها أمانة الرسالة ، حمّلها لخاتم الانبياء ، ثم لخاتم اصحاب الكساء .
إن الحسين عليه السلام كقائد عظيم ، يحمل اعظم رسالة سماوية ، ثار لاجل ان يحفظ تلك الرسالة ، فتعال معي ننظر الى كيفية قيادته لتلك الثورة ونتعلم منها كيف يتصرف صاحب الهدف والغاية وكيف يسعى لتحقيق هدفه .
ويتلخص مأريد استنتاجه في نقاط ثلاثة :
الاولى : تحديد الهدف ، والاقتناع به ، والشعور بالمسؤولية الكاملة عنه ، فعندما تتوفر تلك العناصر ، يشعر الانسان ان حياته مرتبطة بذلك الهدف ، وانه ان لم يحقق هدفه يفضل الموت على الحياة ، وباطن الارض على ظهرها ، والقبور على القصور .
فأما الهدف فقد حدده عليه السلام ( اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر ) وان يزيد رجل لايستحق السلطة ولاشرعية لخلافته ، وليس الامر عن نعرة أو عداوة شخصية بل كما في زيارة الناحية ( ثم اقتضاك العلم للإنكار ، ولزمك ان تجاهد الفجار ) فإن يزيدا يشرب الخمر ويلعب بالقردة ومثل هذا لايخضع له مثل الحسين ع ، ( ومثلي لايبايع مثله ) واما الشعور بالمسؤولية فقد ذكره عليه السلام ( إني لم اخرج أشرا ولابطرا ) ( لطلب الاصلاح في أمة جدي وأبي ) فهو مسؤول عن تلك الامة لانه ورثها عن جده وأبيه صلوات الله عليهما ، وأما الاقتناع ، بهدفه فهو يخاطب من سأله لمحاولة اقناعه بالغاية الشريفة التي هو مقتنع بها تمام الاقتناع ، ( ألاترون الى الحق لايعمل به والى الباطل لايتناهى عنه ) فهو مقتنع بمطلبه ومبتغاه الى درجة لايحتاج معها الى الاتيان بالدليل ، فكون الناس ترى ان الحق لايعمل به والباطل لايتناهى عنه ، هذا سبب كافي ومركزي وكامل للثورة ، وعندما اكتملت هذه العناصر عنده اصبح يرى باطن الأرض خير من ظهرها ( لاأرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ) .
الثانية : التصميم وعدم المساومة على هدفه الاسمى وعدم القبول بالتسويات وأنصاف الحلول ، لأن أي تسوية او حل وسط ، معناه تراجع للهدف او عن الهدف ، فلابد ان يرى الثائر ان أي تراجع عن الهدف هو الذل بعينه مهما كانت المكاسب ، وأي تقدم بإتجاه الهدف هو عزة وكرامة مهما بلغت التضحيات ، ولذا لم يضعف ولم يهن ولم يلن ، أمام كل العروضات التي عرضت عليه ( اولا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك إلا ماتحب ) لكنه عليه السلام إعتبر أن أي تراجع هو انكسار واذلال ( ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين ، بين السلة والذلة ) فكان يعتبر أي حل لاينتهي بسقوط شرعية يزيد بن معاوية ( على الأقل ) هو ذل وهوان لايليق بمن يمثل الرسالة ولايليق برجل مثله ، فإن سليل النبوة وحامل الرسالة لايليق به الا العزة والأنفة والإباء ، ليس هو الوحيد الذي يرى ذلك في نفسه بل يراه الله والرسول والمؤمنون وكل من عنده غيرة وحمية ونفس ابية ( يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس ابية وانوف حمية من ان تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ) .
الثالث : ان لايستكثر شيئا على الهدف ، حتى لو لم يكن له دخالة بتحقيق الهدف ، او لايجب عليه تقديمه لاجل الهدف ، أو كان تأثيره بسيطا ، كمثل تقديم رضيع على المذبح أمامه ، وعند ذبحه يقول روحي فداه ( هوّن علي مانزل بي انه بعين الله ، اللهم لايكون اهون عليك من فصيل ناقة صالح ) فبرغم أن الرضيع لادخالة له ولايجب عليه قدمه عليه السلام ، وهان عليه الامر عليه السلام لانه بعين الله وهو يسمع ويرى .
وان كان ذبح الطفل الرضيع كان له نوع من التأثير ، لانهم إن ادّعو ان الحسين ع شق عصا الطاعة وفرّق وحدة المسلمين ، فلايمكنهم أن يدعّو ذلك على الطفل الرضيع .
وعندما اعطى الله تعالى كل مايملك وكل ماهو مسلط عليه ، ووصل الأمر اليه ، وتوجه امره للشهادة ، ورمي السهم الى قلبه الشريف وأصابه وانحنى على سرج فرسه حتى اخرجه من ظهره ومعه ثلثا كبده ( على ماتقوله الرواية ) ، وكان هذا السبب الرئيسي لاستسهاده ، ذكر التسمية على نفسه ( بسم الله وبالله وفي سبيل الله ) ليكون قدم نفسه قربانا على مذبح الاسلام ، ومن هذا المنطلق ، وبهذه الروحية وبتلك العقلية تصرفت السيدة زينب عليها السلام ، من اول تسلمها المسؤولية حيث وضعت يديها تحت الجسد الشريف وتوجهت الى السماء ( اللهم تقبل منا هذا القربان لوجهك الكريم ) فمن أول لحظة بدأت عليها السلام تجسد الشخصية القيادية وشروط القيادة التي استلهمتها من الحسين عليه السلام .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلو مهجهم دون الحسين عليه السلام .