ان بناء الشخصية الاسلامية من خلال التشريع يحتاج بشكل متواصل الى الايحاء الدائم بمعاني الخير والانسانية في الكلمة وفي الموقف وحتى في الايماء والاشارة لعلة تماما كقطرات الندى الخفيفة التي تتنزل تباعا على الارض قطرة اثر قطرة فتبث فيها روحية الحياة والطرواة وتتهيألموسم خصب جديد بلا ضوضاء ولاضجيج ف التشريع يحاول ان يجعل الخير طبيعة الانسان ولا اثر لذلك بعرق او لون او جغرافية ومن خلال هذه الحركية الشفافة في الفكر الديني الهادء السمح التي تزداد طرديا كلما كان هذا الفكريمتلك هامشا مخصصا للتدبير العقلي الانساني والتدبير الروحي العاطفي وهو ما يطلق عليه «منطقة الفراغ»، ما يجعله قابلا للتطور والنمو والتاقلم بعيداعن الجمود والتحجر الذي يصيبه بالهشاشة ويحيله مع تقدم الزمن الى مجرد افكار غير قابلة للحراك انما رغم مايتميز فيه المذهب الشيعي من قدرة على احتواء واقعة ورغم حالات التقية التي عاشها الشيعة كتدبير عقلائي ومخرج شرعي لحفظ المذهب فقد اصطبغت حياتهم بالدماءوتلونت بحد السيف فقلما يذكر المؤرخون حياة خلفاء لم يعملوا في رقاب الموالين حد السيف الا ما ندر منهم. حتى ان التاريخ يذكر ان ابا جعفر المنصور الخليفة العباسي الاول الذي خرج على الامويين تحت شعار ابناء الرسول اوصى زوجة ولده المهدي ان لا تفتح خزائن كان قد اعطاها مفاتيحها الا بعد موته وحين حدث ذلك فتحتها فاذا بها رؤوس جماعة من الطالبيين فيهم الاطفال والرجال والشباب والمشايخ قد قتلوا و وضعت رقاع على آذانهم فيها انسابهم..وبرغم هذه الصعاب استطاع الانسان الشيعي ان يخلق وجودة وفكرة من خلال التشريع ويملاء مناطق الفراغ الروحي والعقلي من خلال الاجتهاد وحركة العلماء في الامة ........... لقد عاش ائمة الشيعة عليهم السلام حالة اشبة بلبرزخية في العمل السياسي تحديدا يبطنون الايمان باحقيتهم بمنصب الخلافة والامامة على الامة المستباحة ويظهرون غير مبالين البعد عن اجواء السياسة حفظا للمذهب والدين الاسلامي وحقنا لدماءكانت تسفك لاقل من ذلك بكثير. هذه الحياة السياسية فرضت نفسها على علماء الشيعة الذين بقوا تحت تاثيرها حتى قيام الدولة الشيعية الاولى . هذه الحالة المميزة بستراتيجية غاية في الروعة اوجدت نمطا خاصا من العيش غير معهود سابقا جعلهم يمارسون عقيدتهم الصحيحة المناوئة للسلطان الظالم المتنمر من دون امكانية كشفهم ورفع ستار الخفية عنهم او ضبطهم حيث تبوؤوا عددا من المناصب في الدولة العباسية من دون معرفة الخلفاء الذين اذا اكتشفوا ميلا لاصحابهم او اتباعهم الى هؤلاء الائمة كانوا يبادرونهم بالقتل وسفك الدماء من قبيل مافعل هارون الرشيد بالبرامكة حيث افناهم بعد ان كانوا اعمدة الدولة وركائز الخلافة التي منحوها قوتها ووجودها بحيلهم ومكرهم المعروف لعله افناهم حين استشم منهم رائحة الولاء والحب لائمة اهل البيت كما يذكر ذلك بعض المؤرخين. فالاسلام الشيعي اذن يختلف تماما في تاثيره على صنع الانسان وفي حفظ الانسان لانه يرتبط به ارتباطا صارما لا مجال عنده لاتخاذ موقف دون العودة الى موازينه واصوله وحيث ان موازينه واصوله لم تبق في حدود النصوص الاولى المؤسسة انما تجاوزتها الىنصوص اجتهد الانسان فيها على اساس من تلك الاصول الاولى فالحقها التاريخ بالنصوص المؤسسة فصارت منظومة معرفية ثم تحولت الى عقل معرفي ثم قيم معيارية تكمن وراء كل تصرف ومنها ممارسة العنف السياسي والعقائدي وعليه فان تنشيط الاجتهاد وتجديده المستمر وتسريته لكل صنوف المعرفة والاكثار من حوارات المجتهدين يقدمالقرار الاسلامي ازاء ظروفه وتحدياته خطوة نحو انهاء القطيعة وخطوة نحو التكامل التشاوري . ان الشيعة بصفة عامة لا يعترفون لاية سلطة بعد وفاة النبي ما عدا حكم الائمة عليهم السلام المعصومين بالشرعية الىيومنا هذا ويختلفون في منح الشرعية حتى (للحاكم الشيعي الفقيه) على خلفية مبناهم في صحة او عدم صحة نظرية ولاية الفقيه بيد انهم توازنوا بوسيطة يصح ان نطلق عليها استراتيجية الحل الوسط التي بحسب المعايير العصرية تعتبر من اروع الاسترتايجيات براعة وتقنية ازاء هذا الموقف بما يطلق عليه (بالتقية) كما ذكرنا سلافا اي التعامل مع هذه السلطة (رسميا)ظاهريا لا روحيا اوعقائديا وهو ما يطلق عليه بالاعتراف الواقعي وسياسة الامر الواقع المفروض وليس الاعتراف الشرعي ولا يرفعون ضد هذه السلطات سلاحا الا في حالات نادرة جدا منها لو اعتمدت سلطة ما من تلك السلطات انتهاك حرمة من حرم الدينوضرورياته او السعي الى ازالة واحدة منها او العمل على ابادتهم وتهديد وجودهم ودليلنا موقف مرجعية النجف خلالالسنوات 1916 - 1920 وموقف مراجع ايران للاعوام 1952 – 1979 وحركة البحرين الشيعية اعوام ما قبل 2000 وحركة الشيعة في المنطقة الشرقية بالسعودية وحركة المحرومين في جنوب بيروت وجنوب لبنان والشيعة في باكستانوالشيعة في افغانستان ابان حكم الملك ظاهر شاه وابان حكم ما قبل طالبان موقف مراجع الشيعة في العراق 1968 -2003 ازاء سلطة حزب البعث الفاشية ثم موقفهم في اعقد مرحلة واكثرها قلقا وارباكا وحيرة وهي ما بعد آذار 2003ومايليها ..هنا يشكل التشيع احد الافكار الدينية متميزا بديناميكية فريدة وقدرة مرتفعة على التاقلم مع المحيط الجغرافي والحيزالزماني بما يحمله من مفاهيم ورؤى تبقي لنفسها تحديد النقاط والحروف والخطوط العريضة وتحتفظ للفكر البشري تشخيص وتموضع كل ذلك. وبهذا الشكل يتضح جواب السؤال الاتي: هل يمكن للانسان التفوق على الظروف السياسية السائدة وتوجيهها لصالحه او انه مجبر علىمسايرتها والخضوع لها؟ فالانسان في الفكر السياسي الاسلامي قادر على اصلاح الظروف السائدة وتغييرها ومن هنا تنشا مسؤوليته. والقرآن يعلن بصراحة انتغيير الاوضاع السياسية والاجتماعية في حياة الانسان تاتي بارادته: [ان اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم )) .................................................. .................................... لواءمحمدباقر
البرزخية بالعمل السياسي
العرض الشجري