بينما كنت أسير في طريق العودة إلى المنزل وإذا بشيء صغير قد تحرك أمامي كانت الرياح ساكنة والجو مشمس فلا يمكن أن يكون ذلك الشيء جمادا قد حكته الرياح !
حولت الاقتراب أكثر بعد أن شعرت أن ذلك الشيء قد يكون طائرا جريحا وفعلا فلقد كان شعوري في محله !
إنها حمامة رمادية اللون ما أن نظرت إليها حتى عادت بي الذاكرة إلى أيام الطفولة حيث كنت أذهب مع أمي إلى الحضرة الحسينية المقدسة فأرى العشرات من هذه الحمامات الرمادية تطير من هنا وتحط هناك وأتذكر إنني في أحدى المرات سألت أمي عنها؟
فقالت :هذه طيور الحضرة!
لقد أحببت تلك الحمامات منذ صغري ولم أكن أراها في أماكن غير مكانها ذلك
((الأضرحة المشرفة ))
لذلك رأيت حينها إن كلام والدتي صحيح فأكيد إن هذه الحمامات تحب الأماكن المقدسة فنراها ترتادها ولا ترتاد غيرها هذا ماكان يدور في رأسي الصغير حينها !
أما اليوم وبعد مرور عشرات السنين فإنني التقي بإحدى تلك الحمامات لكن هذه المرة ليس في الحضرة كما كان في الصغر بل اتقيتها في الشارع !
وبدون تردد انحنيت عليها لأحملها فلقد كان جناحها مكسورا لكنها نظرت إلي وولولت قائلة :
ألا تخاف أن أكون مصابة بأنفلونزا الطيور ؟!
تفاجأت من كلامها وأسرعت قائلا: لكن لماذا تقولين هذا الكلام ؟
قالت : وقد بانت أكثر حزنا : لقد مرت أيام طويلة على كسر جناحي ولا يوجد أي شخص قد تجرأ واقترب مني
كلهم خائفون أن أكون مصابة بأنفلونزا الطيور !
قلت لها وقد آذاني كلامها كثيرا أظن انك مصابة بشيء آخر ؟
فقالت : نعم فأنا لست من هذه البقعة !
قلت : ألست من كربلاء ؟
قالت : بل من سامراء .
قلت سامراء !ولماذا أنت هنا الآن ؟
قالت :هل أنت مستعد لسماع قصتي ؟
قلت نعم بالطبع!
قالت وقد بدأت تضم جناحها المكسور شيئا فشيئا إلى صدرها :
أولا : أنا أشكرك لوطنيتك وشجاعتك وإنسانيتك و..... الآن فقط أشعر بالارتياح بعد أن عرفت إن هناك شخصا مازال يحتفظ بوطنيته تجاه كل شيء عراقي في بلده سواء كان ذلك الشيء إنسانا أو حيوانا أو أي شيء آخر فأنت لم تشأ تركي هنا مكسورة الجناح أعاني الألم والأوجاع رغم إن المئات مروا بي وأنا في طريقي إلى كربلاء وكنت أقع على الأرض بين فترة وأخرى , لكن لا يوجد من يرأف بحالي ويحاول مساعدتي ,
لا أعرف ما لذي أصاب العراقيين ؟!
اثنان فقط حاولوا الاقتراب مني الأول ابتعد عني بعد أن قال له أحدهم : لا تقترب منها فقد تكون مفخخة !
وبعد أيام حاول أحدهم مساعدتي لكن الناس صاحوا به : دعها فقد تكون مصابة بالأنفلونزا!
وبعد هذا الكلام الذي نطقت به هذه الحمامة الرمادية لمحت الدموع في عينيها الدائريتين قلت لها :
ولكن لم تخبريني ما الذي أتى بك إلى هنا وأنت في هذه الحالة ؟
قالت: لقد كنت في صبيحة ذلك اليوم أقف في أطهر وأحب بقعة إلى قلبي كنت أقف على تلك القبة الذهبية المشرفة إنها بيتي ومسكني بل هي الروح التي بين جنبي لقد أحببتها منذ صغري عندما كنت أقف عليها أشعر بأني أملك العالم بأسره كانت أكبر وأجمل قبة في العالم باعتراف الجميع .
ولم أكن أتصور إنني سوف لن أراها بعد ذلك اليوم !
في تلك الصبيحة لم أشعر إلا وإعصار قوي قد عصف بي ورماني بعيدا عنها .....لم يكسر جناحي فقط في تلك اللحظة بل كسر قلبي وذهبت حياتي بذهابها لذلك قررت ترك سامراء لأنني لا أتحمل بقائي فيها من دون رؤية قبة إمامي الهادي (عليه السلام).
لقد اعتصر قلبي ألما لما سمعته من تلك الحمامة الصغيرة وعرفت الآن لماذا هي هنا تعاني الآم الوحدة والمرض .
نظرت إلي وقد بدت أكثر تعبا وإرهاقا ثم قالت : أرجوك لقد اقترب أجلي وليس لي إلا طلب واحد أتمنى أن تحققه لي بعد وفاتي ؟
قلت لها: اطلبي أيتها العزيزة .
قالت بعد أن أموت خذ ريشة من جسمي واحتفظ بها عندك وبعد أن تتمكن من زيارة أرضي الحبيبة سامراء أحفر هناك حفرة قرب الحضرة العسكرية المقدسة واجعل ريشتي فيها فالطائر كالإنسان يبقى في حنين دائم لأرضه ومدينته .
اغرورقت عيناي بالدموع بعد أن لوت تلك الحمامة برأسها وافترشت الأرض تحتها لتسلم روحها إلى بارئها .
حفرت لها حفرة ومددت يدي نحوها لأضعها فيها ولم أنس أن أأخذ ريشة صغيرة من جناحها المكسور لأبقى أنتظر ذلك اليوم الذي يمكنني الله فيه أن أفي لها بعهدي بعد أن تكتحل عيناي برؤية تلك القبة الذهبية وقد أعيدة لها هيبتها بعد أن تتطهر أرضنا من دنس الاحتلال والتكفير .
وضعت الريشة الرمادية في منديل لأدسه في جيبي أكملت طريقي نحو المنزل وأنا أردد
يارب انصر العراق والدول العربية
من الطغاة والمعتدين
اتمنى ان تنال اعجابكم
تحياتي لكم