لماذا أرسلوا حفنة من تراب البحرين إلى نيويورك؟
حفنة من تراب وطنهم، يقتنيها الوطنيون في المنافي، لم تفارق شوبان، الموسيقار البولندي الشهير في منفاه، وكل مباهج باريس في القرن التاسع عشر لم تنسه حنينه لوطنه، ولولا ذلك الحنين وحفنة تراب الوطن لربما لم تنقدح عبقريته بمقطوعته الرائعة البولونيز.
حفنة من تراب البحرين في نيويورك، ليست لمنفي، ولم تتخللها اصابع تحن للوطن، ولم تلهم عبقرياً، قبل أن تنطمس الآثار في التراب لنتعقب القصة من بدايتها.
هو ثري إلى حد الفحش، والأقوال تتضارب في اصل عائلته، والمؤكد هو أن أجداده قدموا بعد الغزاة من آل خليفة، وبلقب مختلف، ولمقتضيات تضييع الأصل اختار جدهم اسماً آخر، أيسر على النطق، وأقرب للبيئة المحلية، وهو بالطبع على مذهب آل خليفة وموضع ثقتهم وإلا لما اختاروه عضواً في مجلس الشورى.
هي ثرية ايضاً، اصلها من السعودية، لكن من الخضريين لا الشيوخ الأصيلين، كان ابوها يمتلك من الأرض والمباني في البحرين ما يكفي لسكنى الألاف من البحارنة الأقحاح، الذين لا سكن ولا وظيفة لهم، ومن ضمن ما خلفه أبوها مجموعة من تماثيل وتحف عاجية اشتراها بمليون دولار، فصارت غرفة الاستقبال في منزله المطل على البحر أشبه بمقبرة للفيلة.
" كل الربع يسوونها"، كان تبريره عندما واجهته زوجته بخيانته لها، مع أكثر من واحدة، منهن من لا نريد ذكر اسم عائلتها، إذ يكفيهم عاراً وشناراً ما فعلوه في البحرين، والمهم بأنها غضبت وهاجت وكادت أن تطلب الطلاق، ثم هدأت سورة غضبها، بعد أن تذكرت ثروته الكبيرة، فقررت البقاء معه على مضض.
يبدو أن الثروة مهما عظمت لا تبلسم الجراح، وخاصة جرح زوجة مخلصة، ادار زوجها له ظهره من أجل ساقطات، لذا أصبحت حياتها مثقلة بعقد النقص والاضطراب والدونية.
ادركت جيداً بأن اطباء النفس لا يمتلكون علاجاً ناجعاً لوجع قلبها فتحول اهتمامها لمعالجة كبرياءها الجريحة بالجراحة التجميلية، فلم تترك عضواً مرئياً، وبعضها غير مرئي، إلا وأخضعته لمبضع جراحي التجميل في فرنسا وبريطانيا ولبنان، من شفط الدهون لشد الوجه وتجميل العنق واصلاح الصدر وغيرها.
عادت للتدخين غير عابئة بمضاره لأنه يفقدها شهيتها فلا تسمن.
لا عزاء في الأبناء، فهم اصلاً للمربيات الأجنبيات، وهكذا حال معظم أبناء الأثرياء الخليجيين المترفين، هم أشبه بالمعروضات في واجهة العائلة.
يسيطر اليأس عندما تكون النفس ضالة من دون هدي ولا عقل، واليأس والإحباط أقصر السبل للهلاك أو السقوط في الخرافة، وهنا يأتي دور نيويورك.
كل أنواع الإحتيال رائجة بين الخليجيين، وما أكثر ضحايا المحتالين والمشعوذين بين سكان الخليج، إن لم يجد الخليجيون ضالتهم من المشعوذين في بلادهم بحثوا عنها في بلاد أخرى، حتى في نيويورك وجدت الزوجة البحرينية – السعودية مشعوذة فذهبت لزيارتها، لم تسمع من المشعوذة الأمريكية جديداً، كل مصائبها بما فيها خيانة زوجها نتيجة عين حسود، ولكن العلاج السحري كان مختلفاً، طلبت منها المشعوذة حفنة من تراب بيتها أو حديقتها، لتقرأ عليها تعويذة خاصة بإبطال تأثير الحسد، وصدقتها المرأة، واخبرت زوجها بذلك، لم يسخر منها، ولم يحاججها، ولكنه احتار في تلبية الطلب، هما في نيويورك والتراب في البحرين، وايصال التراب ممكن وهين، حفنة من تراب في ظرف مغلق بإحكام، ويرسل بالبريد الخاص المستعجل، والكلفة ليست مهمة، ولكن ماذا سيقول لمن سيطلب منه القيام بذلك؟ وأخيراً اهتدى للجواب، أو الكذبة:
"سأقول لهم نحن بحاجة لعينة من تراب الحديقة لاجراء تحليلات كيماوية عليها!"
في المستقبل عندما تسمعون تبريراً عقلانياً وعلمياً تحروا أن لا يكون مجرد غطاء مموه لشعوذة، هكذا هو حال العرب، بالأمس واليوم، وخاصة أصحاب النفوذ والثروة، فهم باستطاعتهم بوسائل إعلامهم وأموالهم طمس الحقائق الناصعة واحلال الأكاذيب والدجل محلها.
المهم وصلت حفنة التراب من البحرين بعد أيام، وسلمت للمشعوذة لتكمل عمل السحر عليها، وعادت السيدة المفجوعة وزوجها إلى البحرين.
إن كنتم تتساءلون إن كان للسحر مفعول، فالجواب هو بالنفي، لأن كل سحر المشعوذين لا يجبر انكسار كبرياء زوجة ، فضل زوجها عليها الساقطات، لكن مغامراته النسائية انتهت لا بفعل السحر ولا التوبة وإنما نتيجة ذبحة صدرية وأوامر الأطباء.
هؤلاء هم أثرياء البحرين، نازحون لا أصليون، أنصار آل خليفة لا أهل البحرين، أصحاب الثروات والنفوذ، فاسدون لا مصلحون، مؤمنون بالشعوذة لا الدين، هؤلاء هم الذين جاء جيش الوهابية لنصرتهم، وبعد أليس من حق البحرينيين الثورة على آل خليفة وصنائعهم والاطاحة بهم؟ نعم وذلك واجبهم الديني والوطني والإنساني.
25 حزيران 2011م