عن عمرو بن ميمون قال : رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة ، قد زنت ، فرجموها ، فرجمتها معهم .
المصدر: صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 3849
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
شرح الحديث في فتح الباري شرح صحيح البخاري
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
دارالريان للتراث سنة النشر: 1407هـ / 1986م
رقم الطبعة: ---
عدد الأجزاء: ثلاثة عشرجزءا
قوله : ( رأيت في الجاهلية قردة ) بكسر القاف وسكون الراء واحدة القرود ، وقوله : " اجتمع عليها قردة " بفتح الراء جمع قرد ، وقد ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه آخر مطولة من طريق عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون قال : " كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف ، فجاء قرد من قردة فتوسد يدها ، فجاء قرد أصغر منه فغمزها ، فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته ، فوقع عليها وأنا أنظر ، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق ، فاستيقظ فزعا ، فشمها فصاح ، فاجتمعت القرود ، فجعل يصيح ويومئ إليها بيده ، فذهب القرود يمنة ويسرة ، فجاءوا بذلك القرد أعرفه ، فحفروا لهما حفرة فرجموهما ، فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم " .
قال ابن التين :لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم . ثم قال : إن الممسوخ لا ينسل قلت : وهذا هو المعتمد ، لما ثبت في صحيح مسلم " أن الممسوخ لا نسل له " وعنده من حديث ابن مسعود مرفوعا إن الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا وقد ذهب أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن العربي إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ ، وهو مذهب شاذ اعتمد من ذهب إليه ما ثبت أيضا في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه واله - لما أتي بالضب قال : لعله من القرون التي مسخت وقال في الفأر : فقدمت أمة من بني إسرائيل لا أراها إلا الفأر وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه - صلى الله عليه واله - قال ذلك قبل أن يوحى إليه بحقيقة الأمر في ذلك ، ولذلك لم يأت الجزم عنه بشيء من ذلك ، بخلاف النفي فإنه جزم به كما في حديث ابن مسعود ، ولكن لا يلزم أن تكون القرود المذكورة من النسل ، فيحتمل أن يكون الذين مسخوا لما صاروا على هيئة القردة مع بقاء أفهامهم عاشرتهم القردة الأصلية للمشابهة في الشكل فتلقوا عنهم بعض ما شاهدوه من أفعالهم فحفظوها وصارت فيهم ، واختص القرد بذلك لما فيه من الفطنة الزائدة على غيره من الحيوان وقابلية التعليم لكل صناعة [ ص: 197 ] مما ليس لأكثر الحيوان ، ومن خصاله أنه يضحك ويطرب ويحكي ما يراه ، وفيه من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته ، فلا يدع في الغالب أن يحملها ما ركب فيها من الغيرة على عقوبة من اعتدى إلى ما لم يختص به من الأنثى ، ومن خصائصه أن الأنثى تحمل أولادها كهيئة الآدمية ، وربما مشى القرد على رجليه لكن لا يستمر على ذلك ، ويتناول الشيء بيده ويأكل بيده ، وله أصابع مفصلة إلى أنامل وأظفار ، ولشفر عينيه أهداب . وقد استنكر ابن عبد البر قصة عمرو بن ميمون هذه وقال : فيها إضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحد على البهائم وهذا منكر عند أهل العلم ، قال : فإن كانت الطريق صحيحة فلعل هؤلاء كانوا من الجن لأنهم من جملة المكلفين ، وإنما قال ذلك لأنه تكلم على الطريق التي أخرجها الإسماعيلي حسب ، وأجيب بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدا ، وإنما أطلق ذلك عليه لشبهه به ، فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان . الخ