إثر تفجير أبراج الخبر في حزيران/ يونيو 1996م والذي راح ضحيته عدد من الجنود الأمريكان في السعودية، شنت السلطات السعودية حملة اعتقالات واسعة شملت العديد من المواطنين بينهم مجموعة كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية المتمركزة في المنطقة الشرقية من المملكة، وعلى الرغم من أن التحقيقات لم تثبت تورط أي من المعتقلين في الحادث الإرهابي.
إلا أنه تم تلفيق تهم مفتعلة ألصقت بهؤلاء المعتقلين الذين صدرت بحقهم على أثر تلك التهم أحكاماً طويلة تتعلق بممارسة الأنشطة الدينية والشعائر المذهبية، وتوزيع الأشرطة والكتب الدينية، وزيارة الأضرحة «الأماكن المقدسة لدى الطائفة الشيعية» خارج السعودية كالعراق وإيران، وهي في عمومها حقوق طبيعية تكفلها وتقرها مواثيق شرعة حقوق الإنسان الدولية. غير أن السلطات السعودية تحضرها على مواطنيها الشيعة وتجرم من يقوم بها، وقد صدر بحق العشرات من المعتقلين جراء هذه التهم أحكاماً بالسجن لمدد تتراوح بين الثلاث إلى السبع سنوات، قضوها في ظروف شديدة القسوة من التعذيب وإساءة المعاملة، وقد تحدثت عن ذلك بعض المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان في العالم مثل منظمة مراقبة حقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2003م.
وقد تم الإفراج عن القسم الأكبر من هؤلاء المعتقلين بعد أن أنهوا مدة الأحكام الصادرة بحقهم وتعرضهم للتعذيب بصورة ممنهجة، إلا أنه لا يزال هنالك بعض المعتقلين مضى على اعتقالهم ثمان سنوات وحتى الآن لم تبت السلطات السعودية في أوضاعهم.
تفجير الخبر:
وقع تفجير ضخم في إحدى العمائر السكنية في مجمع الإسكان بمدينة الخبر بالمنطقة الشرقية في السعودية ضمن مجموعة أبراج يشغلها مجندون أمريكيون وذلك في الخامس والعشرين من يونيو حزيران 1996م وقد استخدم الإرهابيون شاحنة (صهريج) مفخخة استطاعوا إيقافها بجوار البرج السكني المستهدف بعد اجتياز حواجز الأمن عند البوابات الخارجية، وبعد تفجيرها لاذوا بالفرار مستخدمين سيارة أخرى كانت في انتظارهم خارج المجمع، وقد راح ضحية الانفجار الذي أتى على القسم الأكبر من البرج تسعة عشر قتيلاً أمريكياً وإصابة قرابة ثلاثمائة وخمسين شخصاً.
حملة الاعتقالات:
منذ الإعلان عن تفجيرات الخبر بادرت سلطات الأمن السعودية بشن حملة اعتقالات عشوائية واسعة في صفوف المواطنين الشيعة الذين يشكلون أكثرية السكان في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، وشملت الاعتقالات مجموعات مختلفة بينها نشطاء اجتماعيين ومثقفين ورجال دين وعناصر فاعلة ومتعاطفين مع جماعة «حزب الله الحجاز» ـ وهي جماعة شيعية تأسست منتصف الثمانينات ولها أنشطة ثقافية وإعلامية عديدة في السعودية وخارجها ـ ويبدو أن السلطات السعودية كانت تتحين الفرصة لضرب هذه الجماعة وتقليص أنشطتها وفعالياتها المختلفة، ولذا كانت حملة الاعتقالات شاملة وطالت كافة رموز وتيار الجماعة، حيث تقدر أعداد المعتقلين حينذاك بما يزيد على 200 شخص.
وقد تم في الوقت ذاته اعتقال مواطنين من أبناء الطائفة السنية ومن المؤيدين لتنظيم القاعدة، وبعضهم كان عائداً للتو من جبهات القتال في أفغانستان، إلا أن الملاحظ أن معظمهم تم التحقيق معه بصورة سطحية وأفرج عنه سريعاً على الرغم من ثبوت ضلوعهم في تدريبات عسكرية وامتلاكهم لأسلحة ممنوعة.
مسار التحقيقات:
وعلى الرغم من قوة العملية ودقة تنظيمها وحجم الضحايا الذين وقعوا فيها، واعتبار ذلك العمل الإرهابي نقلة نوعية وإنجازاً مفصلياً في نشاط المجموعات المتشددة في السعودية، إلا أن نتائج التحقيقات الرسمية التي نشرت لم تتوصل بشكل واضح إلى الجهة التي تقف خلف هذا العمل الإرهابي. كما أن التعاون الأمني الكبير ـ الذي أعقب الحادث ـ بين الأجهزة الأمنية السعودية والأمريكية لم يسفر عنه توافق حول تحديد الجهة التي تقف وراء التخطيط والتنفيذ للعملية.
فالمملكة العربية السعودية أعلنت مراراً أنها لن توجه أي اتهام لأي دولة أو مجموعة في الخارج ما لم تتوفر لديها أدلة واضحة تثبت وتدين المتورطين بما لا يقبل الشك، بينما سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إلقاء اللوم على جمهورية إيران الإسلامية والجماعات الموالية لها في المنطقة وعلى رأسهم جماعة «حزب الله الحجاز». غير أن التحقيق مع المواطن السعودي «هاني الصايغ» الذي تم تسليمه من كندا إلى الولايات المتحدة والذي اتهم بانتمائه لجماعة «حزب الله الحجاز» ومشاركته في العملية أسفر عن تبرئة ساحته أمام المحاكم الأمريكية والسماح له بالعودة إلى المملكة العربية السعودية التي لا زالت تعتقله منذ ذلك الوقت دون تمتعه بحقه في محاكمة علنية وتوكيل محام للدفاع عنه.
ومن ناحية أخرى فإن الجهة الوحيدة التي باركت هذا العمل الإرهابي هي تنظيم القاعدة الذي يتزعمه السعودي المنشق «أسامة بن لادن» والذي اعتبره أفضل السبل لإخراج «الكفار» الأمريكيين من السعودية. كما أن سلسلة التفجيرات المتعاقبة التي وقعت في السعودية منذ ذلك التاريخ، والتي يقوم بها أفراد مناصرون أو منتمون لتنظيم القاعدة تشير إلى أن تفجيرات الخبر قد لا تخرج عن سياق ذات الأهداف التي تسعى القاعدة للوصول إليها، وقد سبق حادث الخبر تفجيرات مركز تدريب الحرس الوطني في العليا بمدينة الرياض بتاريخ 13/11/1995م وأدت إلى مقتل سبعة أشخاص على الأقل بينهم خمسة أمريكيين وهنديان وجرح في الانفجار أكثر من 60 آخرين.
وقد تبين من خلال مسار الأحداث بأن الانفجارات التي تشهدها المملكة حالياً يقف وراءها متشددون سلفيون، وتحمل طبيعة هذه التفجيرات المتلاحقة نفس بصمات انفجار أبراج الخبر من حيث نوع المتفجرات المستخدمة وتكتيكات وأساليب التنفيذ، وكذلك وجه التشابه الكبير بين انفجار الخبر وتفجيرات كينيا ونيروبي التي أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، وبعد أن لقيت هذه التفجيرات مباركة قيادات تنظيم القاعد ة وأشادوا بمنفذيها ونسبوها إلى أتباعهم داخل المملكة، بالإضافة إلى عدة تصريحات للمعارض السعودي المقيم في لندن «سعد الفقيه» والذي أوضح فيها أنه لا علاقة للشيعة بانفجارات الخبر وأن التيار السلفي هو من قام بتنفيذها، رغم هذا إلا أن السلطات السعودية سعت إلى توريط الشيعة في القضية من أجل تصفية حساباتها مع الناشطين الدينيين الشيعة، وربما هدفت من وراء ذلك أن تحجم قوة التيار السني السلفي وتثبت محدودية تأثيره ونشاطاته داخل المجتمع السني بعد أن ثبت انه المسؤول عن تفجيرات العليا، وذلك في بداية انطلاقة موجة العنف في المملكة آنذاك.
المحاكمات الصورية:
منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم تم التحقيق معهم دون إتاحة الفرصة لهم أو لأهاليهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم، بل تكتفي السلطات بتكليف ضابط التحقيق بتمثيل الدفاع عن المتهم أمام محاكم تشرف عليها المؤسسة الدينية السلفية المتشددة تجاه الشيعة متمثلة في هيئة القضاء، والتي تضم قضاة لا يستندون على قوانين مكتوبة أو مرجعية قضائية محددة، بل تصدر أحكام هؤلاء القضاة باجتهاد خاص يخضع لرغبة القاضي ومزاجه وظروفه النفسية في قبال المتهم، ضمن محاكمات يلفها التكتم والسرية حتى عن ذوي المتهمين، ولا تبلغ الأحكام إلى المتهمين أو ذويهم.
التعذيب اللاإنساني:
تعرض بعض هؤلاء المعتقلين أثناء فترة وجودهم في سجن مباحث الدمام إلى أبشع وأقسى أصناف التعذيب ومنها:
1- توقيت الاعتقال، حيث تم اعتقال البعض فترة الأعياد أو بالتزامن مع انعقاد حفلات زواجهم.
2- سب المعتقدات الدينية والذات الإلهية.
3- السب والشتم الشخصي.
4- الضرب بأدوات حادة كالعصي الكهربائية والكرباج، وكيابل الكهرباء.
5- الكرسي الكهربائي الدوار، حيث يجلس المعتقل على كرسي يعمل بالكهرباء ويدور به حتى يفقد المعتقل وعيه أو يتقيأ.
6 – حرمان المعتقل من النوم، وقد تعرض بعضهم للسهر الإجباري لمدة أسبوع كامل.
7- إيقاف المعتقل لفترة طويلة على رجل واحدة، وإجباره على رفع يد واحدة.
8 – وضع كأس من الشاي الحار على رأس المعتقل.
9- المنع من دخول الحمام، مما أدى لإصابة بعضهم بالأمراض في الجهاز البولي والتناسلي والإصابة بالبواسير، وحين السماح لهم بالدخول للحمام لا يستطيعوا البقاء لأكثر من خمس دقائق، حتى البعض الذين حصلوا على تقرير طبي يسمح لهم بالدخول للحمام في أي وقت يحتاجونه، لا يسمح لهم بذلك. ولم يتم فتح دورات المياه المتواجدة في العنابر إلا في أواخر العام 2001م.
10- التعرية الكاملة من الملابس.
11- التعذيب الجنسي تهديداً وممارسة، وإدخال قضيب من الحديد في دبر المعتقل.
12 – الحبس الانفرادي لأكثر من 4 أشهر في غرفة تقل مساحتها عن مترين وبدون نافذة أو تكييف، في أجواء تتسم بشدة الحرارة والرطوبة. وسبق أن بقي أربعة من المعتقلين في الحبس الانفرادي لمدة خمس سنوات لوقت الإفراج دون ثبوت أي تهمة عليهم.
13- منع البعض منهم من الاستحمام لمدة أربعة أشهر متوالية.
14- منع المعتقلين من ممارسة الرياضة أو القيام بأي نوع من أنواع التمارين البدنية.
15- منع دخول الصحف والمجلات وكل ما له اتصال بالعالم خارج المعتقل.
وبعد نقلهم إلى سجن إدارة المباحث بمنطقة الحائر بالرياض تحسنت ظروف الاعتقال نسبياً، حيث سمح لأهاليهم بزيارتهم لفترات قد تمتد إلى ساعات، وحصلوا على معاملة أكثر إنسانية مما هو عليه الوضع في سجن المباحث بالدمام ،إلا أن الأهالي لا زالوا يتجشمون عناء السفر أسبوعياً للزيارة مما يلقي بأعباء نفسية وجسدية ومادية على أهالي المعتقلين، لاسيما وأن بعض هؤلاء المعتقلين يشكل مصدر الدخل الوحيد لأسرته.
في انتظار مناصرة الضمير العالمي:
تستمر السلطات السعودية في تأخير النظر في قضية هؤلاء المتهمين الشيعة، وتماطل مع المطالب المستمرة لإنهاء ملف قضيتهم، حتى بعد انكشاف جميع الدلائل الداعمة لبراءتهم، وقد حاول أهالي المعتقلين مراراً الاستفسار عن مصير أبنائهم بكتابة الخطابات إلى مكتب وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، ومراجعة أمارة المنطقة الشرقية، ألا انهم لم يبلغوا عن التهم الموجهة لأبنائهم أو الأحكام التي صدرت بحقهم، ولم يمنحوا أي إيضاحات أو أجوبة تطمئنهم على مصير أبنائهم المعتقلين.
وقد أمضى المعتقلون حتى الآن ما يقارب ثمانية أعوام في ظل ظروف وأوضاع نفسية وبدنية مهينة ومقلقة، وفي حالة انقطاع تام عن أي اتصال بالعالم الخارجي لنطاق السجن، إذا استثنينا الزيارات المتقطعة وغير المنتظمة لعوائلهم، ولم تستطع اللجان المهتمة بحقوق الإنسان الاتصال بهم أو الإطلاع على حقيقة وتفاصيل ظروف معيشتهم اليومية داخل السجن.
إننا ونيابة عن أهالي المعتقلين نوجه نداءنا إلى كافة الضمائر الحرة في العالم، وإلى جميع اللجان والهيئات الحقوقية المهتمة بقضايا سجناء الرأي ومناهضة التعذيب، ونخص بندائنا الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أن يتدخلوا وفق الآليات المتاحة والمشروعة، وأن يسعوا في المحافل الدولية المعنية للضغط على حكومة المملكة العربية السعودية وحملها على المبادرة الفورية لإنهاء معاناة هؤلاء السجناء المنسيون داخل أقبية زنازين سجن الحائر بالرياض.