في كتاب الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي لما بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة من الأنصار ببيعة العقبة الأولى وكانوا ستة أنفس منهم بشر بن سعد وحارثة بن النعما ن وسعد بن عبادة الصامت وعبد الله بن رواحة فلما كان في القابل أقبلوا أولئك الستة ومعهم ستة آخرون منهم بشير بن زيد والبراء بن معرور وعبد الله بن أنيس وسهل بن زيد وعبادة بن الصامت والهيثم فلقوا النبي وبايعوه على أنهم لا يشركون بالله ولا يسرقون ولا يزنون ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق لا يأتون ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصونه في معروف فقالوا يا رسول الله إنا إذا تركنا من هذه الشرايع واحدة ماذا يكون فقال النبي يكون الأمر في ذلك إلى الله عز وجل إن شاء عفى وان شاء عذب فقالوا رضينا يارسول الله فابعث معنا رجلا من أصحابك يقرء علينا القرآن ويعلمنا شرايع الإسلام والناس يؤمنون الواحد بعد الواحد والرجل بعد الرجل والإمرأة بعد الإمرأة
فلما كان العام االثالث وهي البيعة الأخيرة التي بايعه فيها منهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان بايعوا رسول الله عليه أن يمتعوه مما يمتعون منه نسائهم وأنفسهم فاختار رسول الله منهم اثني عشر نقيبا وانصرفوا إلى المدينة فصار كلما اشتد البلاء على المؤمنين بمكة يستأذنون رسول الله
في الهجرة إلى المدينة فيأذن لهم فيخرجون ارسالا متسللين أولهم فيما قيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وقيل أولهم مصعب بن عمير فعند قدومهم المدينة على الأنصار
أكرموهم وأنزلوهم في دورهم وآووهم ونصروهم وواسوهم فلما علم المشركون بذلك وأنه صار للمسلمين دار هجرة وان أكثر من أسلم قد هاجر إليها شق عليهم ذلك
فاجتمع رؤساء قريش بدار الندوة وكانت موضع مشورتهم لينظروا ما يصنعون بالنبي وكانوا عشرة ومنهم: شيبة وعتبة ابني ربيعة وبنية ومنية إبنا الحجاج وأبي وأمية ابني خلف وأبو جهل بن هشام ونضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط. فهؤلاء العشرة اجتمعوا للمشورة
فجاءهم إبليس في صورة شيخ نجدي عليه جبة صوف وفي يده عكاز يتوكأ عليه فقال لهم قد بلغني الاجتماع لمشورتكم فأحببت أن أحضركم فيما تعدمون مني رايا حسنا
فأدخلوه معهم وأول من تكلم عتبة بن ربيعة
فقال الرأي أن تحبسوا محمدا في بيت مغلق ليس له غير طاقة واحدة يدخل إليه منها طعامه وشرابه
وتربصون به ريب المنون
قال إبليس ليس هذا برأي فإن له عشيرة فتحملهم الحمية على أن لا يمكنوا من ذلك فتقاتلوا فقالوا صدق الشيخ
فقال شيبة بن ربيعة الرأي أن تركبوا محمدا جملا شرودا قد شددتموه بافشاع عليه وتطلقوه نحو البادية فيقع على أعراب حفاة فيكدر عليهم بما يقول فيقتلونه فيكون هلاكه على يد غيركم فتستريحون منه
فقال الشيطان لعنه الله بئش الرأي تتعمدون إلى رجل قد أفسد سفهائكم وجهالكم فتخرجون إلى غيركم فيفسدهم ويستتبعهم بعذوبة لفظه وطلاقة لسانه لئن فعلتم ليجمعن الناس عليكم جمعا ويقاتلكم بهم ويخرجكم من دياركم
فقالوا صدق الشيخ فقال أبو جهل لأشيرن عليكم برأي لا رأي غيره وهو أن تأخذوا من كل بطن من قريش غلاما وسطا وتدفعوا إلى كل غلام سيفا فيضربوا محمدا ضربة رجل واحد
فإذا قتلوه يفرق دمه في القبائل كلها فلا يقدر بنو هاشم على حرب قريش كلها فيرضون بالعقل فتعطونهم عقله وتخلصون منهم
فقال إبليس هذا هو الرأي قد صدق فيما قال وأشار به وهو أجود آراءهم فلا تعدلوا عنه فتفرقوا على رأي أبي جهل لعنه الله مجتمعين على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فأتى جبرئيل إلى النبي وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في موضعه الذي كان ينام فيه فعند ذلك أخبر عليا بامورهم وأمره أن ينام عوضه في مضجعه على فراشه الذي كان ينام فيه وقال له لن يصل إليك منهم أمر تكرهه ووصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ظاهرا على أعين الناس
وكانت قريش تدعوا النبي في الجاهلية بالأمين
وأمره أن يبتاع رواحل له للفواطم فاطمة بنت النبي وفاطمة بنت أسد أم علي وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ومن يهاجر معه من بني هاشم ومن ضعفاء المؤمنين
وقال لعلي إذا أبرمت ما أمرتك به كن على الأهبة للهجرة إلى الله ورسوله وسر لقدوم كتابي عليك ثم خرج عنه رسول الله وقال له إذا جائك أبو بكر فوجهه خلفي نحو بئر أم ميمون وكان ذلك في فحمة العشاء والرصد من قريش قد اطافوا بالدار ينتظرون انتصاف الليل وأن ينام الناس
فأخذا النبي قبضة من تراب وقرء عليها وحثاها في وجوههم فخرج فلم يروه ونام على فراشه
فدخل عليه أبو كبر وهو يظنه رسول الله فقال له علي أن رسول الله خرج نحو بئر أم ميمون وهو يقول لك ائتيني فلحقه أبو بكر ومضيا جميعا يتسايران حتى أتيا جبل ثور فدخلا الغار واختفيا فيه وجائت العناكب الذكور والأناث من أسفل الغار يستقبل بعضها بعضا حتى نسجت على الغار نسج أربع سنين في ساعة واحدة وأقبلت حمامتان من حمام مكة حتى سقطتا جميعا على باب الغار وباضت الأنثى منهما من ساعتهما بقدرة الله تعالى وحضنت على البيض وذهب من الليل ما ذهب
وعلي نائم على فراش رسول الله والمشركون يرجمونه فلم يضطرب ولم يكترث ثم أنهم تسوروا عليه ودخلوا شاهرين سيوفهم
فثار في وجوههم فعرفوه فقالوا هو أنت أين صاحبك فقال لا ادري فخرجوا عنه وتركوه ولم يصل إليه منهم مكروه وكفاه الله شرهم.
قال ابن الصباغ قال بعض أصحاب الحديث واوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل عليهم السلام ان انزلا إلى علي عليه السلام واحرساه إلى الصباح فنزلا إليه وهما يقولان بخ بخ من مثلك يا علي وقد باهى الله بك ملائكته،
واورد أبو حامد الغزالي في كتابه احياء العلوم أن ليلة بات بها علي على فراش رسول الله اوحى الله تعالى الى جبرئيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما اطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فأختارا كلاهما الحياة وأحباها فأوحى الله تعالى إليهما افلا كنتما مثل علي بن أبي طالب حين آخيت بينه وبين محمد