اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
رُويَ أنّه دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبدالله بن مسلم .. فقال له عبدالله بن مسلم : يا أبا حنيفة، إنّ هاهنا جعفر بن محمّد من علماء آل محمّد، فاذهبْ بنا إليه نقتبسْ منه علماً.
فلمّا أتيا، إذا بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه .. فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث، فقام الناس هيبةً له.
فالتفت أبو حنيفة فقال : يا ابن مسلم، مَن هذا ؟!!
فقال مسلم : موسى ابنه ..!!
فقال أبو حنيفة : واللهِ أُخجلُه بين يدَي شيعته .. ( أي أُحرجه !!)
قال له عبدالله : لن تقدر على ذلك.
فقال أبو حنيفة : واللهِ لأفعلنّه.
ثمّ التفت - أبو حنيفة - إلى الإمام موسى الكاظم عليه السّلام فقال : يا غلام، أين يضع الغريب في بلدتكم هذه ؟!! ( أي : أين يتخلّى ويقضي حاجته ؟!! )
فقال عليه السّلام : " يتوارى خلف الجدار، ويتوقّى : أعينَ الجار، وشطوطَ الأنهار، ومسقط الثمار.. ولا يستقبل القِبلةَ ولا يستدبرها، فحينئذٍ يضع حيث شاء ".
ثمّ قال أبو حنيفة : يا غلام، مِمّن المعصية ؟!!..
فقال عليه السّلام : " يا شيخ !! لا تَخْلو من ثلاث : إمّا أن تكون من الله وليس من العبد شيء .. فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله. وإمّا أن تكون من العبد ومن الله، والله أقوى الشريكَين .. فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذَنبه. وإمّا أن تكون من العبد وليس من الله شيء .. فإنْ شاء عفا، وإن شاء عاقب ".
فأصابت أبا حنيفة سكتةٌ .. كأنّما أُلقم فوه الحجر. فقال عبدالله بن مسلم : فقلت لأبي حنيفة : ألَم أقلْ لك : لا تتعرّض لأولاد رسول الله.
• وفي مصدر آخر .. قال أبو حنيفة يروي الواقعة بنفسه : حججتُ في أيّام أبي عبدالله الصادق، فلمّا أتيتُ المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذْنَه .. إذ خرج صبيّ يدرج، فقلت : يا غلام، أين يضع الغريب الغائط من بلدكم ؟!!..
قال : على رِسْلك ( أي : على مَهْلِك )، ثمّ جلس مستنداً إلى الحائط ثمّ قال : " تَوَقَّ شطوطَ الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق.. وتوارَ خلف جدار، وشلْ ثوبك، ولا تستقبلِ القِبلةَ ولا تستدبرْها، وضَعْ حيث شئت ".
يقول أبو حنيفة : فأعجبني ما سمعت من الصبيّ، فقلت له : ما اسمك ؟!! فقال : أنا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.
فقلت له : يا غلام، مِمّن المعصية ؟!!
فقال : " إنّ السيّئات لا تخلو من إحدى ثلاث : إمّا أن تكون من الله - وليست منه - فلا ينبغي للربّ أن يعذِّب العبد على ما لا يرتكب. وإمّا أن تكون منه ومن العبد - وليست كذلك - فلا ينبغي للشريك القويّ أن يظلم الشريك الضعيف. وإمّا أن تكون من العبد - وهي منه - فإن عفا فبكرمِه وجوده، وإن عاقب فبذَنْبِ العبد وجريرته ".
قال أبو حنيفة : فانصرفت ولم ألقَ أبا عبدالله ( الصادق )، واستغنيتُ بما سمعت ..!!
• عن عليّ بن إبراهيم القمّي ( صاحب تفسير القمّي ) عن محمّد بن مسلم قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام فقال له : رأيت ابنك موسى يصلّي والناس يمرّون بين يدَيه فلا ينهاهم، وفيه ما فيه ..!!
فقال أبو عبدالله عليه السّلام : ادعوا لي موسى. فدُعيَ فقال له : يا بُنيّ، إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك كنت تصلّي والناس يمرّون بين يديك .. فلم تَنْهَهم ..!!
فقال : نعم يا أبتِ، إنّ الذي كنت أُصلّي له كان أقربَ إليّ منهم، يقول الله عزّوجلّ : { ونحنُ أقربُ إليهِ مِن حبلِ الوريد }.
قال محمّد بن مسلم : فضمّه أبو عبدالله عليه السّلام إلى نفسه، ثمّ قال : بأبي أنت وأُمّي يا مُودَعَ الأسرار.
• روى محمّد بن سنان عن داود الرّقّي أنّ أبا حنيفة قال لابن أبي ليلى : مُرَّ بنا إلى موسى بن جعفر لنسأله عن أفاعيل العباد، وذلك في حياة الصادق عليه السّلام، وموسى عليه السّلام يومئذ غلام .. فلمّا صارا إليه سلّما عليه ثمّ قالا له : أخبِرْنا عن أفاعيل العباد مِمّن هي ؟!!
فقال لهما : " إن كانت أفاعيل العباد من الله دون خَلْقه .. فاللهُ أعلى وأعزُّ وأعدل من أن يُعذِّب عبيده على فعل نفسه. وإن كانت من الله ومِن خَلْقه .. فإنّه أعلى وأعزّ مِن أن يعذّب عبيده على فعلٍ قد شاركهم فيه. وإن كانت أفاعيل العباد من العباد .. فإنْ عذّب فبعدلِه، وإن غفر فهو أهل التقوى وأهل المغفرة ".