تعني أن يحدد الإنسان له منهجاً معيناً مؤمناً به يريدُ الوصول من خلاله إلى أهدافه الخيرة من القرب من الله تعالى، وبناء ذاته، يتكون هذا المنهج من مجموعة من المبادئ والشروط والقيود التي يلزمه الالتزام بها ثم يعاهد نفسه على الالتزام بذلك وعدم تجاوز هذه المبادئ
ويعبر عنها السيد الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) بالمشارطة وهي
أن يشارط ـ الإنسان - نفسه في أول يومه على أن لا يرتكب اليوم أي عمل يخالف أوامر الله ويتخذ قراراً بذلك ويعزم عليه. وواضحٌ أن ترك ما يخالف أوامر الله ليوم واحد أمر يسير للغاية ويمكن للإنسان أن يلتزم به، فأعزم وشارط وجرب، وانظر كيف أن الأمر سهل يسير
والمراقبة
تعني متابعة النفس ومدى التزامها بهذه المبادئ والقيم وإذا ما أخلت بذلك عن سابق عمد وإصرار أنبها وأعادها إلى الطريق القويم
على الإنسان أن يقطع عهداً على نفسه لأنه إن لم تحصل المشارطة أولاً، ولم يجعل لنفسه برنامجاً فإنه سوف لا يعرف كيف يراقب نفسه. فليتعهد مع نفسه في البداية على تحديد
ما يجب أن يقوم به لنفسه، وما يجب أن يقوم به لخلق الله، وعلى كيفية تقسيم أوقاته، فإنه يشخص هذه الأمور في ذهنه ويعاهد نفسه بأن يعمل طبقاً لهذا البرنامج وبعد ذلك يراقب نفسه دائــماً ويحاسبها عـلى فعل ما تعهدت به مرة في كل يوم وليلة
وكما لاحظت أن الروايات تؤكد على هذا التفاعل والانفتاح على النفس وانعكاساتها السلوكية فإن عمل خيراً ووجد نفسه ملتزماً بمبادئه حمد الله وطلب المزيد مع استشعار التقصير، وإن أخطأ أو قصر استغفر الله تعالى وطلب منه العون على التخلص من نواقصه وعيوبه بعد تقريع نفسه وتوبيخها
ويمكن تقسيم محاسبة النفس إلى
ا ـ المحاسبة اليومية
بمحاولة الجُلوس منفرداً في مكان هاديء، وتقسم اليوم إلى ثلاث فترات
1 ـ من أول الصباح حتى الظهر
2 ـ من صلاة الظهر حتى المغرب
3 ـ من صلاة المغرب حتى وقت المحاسبة والنوم
يستحـضر برامجه اليومي، ويحصر ذهنه في الفترة الأولى، ويحاول الرجوع بذاكرته مستعيداً (شريط) تلك الفترة، واقفاً على كل عملٍ وموقف، فيزنه بالمعيار الديني والعقلي ليرى مدى التزامه ببرامجه ومبادئه
سئُل الأمام علي (عليه السلام)
كيف يحاسب الرجل نفسه ؟
إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال: يا نفس! إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداوالله يسألك عنه فيما أفنيتيه فما الذي عملته أذكرت الله؟ أقضيت حق أخ مؤمن ؟
أنفست كربته أحفظته في ظهر الغيب ؟
و هكذا بقية الفترات، وحبذا لو سجل أهم الملاحظات في ورقة
2 ـ المحاسبة الدورية
جدير بالإنسان أن يقف مع نفسه وقفات مطوله بين آونة وأخرى ليتعرف على شخصيته من جميع جوانبها (الروحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية) وقفات يستجلي فيها نفسه فيطل عليها بعد أن يجرد منها شخصاً أخر يخاطبه ويقيّمه بعد استجوابه بأسئلة لا بد لكل منا معرفتها ومنها على سبيل المثال لا الحصر
ما هي علاقتي بربي ؟
هل أأنس بمناجاته كما أأنس بلقاء بعض عباده؟
ما مدى شعوري برقابته وإحاطته ؟
القرآن الكريم هو دستورنا كمسلمين فكيف تعاملي مع هذا الدستور ؟
وما مقدار التزامي بمبادئه ؟
ما مدى ارتباطي برسول الله تعالى كرسول وبأهل بيته عليهم السلام كأولياء لله تَجب مودتهم وطاعتهم ؟ هل أعيش الحب الحقيقي لهم ؟
من مصاديق الحب الواعي الطاعة والالتزام بمنهجهم، فأين أنا من هذا الصراط ؟
لنفسي عليَّ حق ماذا بذلت لها من جهد في سبيل بنائها وتكاملها ؟
هل أنا صادق مع نفسي؟
الله كلفني بحقوقٍ للآخرين (الوالدين - الأسرة - الأصدقاء - المجتمع)
هل أنا عادل في تعاملي معهم ؟ أم أني أعطي حق الأسرة للصديق؟
أو أُجحف في حق المجتمع ؟
ما مدى سعيي في تحقيق أهدافي وطموحاتي المشروعة ؟
ما هو واقعي ؟
ماذا يجب أن يكون ؟
ما هو أسلوب تقسيمي للزمن
على أي أساس اقترب من هذا و أتجنب ذاك ؟
لماذا هذا الارتباط العميق بفلان ؟
لماذا تبنيتُ هذه الفكرة دون غيرها ؟
هل تتوافق مواقفي مع الإسلام في هذه القضية أم تلك ؟
كيف أتعامل مع مشاكلي .. بعواطفي أم بعقلي
انفعالاتي لأجل المبدأ أم لأجل الذات ؟
اهتماماتي كيف يجب أن تكون ؟
كيف أصنع القرار؟
والكثير من الأسئلة والتي لو وقفنا عليها بهدوء وتأمل وتجرد تام وصراحة لوجدنا أنفسنا أننا نعيش الكثير من الأخطاء والمفارقات ولوجد الواحد منا أنه مليء بالتقصير والنقص والعيوب فيستشعر الذلة والحاجة للكمال المطلق فيدعوه بأن يوفقه ويسدده بأن يحيا إنسانيته وشريعة ربه فكراً وروحاً ومنهجاً