في السياسة بصورة عامة وفي السياسة العراقية بصورة خاصة توجد ظاهرة ملفتة للنظر. ملفتة في تكرارها، وملفتة في عدم أخذ العبرة منها. الظاهرة هي ان الكثير من الاشخاص المغمورين يصعدون الى السلطة على أكتاف آخرين يأتون بهم ثقة بهم او اكراماً لهم، حتى اذا استووا على العرش، رفسوا السلم الذي صعدوا عليه، وأعرضوا عن الذي اوصلهم الى ما وصلوا اليه، وتركوه في أشد ازماته وأحرج أوقاته، ولم يتصدقوا عليه حتى بموقف عزاء او كلمة رثاء.
واذا أخذنا جوهر الحالة (ارتقاء السلّم ثم رفسه) فيمكن ان نجد لها مصاديق كثيرة في ماضي العراق وحاضره، وما رأيناه في الحاضر يؤكد لنا ما حدث في الماضي..انظروا مثلا الى طارق الهاشمي...يرتقي المشهد السياسي ممثلا للحزب الاسلامي، ثم يقفز الى موقع أعلى فيترك حزبه لمصيره.
عبد الكريم العنزي يدخل البرلمان مرشحا عن حزب الدعوة تنظيم العراق، حتى اذا استوى على الجودي قال بعداً لقومي السابقين وانتقل الى محور سياسي آخر، ونفس الموقف من وزير "التربية" المهتم جدا بالتربية.
مغمورون جاء بهم اياد علاوي وغيره من رؤساء القوائم الى البرلمان فلما حصلوا على الراتب والامتيازات والحصانة نسوا ما ذكـّروا به واعلنوا استقلالهم عمن جاء بهم.
نواب في قائمة دولة القانون فازوا في الانتخابات الاخيرة بفضل فائض اصوات المالكي وأعلنوا – في عنفوان قوته السياسية- ان المالكي ليس متمسكا بولاية ثانية لكننا نحن المتمسكون به! حتى اذا مال به مركب الآثار صمتوا صمت القبور ولم يسعفوه ولو بتبرير او تبرئة من خزن الآثار سنتين مع الادوات المطبخية.
وزراء ووكلاء وزارت ومدراء عامون ومسئولون في مناصب حساسة وضعهم رئيس الوزراء السابق الدكتور الجعفري في اماكن لم يكونوا يحلمون بعـُشرها قبل بضعة اشهر ، فلما تقلبت الايام حولوا بوصلتهم وبدلوا ولاءهم ونسوا ولي نعمتهم.
السيد مقتدى الصدر حصل معه شيء مماثل فاذا به يشتكي ممن يأكلون تمره ويعصون أمره.
وكذلك حصل مع رئيس الورزاء الحالي نوري المالكي...جاء بطائفة من "الاخوان" مساعدين ومستشارين، رفع من شأنهم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا، ورطوه في مواقف كثيرة ليس أولها اعلانه عن خروج العراق من الفصل السابع وليس آخرها عزمه على محاسبة وزير المالية في جلسة علنية، واذا بهم يكفون عن ابداء المشورة المناسبة له، فيكتمون عنه ما ينبغي فعله من الخروج الى الرأي العام ليعلن بكل شفافية تفاصيل فضيحة الآثار وليقدم المسئولين عنها الى المحاكمة مهما كان شأنهم فيضرب مثلا على شجاعته وحرصه على تطبيق القانون، وليثبت عمليا عدم تورطه بالتستر على الفاسدين في مكتبه.
أشخاص عاديون جعلهم المالكي يده اليمنى فاصبحوا ذراعه وعينه ولسانه، واذا بهم يخزنون الآثار لمدة سنتين ثم يكشفونها بعد أن "عبق عطرها" في الآفاق واصبح المالكي في موضع التساؤل عن كفاءته في اختيار المساعدين، وموقفه من الذين تورطوا أو ورّطوه في هذه الفضيحة، وشجاعته في محاسبتهم محاسبة قانونية وهو زعيم دولة القانون.
هل سنشهد خرقا لقاعدة ارتقاء السلّم ثم رفسه؟
هل سيخرج علينا صاحب أرقى درجة في السلم ليعلن عن مسئوليته عن فضيحة الآثار ويعترف بأنه ارتكبها دون علم المالكي، انقاذاً له من ورطته، وليضرب مثلا واحدا على وفاء من يصعد لمن اصعده، او لينقذ أمـّة ً من الناس شوّه هذا المرتقي سمعتها وحرمها من حقوقها التي نالتها بشق الانفس؟