|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 52510
|
الإنتساب : Jul 2010
|
المشاركات : 95
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
مرض البخل وعلاجه
بتاريخ : 15-08-2010 الساعة : 03:57 AM
علاج مرض البخل يتم بعلم و عمل. و العلم يرجع الى معرفة آفة البخل و فائدة الجود، و العمل يرجع الى البذل على سبيل التكلف الى ان يصير طبعا له. فكل طالب لازالة البخل و كسب الجود ينبغي ان يكثر التامل في اخبار ذم البخل و مدح السخاء، و ما توعد الله به على البخل من العذاب العظيم، و يكثر التامل في احوال البخلاء و في نفرة الطبع عنهم، حتى يعرف بنور المعرفة ان البذل خير له من الامساك في الدنيا و الآخرة. ثم يكلف نفسه على البذل و مفارقة المال، و لا يزال يفعل ذلك الى ان يهيج رغبته في البذل، و كلما تحركت الرغبة ينبغي ان يجتنب الخاطر الاول و لا يتوقف لان الشيطان يعده الفقر و يخوفه و يوسوسه بانواع الوساوس الصادة عن البذل.
و لو كان مرض البخل مزمنا غير مندفع بما مر، فمن معالجاته ان يخدع نفسه بحسن الاسم و الاشتهار بالجود، فيبذل على قصد الرياء، حتى تسمح نفسه بالبذل طمعا في الاشتهار بصفة الجود، فيكون قد زال عن نفسه رذيلة البخل و اكتسب خبث الرياء، و لكن يتعطف بعد ذلك على الرياء و يزيله بعلاجه، و يكون طلب الشهرة و الاسم كالتسلية للنفس عند فطامها عن المال، كما يسلى الصبي عند فطامه عن الثدى باللعب بالعصافير و غيرها لا لكون اللعب مطلوبا بذاته، بل لينتقل من الثدى اليه ثم ينتقل عنه الى غيره. فكذلك هذه الصفات الخبيثة ينبغي ان يسلط بعضها على بعض حتى يندفع الجميع، فتسلط الشهوة على الغضب حتى تكسر سورته بها، و يسلط الغضب على الشهوة حتى تكسر رعونتها به. و قد جرت سنة الله بدفع المؤذيات و المهلكات بعضها ببعض، الى ان يندفع الجميع، سواء كانت من الصفات المؤذية او من الاشخاص المؤذية من الظلمة و الاشرار، الا ترى انه يسلط الظالمين و الاشرار بعضهم على بعض الى ان يهلك الجميع؟
و مثال ذلك-كما قيل-: ان الميت تستحيل جميع اجزائه دودا، ثم ياكل بعض الديدان بعضا، الى ان يرجع الى اثنين قويين، ثم لا يزالان يتقابلان و يتعارضان، الى ان يغلب احدهما الآخر فياكله و يسمن به، ثم لا يزال يبقى وحده جائعا الى ان يموت. فكذلك هذه الصفات الخبيثة يمكن ان يسلط بعض على بعضها حتى يقمعها، فيجعل الاضعف قوتا للاقوى، الى ان لا تبقى الا واحدة. ثم تقع العناية بمحوها و اذابتها بالمجاهدة، و هو منع القوت منها، اى عدم العمل بمقتضاها، فانها تقتضي لا محالة آثارا، فاذا خولفتخمدت و ماتت. مثلا البخل يقتضى امساك المال، فاذا منع مقتضاه و بذل المال مع الجهد و المشقة مرة بعد اخرى، ماتت صفة البخل و صارت صفة البذل طبعا، و سقط التعب و المشقة فيه.
ثم العمدة في علاجه ان يقطع سببه، و سببه حب المال، و سبب حب المال اما حب الشهوات التي يتوقف الوصول اليها على المال مع طول الامل، اذ لو لم يكن له طول امل و علم انه يموت بعد ايام قلائل ربما لم يبخل بماله، او ادخاره و ابقاؤه لاولاده، فانه يقدر بقاءهم كبقاء نفسه، فيمسك المال لاجلهم، او حبه عين المال من حيث انه مال فيحب فان بعض الناس من المشايخ و المعمرين يكون له من المال ما يكفيه لغاية ما يتصور من بقية عمره، و تزيد معه اموال كثيرة، و لا ولد له ليحتاط لاجله، مع ذلك لا نسمح نفسه باخراج مثل الزكاة و مداواة نفسه عند المرض، بل هو محب للدنانير، عاشق لها، يتلذذ بوجودها في يده، مع علمه بانه عن قريب يموت، فتضيع او تاخذها اعداؤه، و مع ذلك لا تسمح نفسه بان ياكل منها او يتصدق ببعضها. و هذا مرض عسر العلاج، لا سيما في كبر السن، اذ حينئذ يكون المرض مزمنا و الطبيعة المدافعة له قاصرة و البدن ضعيفا. و مثله مثل من عشق شخصا فاحب رسوله، ثم نسى محبوبه و اشتغل برسوله. فان الدنانير رسول مبلغ الى الحاجات، و هي محبوبة من هذه الحيثية، لا من حيث انها دنانير، فمن نسى الحاجات و صارت الدنانير محبوبة عنده في نفسها، فهو في غاية الضلالة و الخسران بل من راى بين الفاضل منها عن قدر الحاجة و بين الحجر فرقا، فهو في غاية الجهل.
ثم لما كان الطريق في قطع سبب كل علة ان يواظب على ضد هذا السبب، فيعالجحب الشهوات بالقناعة باليسير و بالصبر، و يعالج طول الامل بكثرة ذكر الموت و النظر في موت الاقران و طول تعبهم في جمع المال و ضياعه بعدهم، و يعالج التفات القلب الى الاولاد بان الذى خلقهم خلق ارزاقهم، و كم من ولد لم يرث مالا من ابيه و حاله احسن ممن ورث، و بان يعلم ان ولده ان كان تقيا صالحا فيكفيه الله، و ان كان فاسقا فيستعين بماله على المعصية و ترجع مظلمته عليه، و يعالجحب المال من حيث انه مال، بان يتفكر في مقاصد المال و انه لماذا خلق، فلا يحفظ منه الا بقدر حاجته، و يبذل الباقي على المستحقين ليبقى له ثوابه في الآخرة .
منقول نصا من كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين
|
|
|
|
|