ادعاءات الشيخ عثمان الخميس
حول واقعة الطف وبطلانها
ذكر الشيخ عثمان الخميس جُملة مِن الاعتراضات والإشكالات حول واقعة الطف، وأثار حولَها الكثير من الأكاذيب والأباطيل التي لا يقول بِها إلا مَن أعمى الهوى بصيرته، بل ادَّعى ادعاءات زاعمًا صحة أسانيدها التاريخية، متبعًا في ذلك كله أسلوب التجريح والتزوير والتكذيب والتشكيك والتدليس ـ وهذه هي بضاعته ـ، وسوف نثبت للملأ ـ بتوفيق وتسديد من الله جل شأنه ـ أنَّ كل ما أتى به مطعون فيه سواء من حيث السَّند أم من جهة الدلالة، وأنَّ ادَّعاءاته ما هي إلا كذب وانتحال لا أصل لَها، وأنَّ ما استدل واستشهد به لا يُمكن وصفه بالدليل العلمي ولا بالبَرهان المنطقي، لأنه مُخالف لآداب الرد وعُرف النقد وقواعد المناظرة فلا يقتضي علمًا ولا عملاً، بل هو أوهَن مِن بيت العنكبوت، حيث شحن كتابه بعبارات القدح والقذع، وأودع فيه تحاملاته ومقالاته الجوفاء التي لَم نجد فيها ردًّا ولا تفنيدًا ولا دحضًا ولا تدليلاً، وهذا ما سيعرفه القارئ في الصفحات الآتية وفي مطاوي نقضنا لِمزاعمه في هذا الكتاب.
الادعاء الأول
أن يزيد بن معاوية ليس فاسقًا
يقول الشيخ عثمان الخميس صاحب كتاب " حقبة من التاريخ " ص101 ما نصُّه: (فالفسق الذي نسِب إلى يزيد في شخصه كشرب خمر أو ملاعبة قردة كما يقولون أو فحش أو ما شابه ذلك لَم يثبت عنه بسند صحيح فهذا لا نصدقه والأصل العدالة..).
أقول: يظهر أن هناك بعض الأيادي الأموية حرَّكت الشيخ عثمان الخميس للدفاع عن يزيد بن معاوية، لذا نراه ينكر فسقه ولا يصدقه بل يدعي عدالته، في حين أن المتسالَم عليه عند علماء الشيعة قاطبة وعند كثير من علماء أهل السنة ثبوت كُفر يزيد بن معاوية ـ فضلاً عن فسقه وعدم عدالته ـ.
فقد نقل السيوطي والذهبي أن عبد الله بن حنظلة قال ـ في وصف يزيد بن معاوية ـ: (إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويدَع الصلاة) ( السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص167. وانظر الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص324. وأيضًا ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص449و450. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج6 ص19 )
وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص37و38: (وكان ناصبيًّا، فظًّا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكِر ويفعل المنكر، افتتح دولته بِمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرَّة، فمقتَه الناس، ولَم يبارَك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين..) .
وقال عنه أيضًا ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص440 ـ ردًّا على ما زعمه عثمان الخميس بأن الأصل فيه العدالة ـ: (مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يُروَى عنه..)
وجاء في تاريخ ابن الجوزي المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص322: (أنَّ الإمام أحمد سُئِل: أيُروَى عن يزيد الحديث؟ فقال: لا، ولا كرامة) .
ولِهذا قال الشوكانِي في نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار ـ ج7 ص176: (أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومَن وافقهم في الجمود.. حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه باغٍ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله..) .
وقال التفتازانِي: (والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مِمَّا تواتر معناه، وإن كان تفصيله آحادًا.. فنحن لا نتوقف فِي شأنه، بل فِي
كفره وإيمانه، لعنة الله عليه..) (ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123).
وقد نقل ابن خلكان في ( وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ ج3 ص287 ) وصف الفقيه الشافعي الكيا الهراسي ليزيد بن معاوية بقوله: (.. وهو اللاعب بالنرد، والمتصيِّد بالفهود، ومُدمِن الخمر، وشِعره في الخمر معلوم..) .
وذكر ابن كثير في (البداية والنهاية ـ ج8 ص 185) أنه كان في يزيد (إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات) .
وقال المنذر بن الزبير ـ عن يزيد بن معاوية ـ: (والله إنه لَيشرب الخمر، وإنه ليسكر حتى يَدَع الصلاة) (ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج6 ص7. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص450. وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص350و351. وأيضًا ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص173 ).
ومع أنَّ ابن كثير ـ في تاريخه ـ قد نصب نفسه مُحاميًا ومدافعًا عن يزيد بن معاوية إلا أنه لَم ينكر فسقه ـ كما أنكره عثمان الخميس ـ، حيث نص على أنه فاسق بقوله في البداية والنهاية ـ ج8 ص186 : (بل قد كان فاسقًا) .
قال ابن الأثير في الكامل في التاريخ ـ ج3 ص465: (قال عمر بن سبيئة: حج يزيد في حياة أبيه، فلما بلغ المدينة جلس على شراب له..)
وجاء في تاريخ ابن كثير البداية والنهاية ـ ج8 ص183 أنه (كان يزيد في حداثته صاحب شراب، يأخذ مأخذ الأحداث..) .
وقال ابن تيمية في منهاجه (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ـ ج2 ص253)ـ المعوَج ـ: (ولِهذا قيل لأحمد: أتكتب الحديث عن يزيد؟ قال: لا، ولا كرامة، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل).
أقول: هذه بعض آراء علماء أهل السنة في يزيد بن معاوية، كلها تصرِّح بفسقه وعدم عدالته، بل وكفره أيضًا، ذكرناها ليَرى كل منصف أنَّ الشيخ عثمان الخميس ليس لديه هَمٌّ سوى الدفاع عن أعداء أهل البيت عليهم السلام وإنكار الثابت عند المسلمين.
أما ما نقله (عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص101) من أنَّ مُحمد بن الحنفية مدح يزيد بن معاوية ونفى عنه شرب الخمر وترك الصلاة ، فالمفروض أن يذكر لنا " الشيخ " سَند الرواية، لنرى مبلغ صحتها ومدى وثاقة رجال إسنادها، لا أن يحتج بِها مكتفيًا بنقل ابن كثير لَها في تاريخه، وذلك لأن ابن كثير نفسه لَم يذكر سَند الخبَر، أي أنه روى خبَرًا مرسلاً، والمرسل ـ كما هو معلوم ـ لا يَجب العمل به ولا النزول عليه.