لماذا لم يتبع ابو حنيفة الامام الصادق مع انه من تلاميذة؟؟؟
الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
سلام الله عليكم
الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
مما يثير الاستغراب و يبعث على التساؤل حقاً هو أن أئمة المذاهب الأربعة رغم إعترافهم بالمنزلة العلمية و الدينية الرفيعة للإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) ، و رغم معرفتهم بأنه حفيد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و من جملة آل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) الذين لا يأخذون تعاليمهم إلا من جدهم رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) مباشرةً ، و أما جدهم النبي ( صلى الله عليه و آله ) فكل ما نطق به فقد أخذه من الله عَزَّ و جَلَّ عن طريق الوحي ، قال الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
فأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) سندُ أحاديثهم متصل بالوحي مباشرة ، حيث أنهم كانوا يقولون حدثني أبي عن جدي عن جبريل عن الباري ، فمذهبهم هو مذهب الرسول ( صلى الله عليه و آله ) لا يختلف عنه في شيء أبداً .
و الغريب أننا نجدُ أن أبا حنيفة إمام المذهب الحنفي و أستاذ بقية أئمة المذاهب الأخرى رغم تتلمذه على الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، و رغم إعترافه الصريح بأهمية ما تلقاه من الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، فإنه مع كل ذلك قد خالف أستاذه الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) و لم يتَّبعه في منهجه الفقهي و العلمي .
يقول الآلوسي : و هذا أبو حنيفة و هو هو بين أهل السنّة كان يفتخر و يقول بأفصح لسان : " لولا السنتان لهلك النعمان " يريد السنتين اللتين صحب فيها - لأخذ العلم - الإمام جعفر الصادق ( عليه السَّلام ) .
و يقول مالك بن أنس : إختلفتُ إلى جعفر بن محمد زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال : إما مصلّياً و إما صائماً و إما يقرأ القرآن ، و ما رأيته قط يُحدِّثُ عن رسول الله إلاّ على الطهارة ، و لا يتكلم بما لا يعنيه ، و كان من العلماء العبّاد و الزهاد الذين يخشون الله و ما رأت عين و لا سمعت اُذُنٌ و لا خَطَرَ على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً و عبادة و ورعاً .
و هنا يكرر السؤال طرح نفسه : إذاً لماذا لم يتبع أبو حنيفة أستاذه الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ؟
و الجواب واضح يتفطن إليه كل من أراد الحقيقة بعيداً عن الإنتماءات و التعصبات المذهبية ، و السبب الأول و الأخير في هذا الأمر و في غيرها من الموارد الأخرى المشابه ليس إلا السياسة و حب الرئاسة و و ...
و يكفيك دليلاً على صحة هذا القول موقف أبي حنيفة من أستاذه و تعاونه مع السلطان للنيل منه .
يقول أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور بعث إليَّ .
فقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد ـ أي الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) ـ فهيّئ له من المسائل الشداد ، فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إليّ أبو جعفر المنصور و هو بالحيرة ، فدخلت عليه و جعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلما بَصُرتُ به دخلتني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور ، فسلَّمتُ ، و أومأ فجلست .
ثم إلتفتَ إليه قائلاً : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة .
فقال : نعم أعرفه .
ثم التفت المنصور ، فقال : يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد الله مسائلك .
فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول : أنتم تقولون كذا ، و هم يقولون كذا ، و نحن نقول كذا ، فربّما تابعنا ، و ربّما تابعهم ، و ربّما خالفنا ، حتى أتيت على الأربعين مسألة ، ما أخلّ منها مسألة واحدة .
ثم قال أبو حنيفة : أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس .
و هذه القضية تدل بوضوح على حب الرجل للرئاسة حيث حاول إرضاء المنصور و التقرب إليه حتى بواسطة النيل من الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، الأمر الذي لم يوفق له .