نعزي بقية الله في ارضه وخليفته على خلقه الامام المهدي(عجل الله فرجه الشريف )
ومراجعنا العظام وشيعة امير المؤمنين في كل مكان بذكرى استشهاد سيدتنا ومولاتنا الحوراء زينب ( عليها السلام)
لمحات من حياة العقيلة ( عليها السلام)
نشأة فريدة
لابد وأن العائلة قد استبشرت وابتهجت بولادة السيدة زينب ( عليها السلام ) ، لأنها أول طفلة يحتفي بها بيت علي وفاطمة ( ع ) فقد سبق وان ازدان البيت الطاهر بوليدين صبيين هما الحسن ( ع ) الذي ولد منتصف شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة ، والحسين ( ع ) الذي ولد في الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة ، وتأتي الآن زينب ( ع ) في السنة الخامسة كما يرجح ذلك المحققون (1) وبعد عام أو أكثر أنجبت السيدة الزهراء ( ع ) بنتاً أخرى هي أم كلثوم لتكون شقيقة لأختها زينب ( ع ) .
وخلافاً لما كان منتشراً عند بعض العرب في الجاهلية من التشاؤم والاستياء عند ولادة البنت واعتبارها مولوداً ناقص القيمة والشأن ، بل قد تسبب لهم العار والفضيحة ، كما أنها لا تنفعهم في المعارك والحروب ، ولذلك كان بعضهم يئدها عند ولادتها بقتلها أو بدفنها حية كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله : ( وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به اُيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (2) .
خلافاً لذلك فقد أرسى الإسلام ثقافة سلوكية جديدة في المجتمع الإسلامي تدين تلك النظرة الأحتقارية للبنت وتجعلها مساوية في الشأن والقيمة للولد ، وأكثر من ذلك فان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كان يتحدث عن البنات بايجابية أكبر ، ويربي المسلمين على أن يكونوا أكثر احتفاءً وسرواً بقدوم البنت .
وننقل هنا بعض الأحاديث والنصوص الواردة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن الأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) :
بشر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بابنة فنظر الى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم ، فقال : ما لكم ؟ ! ريحانة أشمها ورزقها على الله ( عز وجل ) .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا بنات (3) .
عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « خير أولادكم البنات » (4) .
عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « نعم الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النار ، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة ، ومن يكن له ثلاث أومثلهن من الاخوات وضع عنه الجهاد والصدقة » (5) .
عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « من عال ابنتين أو ثلاثاً كان معي في الجنة » (6) .
____________
(2) سورة النحل ، الآيات ( 58 ـ 59 ) .
(3) ( وسائل الشيعة ) الحر العاملي ج 15 ، ص 102 .
(4) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 101 ، ص 91 .
(5) المصدر السابق ص 91 .
(6) ( الطفل نشوءه وتربيته ) مؤسسة البعثة ص 272 .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : « من كانت له ابنة واحدة كانت خيراً له من ألف جنة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضيافة » (7) .
عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ومن يمن المرأة أن يكون بكرها جارية » يعني أول ولدها (8) .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج وليبدأ بالأناث قبل الذكور ، فانه من فرّح أنثى فكأنما أعتق رقبة من ولد اسماعيل » (9) .
وسبب آخر يؤكد على حتمية السرور والأبتهاج الذي غمر البيت النبوي عند ولادة زينب هو المعرفة المسبقة التي أوحاها الله ( تعالى ) لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) بالمكانة العظيمة والدور الريادي الذي ستقوم به هذه الوليدة في الأمة الإسلامية لذلك تشير احدى الروايات الى أن تسمية السيدة زينب ( عليها السلام ) قد تمت من قبل الله ( تعالى ) يقول العلامة الشيخ جعفر النقدي ما نصه :
لما ولدت زينب ( ع ) جاءت بها أمها الزهراء ( عليها السلام ) الى أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقالت : سمّ هذه المولودة .
فقال : ما كنت لأسبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكان في سفر له ، ولما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسأله علي عن اسمها ، فقال : ما كنت لأسبق ربي ( تعالى ) .
____________
(7) المصدر السابق ص 272 .
(8) المصدر السابق ص 273 .
(9) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 101 ، ص 104 .
فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل ، وقال له : سم هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم . ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) (10) .
ولم يذكر الشيخ النقدي مصدر هذه الرواية ، لكن العلامة الشيخ محمد جواد مغنية نقل الرواية في كتابه : ( الحسين وبطلة كربلاء ) عن جريدة ( الجهورية ) المصرية ( 31 ـ 10 ـ 1972 م ) للكاتب المصري يوسف محمود .
ويقول العلامة السيد محمد كاظم القزويني : سماها جدها الرسول زينباً ، والكلمة مركبة من زين الأب ) (11) .
(10) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 16 .
(11) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 229 .
وتتحدث الكاتبة الأديبة عائشة بنت الشاطئ عن الأجواء التي سادت البيت النبوي عند ولادة السيدة زينب ، فتقول :
وبدا كأن كل شيء يعد الوليد بحياة سعيدة ، وأقبل المهنئون من بني هاشم والصحابة ، يباركون هذه الزهرة المتفتحة في بيت الرسول ، تنشر في المهد عبير المنبت الطيب ، وتلوح في طلعتها المشرقة ووجهها الصبيح ، ملامح آباء وأجداد لها كرام .
لكنهم فوجئوا ـ لو صدقت الأخبار ـ بظلال حزينة تلف المهد الجميل ! ظلال ربما لا يكون لأكثرها مكان في كتاب تاريخ يكتب للتحقيق العلمي لكن لها مكانها في النفس البشرية ووقعها على الوجدان .
حدثوا أن نبوءة ذاعت عند مولد الطفلة ، تشير الى دورها الفاجع في مأساة « كربلاء » وتحدث بظهر الغيب عما ينتظرها في غدها من محن وآلام .
كانت المأساة معروفة فيما يقولون ، قبل موعدها بأكثر من نصف قرن من الزمان ففي ( سنن ابن حنبل ج 1 ص 85 ) أن جبرئيل أخبر محمداً بمصرع الحسين وآل بيته في كربلاء .
وينقل ابن الأثير في ( الكامل ) أن الرسول ( ص ) أعطى زوجه أم سلمة تراباً حمله له أمين الوحي من التربة التي سيراق فوقها دم الحسين وقال لها : إذا صار هذا التراب دماً فقد قتل الحسين .
وإن أم سلمة حفظت ذلك التراب في قارورة عندها فلما قتل الحسين صار التراب دماً ، فعلمت أن الحسين قتل واذاعت في الناس النبأ .
وسوف نسمع المؤرخين بعد ذلك في حوادث عامي : ( 60 ـ 61 ) يذكرون أن ( زهير بن القين البجلي ) وهو عثماني الهوى خرج من مكة بعد أن حج عام ( 60 ) فصادف خروجه مسير الحسين الى العراق فكان زهير يساير الحسين الا أنه لا ينزل معه ، فاستدعاه الحسين يوماً فشق عليه ذلك ، ثم أجابه فلما خرج من عنده أقبل على أصحابه ، فقال :
« من أحب منكم أن يتبعني والا فإنه آخر العهد » .
ثم راح يروي لهم قصة قديمة من عهد رسول الله ( ص ) : قال انه خرج مع جماعة من المسلمين في غزوة لهم فظفروا وأصابوا غنائم فرحوا بها ، وكان معهم « سلمان الفارسي » فأشار الى أن الحسين سيقتل : ثم قال سلمان لأصحابه : « اذا أدركتم سيد شباب أهل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه ، منكم بما أصبتم اليوم من الغنائم » .
قال ابن الأثير : وتوجه زهير ـ بعد أن حدث أصحابه بحديث سلمان الفارسي ـ فودع أهله وطلق زوجته مخافة أن يلحقها أذى ، ولزم الحسين ( ع ) حتى قتل معه .
وكان الحسين ( ع ) فيما يروي المؤرخون يعلم منذ طفولته بما قدّر له ، كما كان دور أخته زينب حديث القوم منذ ولدت . فهم يذكرون أن سلمان الفارسي أقبل على علي بن أبي طالب ( ع ) يهنئه بوليدته ، فألفاه واجماً حزيناً ، يتحدث عما سوف تلقى ابنته في كربلاء .
وبكى علي الفارس الشجاع ذو اللواء المنصور ، والملقب بأسد الإسلام ! .