بعد أن ولَّى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قائده موسى بن نصير على المغرب ، استطاع أن يفتح طنجة ، و ترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد ، و منذ ذلك الحين بدأ طارق ، يتطلع لفتح بلاد الأندلس ، التي لم يكن بينهم و بينها إلا خليج يسير ، و كان ميناء سبته هو أقرب المدن إليه ، و كان حاكمها ، هو الكونت يوليان ، الذي كان نائباً للإمبراطور البيزنطي لذريق حاكم طليطلة ، ولكنه تحرر من سلطان الدولة البيزنطية ، و أصبح كالحاكم المستقل في سبتة و ما حولها ، بسبب أحقاد كانت بينهما ، و ذلك أن لذريق اعتدى على عِرض ابنة يوليان بعد أن بعث بها إليه لتخدمه و استأمنه عليها .
و قد استفاد موسى من هذه الخصومة ، و راسل يوليان حتى كسب وده ، و صار دليلاً لهم في تلك البلاد .
و عندها كتب موسى بن نصير ، يستأذن الخليفة في أن يوسع دائرة الفتح لتشمل بلاد الأندلس ، فرد عليه الوليد بن عبد الملك قائلاً له : " خضها بالسرايا حتى ترى ، و تختبر شأنها ، و لاتغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال " ، فكتب إليه موسى مبيِّنا له أنه ليس ببحر خِضَمّ ، و إنما هو خليج يبين للناظر منه ما خلفه " ،
فرد عليه الوليد بأنه لا بد من اختباره بالسرايا قبل خوضه ، و اقتحامه فأرسل موسى رجلاً من البربر ، يسمى طريفاً في مائة فارس و أربعمائة راجل ، و جاز البحر في أربعة مراكب ، مستعيناً بيوليان ، و كان دخوله في شهر رمضان سنة 91 هـ ، فسار حتى نزل ساحل البحر بالأندلس ، فيما يحاذي طنجة ، و هو المعروف اليوم بـ " جزيرة طريف " ، التي سميت باسمه لنزوله فيها ،
فقام بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل ، و غنم فيها الشيء الكثير ، ثم رجع سالماً غانماً ، و كان في ذلك تشجيعاً لموسى بن نصير على فتح الأندلس .
و بعدها انتدب موسى لهذه المهمة طارق بن زياد ، فركب البحر في سبعة آلاف من المسلمين ، أكثرهم من البربر , ورست السفن عند جبل لايزال يعرف حتى اليوم بجبل طارق ، و كان نزوله في رجب سنة 92هـ ، و لما نزل فتح الجزيرة الخضراء و غيرها ، و بلغ لذريق نزول المسلمين بأرض الأندلس ، عظم ذلك عليه ، و كان غائباً في بعض غزواته ، فجمع جيشاً جراراً بلغ مائة ألف .
و كتب طارق إلى موسى ، يطلب منه المدد ، و يخبره بما فتح الله عليه ، و أنه قد زحف عليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به ، فبعث إليه موسى بخمسة آلاف مقاتل معظمهم من العرب ، فتكامل المسلمون اثني عشر ألفاً ، و معهم يوليان يدلهم على عورة البلاد ، و يتجسس لهم الأخبار ، فأتاهم لذريق في جنده ، و التقى الجيشان على نهر لكة ، يوم الأحد لليلتين بقيتا من رمضان سنة 92هـ ، و استمرت المعركة ثمانية أيام ، و أخذ يوليان و رجاله يخذلون الناس عن لذريق ، و يقولون لهم : إن العرب جاؤوا للقضاء على لذريق فقط ، و إنكم إن خذلتموه اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك " ، و أثر هذا الكلام في الجنود فاضطرب نظام جيشه ، وفر الكثير منهم ، و خارت قوى لذريق ، لما رأى جنده يفرون أو ينضمون للمسلمين ، و هجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، و قيل : إنه جرحه ، ثم رمى لذريق بنفسه في وادي لكة فغرق ، و هزم الله لذريق و من معه و كتب الغلبة للمسلمين .
و بعد هذه المعركة توسع طارق في الفتح ، و توجه إلى المدن الرئيسية في الأندلس ، ففتح شذونة و مدوّرة ، و قرمونة ، و إشبيلية ، و استجة ، و استمر في زحفه حتى انتهى إلى عاصمة الأندلس " طليطلة " ، و تمكن من فتحها .
و هكذا تُوِّجت هذه الانتصارات ، التي تحققت في هذا الشهر المبارك ، و كان لها أعظم الأثر في بقاء سلطان المسلمين في الأندلس لمدة ثمانية قرون من الزمان ، أقاموا فيها حضارةً لم تعرفها البشرية كلها ، حتى حل بهم داء الأمم قبلهم ، و فشا فيهم التنازع و الاختلاف و الأثرة ، فانشغلوا بأنفسهم عن أعدائهم ، فحقت عليهم سنة الله التي لا تحابي أحداً .
( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ، و َتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، و َاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ، ( الأنفال 46 ) .
المصدر: الشبكة الاسلامية