ماذا لو دمر جيش عربي 30 دبابة للعدو في يوم : ألا يكون ذلك نصراً يهز الأرض العربية؟!
فلماذا تهميش انتصار المقاومة في «غمرة الديبلوماسية»؟
كل نبأ صحيح عن انتصار لبناني في مقاومة العدوان يتم ابرازه في اعلام مرئي أو مسموع أو مكتوب، لا يرفع فقط معنويات المواطنين وخاصة الذين نكبوا في أرواح ذويهم او ممتلكاتهم، بل يسهم في رفع معنويات المفاوض اللبناني، لجني أقصى ما هو ممكن من المكاسب لاعادة النهوض بالوطن مادياً ومعنوياً.
ولذلك فان المراقب الذي يعيش القضية الوطنية اللبنانية وجدانياً، سواء كان لبنانياً أو عربياً أو اجنبياً منصفاً أو متعاطفاً مع الوطن الصغير الجميل الذي تعرض للعدوان الوحشي الظالم الذي دمر بنيته التحتية واستهدف تدمير نموذجه في العيش المشترك، يشعر بالأسى وهو يرى بأم العين كيفية تبهيت وتحجيم انتصارات المقاومين للعدوان اعلامياً وسياسياً، على نحو يبدو فيه العدو نفسه أكثر تقييماً وتقديراً لانجازات المقاومة من سياسيين يتصدرون مركز القيادة ويدّعون لأنفسهم تمثيل اطياف من هذا الشعب، وهم الذين «يمسخون» عفوية تأييد قواعدهم الشعبية لاداء المقاومة، التي لا شيء في هذا الوطن بل على امتداد المنطقة ما هو اجدر منها ان بالتعظيم والاكبار، لأنها تجسد الى جانب الشجاعة والبطولة، انبل ظاهرة يمكن انت عتز بها امة من الأمم او شعب من الشعوب.
وبدلاً من ان ننحو باللائمة على الذين لم يكن لهم موقف ايجابي من المقاومة منذ ارهاصات نشوئها، وقد «زيّن لهم الشيطان» عداوتها، فاننا يجب ان ننتقد مدعي النطق، باسمها منها وفيها، لانهم تجاه انتصاراتها اصبح وضعهم يشبه الذي يرسل الله عليه نعمة موفورة فيستهتر بها ولا يعرف قيمتها، ونعمة الانتصار على عدو كان الانتصار عليه في نظر الملايين المنتشرة من المحيط الى الخليج بل من المحيط الأطلسي الى المحيط الباسيفيكي اشبه بالمعجزة التي تتحق في امر كان يبدو تحقيقه مستحيلا. واصبح الامر اقرب الى وضع ذلك الذين كان «يشتهي اللقمة» ثم ارسل الله اليه «مائدة دسمة» بشكل يومي على مدة شهر كامل، فأخذ يستخف بما انعم الله به عليه، وليس المقصود بهذا التشبيه المقاومة نفسها التي تعرف قيمة الجهود والعرق والدماء التي اوصلت الى تحقيق هذه الانتصارات، وهي مقاومة لا تبطر ولا ينتابها الغرور لانتصاراتها، ولكنها تعرف قيمتها وان كانت تكره التبجح والمماهاة الفارغة. علماً انها لو تباهت فانه يليق لها ان تتباهى لان مباهاتها تستند الى انجازات «تستأهل» الفخر والاعتزاز. ولكنها على نهج ملهميها الرساليين في الماضي والحاضر، كلما افاء الله عليها بنعمة النصر مكافأة لها على بلائها بلاء حسناً في ميدان الجهاد، كلما ازدادت تواضعاً، ولا يزال التاريخ يذكر بالتمجيد والتعظيم وقفة ذلك الرسول الذي احنى رأسها تواضعاً وخضوعاً لربه وهو يفتح مكة وعامل اعداء بالحسنى وبالعفو بعد انتصاره عليهم، لأنهم كانوا من ابناء وطنه وبني قومه: فقال لهم «اذهبوا فانتم الطلقاء»! وان كان احد الشعراء الموهوبين يقول من قبيل «التحفظ المحبب والطريف على العفو عن المنافقين والكائدين: عندما يقول: «انا مع محمد شرط دخول مكة بالسيف» وهذا الشرط وإن كان يضعه على حافة الهرطقة، فان محمداً (ص) يغفر له هذه «الجنحة» المنطلقة من باب الغيرة على ما اصاب المؤمنين من جانب المنافقين، ولأنه كان يتوقع منهم استغلال من قبل محمد وعفوه ولينقضوا عليه وعلى آله الطاهرين واصحابه المنتجبين، بعد ان يستغلوا نبله وتسامحه ويتظاهروا بالتوبة والولاء «ومنهم من يعجبك قوله وهو ألدّ الخصام كما تقول الآية:
«الا فلنعقد هذه المقارنة الافتراضية: ماذا ولو على سبيل الافتراض في حلم من احلام اليقظة، ان جيش مصر الشقيقة اضطرته اسرائيل بغدرها التقليدي المعروف الى مواجهة معها رغم ان الرئيس السادات »تعهد» لها من جانبه ولارضائها في اجواء عقد صلح معها «بأن حرب اوكتوبر هي آخر الحروب» ماذا لو قررت هي من جانبها ان تشن على بلده «حربا خفية» مثل محاربة تسلحه وعرقلة نهوضه بتسليط «جراثيم» على محاصيل مصر الزراعية كما تردد في وقت من الاوقات، وماذا لو خطر لحاكمها اذا كان يريد ان يسترد حرية اتخاذ القرار المستقل، الذي قيدته معاهدة كامب دايفيد؟، و«حرية اتخاذ القرار» امر مشروع حتى لو نصت على حرمانه منها الف معاهدة، ثم خاض معركة معها سواء كانت عبر القومندوس او عبر حرب خليط بين ما هو مستطاع من مواجهة نظامية لو جزئية مع ارسال مقاتلين مدربين على «حرب العصابات»، وراء خطوط العدو واستطاع ان يحرز نصراً (لا زلنا نتحدث عن حلم من احلام اليقظة، واستطاع المصريون نظاميين وفدائيين، كما حدث في معارك فايد والاسماعيلية وبور سعيد عندما خاص المصريون حرباً ضد المعسكرات البريطانية في منطقة القناة بحيث يطبق المصريون على الاسرائيليين في مواجهة جديدة ما سبق ان طبقوه في حمل البريطانيين على الجلاء عن مصر، بحيث يتأكد لنا بأنهم على سبيل المثال دمروا 30 دبابة «ميركافا 4» في يوم واحد، كما فعل المقاومون اللبنانيون في الجنوب يوم السبت (امس الاول)، الا يستحق مثل هذا النبأ ان يكون الابرز من كل انباء المنطقة والعالم، حتى لو كان هنالك قرار من مجلس الأمن ينتظره المتحاربون وينتظره العالم، افلا يكون نشر هذا الخبر في عناوين اقل بروزا مما قاله مندوب قطر (نيابة عن مندوب لبنان الحاضر ـ الغائب..) والذي لديه موهبة الرد ولكنه «موصى» بالا يكون «حاداً في موقفه لأن حكومته سبق لها ان ابدت اعتراضها على اسر عسكريين اسرائيليين لمبادلتهما بأسرى لبنانيين، عند العدو، بحيث اعتبر بعض اكثريي الحكومة ان العدو «معذور» في ان يدمر كل الحياة المدنية اللبنانية ويستبيح دماء وارواح وممتلكات كل اللبنانيين، فيما لم تسارع هذه الحكومة في اي يوم من الايام عندما تحوم الطائرات الحربية الاسرائيلية فوق مقر مجلس الوزراء المنعقد، و«لامرة» الى تأكيد حق اللبنانيين سواء كانوا مواطنين او جيشا او مقاومة، في ان يتجاوزوا الخط الأزرق الذي هو خط مصطنع، لم يوافق عليه لبنان بل ابلغ الامم المتحدة تحفظاً، عليه وبلسان رئيس الجمهورية مباشرة، ومع ذلك فانه لم «يخرقه» حتى عندما اسر العسكريين الاسرائيليين لان العدو يحتل جزءاً من ارضه فيما كانت اسرائيل تخرقه كل يوم واحيانا عدة مرات في اليوم براً وبحراً وجواً فلماذا لم تعلن الحكومة حتى دون العودة الى مجلس الامن ـ اذا كانت يائسة من استجابة مجلس الامن ـ بأن اي خرق جوي او بري او بحري للارض او الاجواء او المياه اللبنانية يعطي لبنان الحق في ان يضرب البنى التحتية الاسرائيلية ـ اذا توفرت لديه الوسائل ـ لو ان مجرد وجود قوات اسرائيلية على ارض يعتبرها لبنان ارضه ـ بقطع النظر عما تقوله اسرائيل او غيرها ـ وهي لا تنكر انها محتلة لهذه الارض ـ يعطي لبنان حق ان يطال ما يستطيع ان يطاله من مواقع واهداف داخل الاراضي التي يعتبرها الكيان الاسرائيلي تابعة له.. و«القانون» لا يطبق على المعتدى عليه في حين يعفى منه المحتل والمعتدى!
ثم اننا مع تعظيمنا لبطولات المقاومة، ونحن «نلوم» اجهزة اعلامنا على عدم اعطاء انتصارات هذه المقاومة حقها من الاهمية، نريد ان نتساءل: لماذا لم تعزز المقاومة انتصاراتها بانجازات ممكنة في اقتحام الخط الازرق على الجانب المحتل من فلسطين، فالذي يستطيع ان يدمر لاسرائيل عشرات الدبابات في اليوم ويستطيع ان يأتي بعسكريين مرة واحدة وراء خطوط العدو، فانه خلال المعارك المجيدة كان يستطيع اختراق الخط الأزرق، مثلما كانت تخترقه اسرائيل ولا تزال تخترقه منذ ما يزيد عن الشهر، وعلى نطاق واسع. لان المقاومة لو فعلت ذلك ـ ولو بعمليات متفرقة عبر الخط الأزرق كما تفعل اسرائيل بالذات ـ لكان لذلك اثر سيكولوجي رادع ينقل الوضع المعنوي اللبناني والعربي من موقع الدفاع الى موقع الهجوم كما يحدث في الاراضي اللبنانية بعد الخط الازرق لجهة لبنان، والذي يرسل الصواريخ الى العمق الاسرائيلي يستطيع بسهولة ان يقوم بغارات برية ولو متفرقة داخل الاراضي المحتلة بعد اجتياز الخط الازرق برياً، بحيث يشغل العدو داخل الارض التي يحتلها بدلاً من ان يشغلنا بمواجهة داخل ارضنا.. «ووالله ما غزي قوم في عقر دارهم الا وذلوا»! وهذا قول ليعسوب الذين وإمام المتقين الذي يعرف قدره المقاومون!