( بسم الله الرّحمن الرّحيم )
رجَلٌ قَدّسَهُ ضَميرُ العاشِقينَ حَتى تَغَنىّ بِاسمِهِ الأَحرارْ
(الخطيب الشّهيد الشيخ عبد الزّهراء ألكعبي (طاب ثراه)
بقلم / السيد بهاء آل طعمه
.................................................. .......................................
لابد للمشاعر أن تهيج ولابد للخواطر أن تصطحبها العبرات ويهتزعند ذاك الكيان حين يسمعُ الإنسان بأسماءٍ قد ازدهر بهـــا التأريخ وارتدى تاج الخـــلود واســـتنار بعطائها أحرار الوجود ......, فمسكتُ القلم وأنا في حيْرة ٍمن أمري لــــــعلّ أحدا يُسعفني ...!! فماذا عساي أنْ أقولْ .. عنْ هؤلاء الفحُول... الذين أفنوا حياتهم بخدمة آل الرّسول... حتى أصبحوا أقماراً تأبى الأفول ..., فمسكت قلــمي وقبل أن أكتب توقفت هنيئةً ..! وتأمّلتُ قليلاً حيث أخذني الشوق الأصب وغمرتني السعادة التي لاتوصف وغــبتُ منْ عالــمي هذا ورحتُ أطيرُ إلى عالمٍ ثــانٍ ودنيا مثالــية فيــها من اختارهُمُ اللهُ سبحانه لنصرة الدين وحماة الإسلام وإحقاق الحقوق ...., ثم ســـألتُ نفسي وقلت لها كيف لكِ الغوص في بحارٍ غرق فيها الباحثون ودعاة الـحق,بحارٌ هائجة متلاطمة الأمواج ملئها أسرار الأحرارويسيّرُهاعمالقة الدنيا , وكيف تكون نفسي مُنصفة في البحث الدقيق والوثيق عنْ أفذاذ الزمان حيث إنّ نفسي تعلم إنّ هذه الكواكبُ المضيئة برجالاتها قد استمدت عذوبتها من فيض عطاء تلكم القماقم الكماة ..... هـذا وقــد أجابتـني نفسي مطمئنة مستبشرة تقول (إن الخالدين الأحرار الذين وضعوا بصمات العزّة والكرامة قد علّمونا كيف نكون أحراراً كراماً كي تخلدنا العصـور على امتــدادها ) فلابد لنا أن نـُحيي مآثرهم ومواقفهم الحرّة الأبية ونكرس أمجادهم بكل فخرٍ واعتزاز وشرف لترتفع خفاقةً على رؤوس الأشهاد إلى يوم القيامة وليعلم الجميع ومن هب ودب ماالعراق وما أنجبْ ..!! قد أنجبْ أسودا لاتصارعها قوى الدنيا بأسرها . فمن هنا أستاذنــتُ نفــسي لأغوص في بحار النور وبسم الله مجراها ومُرساها دخلتُ لأبحث عنْ أولئك الضياغم درْسا يـُنير دربيْ ودرب السائرين إلى الخلود عن رجل هو منْ أندى الأنام ومن سراة الناس أفنى حياته الطاهرة بخدمة آل محمد (ص واله ) وخدمة المستضعفين فإنّ شيخنا (الكعبي ) (طاب ثراه ) لهُ مواقف بطولية وضاءة يشهد لها المجاهدون الأوفياء في ربوع المعمورة. فكان متحديا صنديدا لزمرة البعث الغاشم في خِضَمِّ ظروف دموية أموية حاقدة يقودها أبشع دكتاتور سجله التاريخ في عالم الوجود خلف في العراق الحطام والركام وقضى على أرباب الفكر والعقيدة وقتل العلماء والمثقفين وأصحاب الأقلام الحرة النزيهة ذلك حكم (صدام ) عليه لعائن الله أبد الآبدين .... فلم يهتز شيخنا الأبي لكل أساليب النظام الوحشية والضغوطات الطائشة والحروب النفسية فلم يبال لكل ذلك بل كان صامدا صابرا محتسبا يبذل جهده النير لإيصال صوت الحق ونصرة المذهب وإعلاء كلمة الله والدفاع عن الإسلام . حيث قد وجبت آنذاك (التقيّة ) التي كان معمول بها خشية الإطاحة بالأبرياء عمدا من قبل النظام التعسفي ألصدامي في العراق فكانت مواقف شيخنا الشهيد مواقفا إنسانية وأخلاقية وسياسية استطاع من خلالها نصرة الدين ومعونة المستضعفين من الفقراء والمحتاجين فكان سمحا طلقُ اليدين جزل العطاء ذو رونق لايرد من سأله فالكلُ عندهُ سواء فكان يعانق الطفل الصغير ويقبله ويقدّس الكبير ويحترمهُ وكان همّهُ إشباع الجياع وكفالة الأيتام فما كان في جيبه فهو للسائلين واللآجئين إليه لطلب العون هذا و( لهُمْ أعمالٌ دونَ ذلك هُمْ لها عامِلونْ ) فكان صوته يدوّي فوق منابر الحسين (ع) بالنصح والإرشاد ليكسب الجمهور إلى صراط الله مُحمّدٍ وَآلِ مُحمّد (ص واله ) فقد عظـّم اللهُ في نفسه فعظـّمَه الله ليكون قدوة للناس أجمعين وكان إذا رأى (سيّدا) من أبناء الزهراء عليها السلام صغيرا كان أم كبيرا ينحني إليه يقبلُ يديه ويعانقه اجلالا لنسبه العائد لرسول الله( ص واله) وبرز أكثر شيخنا الشهيد وعُرف بين أوساط العالم الإسلامي بقراءة (مقتل الحُسين ) في العاشر من المحرم من كل عام بصوته الحزين الشجيّ الذي يبكيْ منه العباد والجماد وحتى أبكى بصوته ملائكة السماء وهو يجسّدُ يوما لاكمثله يوماً أبدا منذ خلق الله الدنيا إلى يوم القيامة يوم به قتل( الحُسين ) ع ظلما .. على يدِ بني أمية عليهم لعائن الله . وكان يحضر ذلك العزاء المقام في العاشر من المحرم جمع ألوف الناس وهم ينصتون ( لمقتل الحُسين ع ) بصوت الشيخ عبد الزهراء ألكعبي وترى دموع الجالسين ملئت الدنيا بكل مكان ففي عام (1394-1907) أشرقت شمسا تنير بشعاعها بيتا من بيوتات العلم والشرف في كربلاء المقدسة لتلد رجلا فطحلا اصمعيا من فطاحله العصر ليسجل اسمه منذ الصغر في سجل الخالدين كي يمجده الصالحون ابد الزمان وبالفعل أصبح اسمه صوتا يهز العالم في كل يوم كما إنّ في كل يوم عاشوراء ... دخل شيخنا المُفدّى المدارس العلمية في كربلاء المقدسة وحاز على علومها فدرس على يد سماحة الشيخ عبد الحسين الحويزي و الشيخ فليح الرّماحي (طاب ثراهما ) ودرس الفقه والأصول على يد الشيخ محمد بن داود الخطيب (قد) ودرس المنطق على يدِ العلاّمة الشيخ جعفر الرشتي (قد) فتخرّج عالما عاملاً في داخله ثورة الولاء الصادق لإل محمد (ص واله ) فكان يلتظي لهبا كي يؤدي رسالته الغراء بنشر فضائل أهل البيت عليهم السلام .. ثم درس الخطابة على يد الخطيبين الشهيرين الشيخ محسن أبو الحب الخطيب والشيخ محمد مهدي الواعظ (رحمهما الله ) فأصبح خطيبا يهز أركان المساجد وخصوصا في الصحن الحسيني والعباسي المقدسين . وقد قدم لكربلاء وأهلها النِتاج الذي لا يضمحلُ الاّ اذا اضمحلتْ الحياة ويبقى اسمه في قلوب العاشقين مدى الأعوام.. وقد تشرفت بنظم بعض الأبيات من الشعر هدية مني لروحه الطاهرة فأقول....
فـَقِــيِدُ ( الحـُـسَينْ . ع
قصيدةٌ في رِثاءِ خَطيِب المِنْبَرالحُسَيْنِي العَلاّمة الشّيخْ الشهيد عبد الزّهراء الكعبيْ
( قد )
شعـر / السيد بهاء آل طعــمه
قمْ أيّها التأريخُ دوّنُ قائـلاً
عظُمت حياةَ المجدِ للخُطباءِ
هذي هي الدّنيا تـُخلّد ثُلّةً
كانَ الولاءُ شِعارها بوفـاءِ
تلكُمْ جُموع ُالحقّ كانوا بيننا
رحلوا وهُمْ في موكبِ الشّهداءِ
يومٌ رجالُ الدّين طابَ نوالُهُمْ
جـزِلوا عطاءً زاخراً بسخاءِ
ذا شيخنا (الكعبيّ) صفوَ مودّةٍ
حتّى ارتقى الفردوسَ في العلياءِ
منْ زمرة الأرجاس كان مُطارداً
لكنـّهُ ما هابَ مِـنْ سُـفَـهاءِ
فعصابةُ البعثِ الكفور وراءهُ
فـغدا كليثٍ يسمُو كالعُـظماءِ
إذ كان كالأسدِ الهصُور بوجهِهِمْ
رغماً عليهٌمُ حـيثُ كانَ فِـدائي
وشـعائرُ الله العظيـمة صانها
مُتحـدّياً فِـئةً مِنَ الطُـلَـقاءِ
في كربلا يصدحُ صوتاً في السّما
في ( مقتلٍ) يُتلى على الشُـّرَفاءِ
إذ ذلكَ الصّوتُ الشّـجيّ كأنّهُ
صوتََ (العقيلة) يومَ عاشوراءِ
والعرشُ يبـكي بدمٍ لفجـِيعةِ
( السّـبطِ) أدمتْ عنانَ سمائيْ
قـدّمتَ في الدّنيا عطاءً مُثمراً
أبد الزّمانِ مُتوّجــاً بإبــاءِ
غادرْتـنا حَيثُ الحياةُ تكدّرتْ
والناسُ بُركاناً غدوْا ببــكاءِ
(بالسُّمّ) قدْ قتلوكَ مِلّة (عفلقٍ)
فمضيْـتَ للهِ شهـيدَ الــدّاءِ
تبقىَ وذِكراكَ النـديّةُ فِيْ الدّنا
يحكيْ بها الأجيالُ فيْ الأرجاءِ
إذ أنتَ حَـيٌّ بيـننا لا لنْ تمُُـتْ
فالموتُ لا يُفنيْ صَدَىَ الشّهـداءِ
فنَـمْ قريـرَ العَيْنِ أنتَ مُخلّدٌ
في القلبِ تبـقىَ منبعُ الإرواءِ
فلكَ النـّعيمُ السّرمَديّ تكرّماً
فامْرَحْ بهِ يـا خَادمَ الزّهراءِ
فهكذا هُمُ المُبدعون يُمجدّهُم كلّ حُرٍ وعبد لما قدّموه من مآثر جمةٍ لايُحصى عددها بالرغم من مطاردة البعثيين الأراذل لهم للقضاء عليهم بأيةِ وسيلة فقد ذاق شيخنا الأغر( عبدالزهراءالكعبي ) (قد) مرارا للتـَرَصّد والتربّـص والمنع من قبل رجال الأمن آنذاك ولمْ يعبأ بأساليبهم الوحشيّة الخائبة الخاسرة حيث صمد بوجههم وأعلن لــــهم التحدي والتصدي بكل بسالة وإقدام , ولابد للحق أن ينطق قائلا أن الشيخ الشهيد (عبدا لزهراء ألكعبي ) الوحيد الذي قرأ ( المقتلُ الحُسيني ) في زمانه ولمْ يجرَأ أحدٌ إلى يومنا هذا أن يقلد ذلك الصوت الحزين الشّجيّ الذي يُحاول أن يرسم ويجسّد يوم ألطف وصورته بلسانه وصوته (طاب ثراه) ومهما تجدّد الزّمان ودار وجاء جيلٌ وجيلٌ لمْ ولنْ يصل أحداً لتقليد ذلك الصوت العذب الذي يبقى مدوياٍ مع صوت الحسين.ع. الخالد وترفعه الإذاعات في ذرى الأيام وغرّة العاشر من المُحرم منْ كلّ عام ,, هذا وكما كانت ولادة شيخنا الكعبي في يوم ولادة الزهراء عليها السلام وإستشهادهُ كان يوم شهادتها عليها السلام , حيث خطـط لهُ البعثيّـون الأذلاّء الجُبناء لاغتياله ليطفؤا بقـتله نورالأسلام في كربلاء الحسين .ع. حتى جاء اليومُ المشئوم ففي عام (1374 هـ/ 1974 م)رحل شهيدنا المُفدّى إلى ذرى الفردوس بعد أن أسقوه أولئك العفالقة الصّداميّين السُم في الشاي عن طريق مدبرٍ ومرسوما له مسبقاً فلم يبقى غير سويعات بعد أنْ تمزقت أحشائه من ذلك السم الفتاك ففارق الحياة سباقا إلى الفردوس لينعُم في الخلود الأبدي مع مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ (ص وآله) فأقول ستظل أيها الشيخ المُفدّىَ نبراسا مُشعاً تنيرُ درب العاشقين , وصوتاً مُدوّياً إلى عنان السّماء ونورا لكلّ خطباء الوجود ويلهج باسمك العشّاق جيلاً بعد جيل , فسلامٌ عليك أيها الشهيد الطاهر وسلام على الجنة التي أنت فيها مُنعّـماً وطابت روحُك الحيّةُ بيننا وهي ترفرف فوق منبر الحُسين.ع. كلما نُصِبَ مأتماً له إلى يوم القيامة فرحمك الله ونعم عقبى الدار .. والحمد لله رب العالمين وصلىّ الله على مُحمّدٍ وآله الطاهِرين..,