للعباس ابن علي عليهما السلام موقفا عظيما ويوما مشهورا يسمى يوم القنطرة..
أمير المؤمنين لما رجع من قتال صفين انخزلت طائفة من أصحابه قيل لهم الخوارج أخذوا يحرضون الناس على قتاله في كل بلد يدخلونه حتى وصلوا النهروان ،وكان عليها عبد الله بن الخباب بن الأرت واليا عليها من قبل الإمام علي ،
فقالوا له :ما تقول في الخلفاء بعد رسول الله (ص) فأثنى عليهم جميعا ،قالوا له ما تقول في علي إبن أبي طالب (ع) قال ما أقول في رجل قال فيه ر سول الله علي مني بمنزلة هارون من موسى ألا خيرا .
قالوا الله أكبر لقد كفر الرجل ثم شدوا عليه فقتلوه وكانت زوجته حاملا وقد دافعت عنه فقتلوها وشقوا بطنها واستخرجوا جنينها وذبحوه على صدرها وكان ذلك على نهر دجلة فسالت دماؤهم جميعا في الماء .
فلما سمع (ع)بذلك خطب أصحابه ونعى إليهم عبد الله ابن الخباب وبكاه وقال :لا قعود بعد قتل العبد الصالح عبد الله ابن الخباب .
ثم تجهز للمسير وسار بعسكره حتى وصل إلى مدينة النهروان فلما سمع به القوم أغلقوا باب السور عليهم وتحصنوا فبعث إليهم عبد الله بن عباس (رض)فخطبهم وذكرهم فلم يفد ذلك . فنهض إليهم الإمام (ع)ورفع صوته يخاطبهم محذرا من الفتنة وحاججهم فألجمهم وذكرهم ووعظهم فرجع منهم جماعة عن حربه وأصر الباقون و اعلنوا العناد فعند ذلك شعر الإمام لحربهم واستعد معه أصحابه للحرب فقال (ع) لا ينهض لحربهم غيري وغير ولدي .
ثم مضى نحوهم ومشى خلفه ولده الحسن ثم الحسين ثم محمد ابن الحنفية فمسك الامام بباب المدينة واقتلعه قالع باب خيبر والقوم يرمونه وولده بالنبل .
وكان لمدينة النهروان أربعة أبواب فقال لولده الحسن (ع) : بني دونك ذلك الباب وأشار للباب الشرقي فمضى الحسن حيث أمره أبوه ،وقال للحسين (ع) :أنت عليك بالباب الغربي ، وقال لمحمد: أنت عليك بالباب الشمالي فمضيا حيث أمرهما أبوهما وانغمس (ع) في وسط المدينة وحمل عليهم بسيفه البتار فتركهم بين طريح وجريح ومنهزم .
وبينما هو كذلك وإذا بغلام قد اقبل فنظر إليه فإذا هو ولده ، فقال له: بني ما الذي جاء بك في هذا الوقت.
قال العباس – وكان في ذلك الحين غلاما صغيرا – يا أبتاه من هذا وأشار بيده إلى الحسن .
قال: هذا الحسن.
قال ومن أبوه ؟
قال: أنا أبوك علي .
قال العباس: ومن ذاك ؟
قال علي: هذا أخوك الحسين بن علي .
قال العباس : ومن ذاك وأشار إلى محمد ابن الحنفية ؟
قال علي:ذاك أخوك محمد بن علي.
قال إذا نحن أبناء أب واحد. قال :نعم يابني. فما الذي تريد بهذا. قال : ياسيدي أراك قد خصصت كل واحد من أخوتي بباب من أبواب هذه المدينة يكون عليه عند الحملة وما أراك جعلتني على باب من أبواب هذه المدينة وهذا الباب الجنوبي ليس فيه أحد من إخوتي وإني جئت إليك لهذا الأمر .
فلما سمع الإمام كلام ولده تبسم وقال :يابني أنت غلام صغير بعد.
قال :يا أبتاه ألم تجاهد بين يدي رسول الله و أنت غلام صغير ؟
قال : نعم يا ولدي .
قال وأنا الشبل من ذاك الأسد أسألك بعيش عاشه رسول الله (ص) الا ما جعلتني على ذلك الباب.
قال علي :إن أمامه نهرا وعلى النهر قنطرة واني أخشى عليك منهم في مثل هذا المكان .
قال العباس :القنطرة لي وإنا لها وانا ولدك .
قال علي (ع) : وأنت كفؤ كريم دونك يابني ما تريد .
قال الراوي :ففرح وذهب مسرعًا نحو الباب المذكور ،ومضى علي (ع) يحمل فيهم كلما تجمع منهم جمع ، ثم صرخ فيهم صرخته المعروفة عند الغضب
فلم يجدوا بدا من الفرار ، قال عبد الله بن حازم الخارجي: لما صرخ علي صرخته المعروفة خلنا الحيطان تتجاوب! معه فلذنا بالفرار فلما صرنا إلى الباب الشرقي إذا بالحسن هناك فلما رآني أحمل علينا وصاح فينا قائلا: امن قبلي تفرون وانا ابن أمير المؤمنين
فملنا إلى الباب الغربي فحمل علينا الحسين (ع) وهو ينادي أمن قبلي تفرون و إنا ابن سيد الوصيين
فصرنا إلى الشمالي وإذا بفتى أسمر اللون حمل علينا وهو ينادي: أنا ابن قائد الغر المحجلين
فسألت عنه فقيل: هذا محمد بن الحنفية فعند ذلك صاح بعضنا ببعض ويلكم عليكم بباب القنطرة .
الهرب الهرب من سيف علي وسيوف أولاده فلما صرنا إلى القنطرة إذا نحن بغلام صغير قد جثى على ركبتيه وعيناه تقدحان وبيده سيف وبالأخرى فرس فحمل علينا وهو ينادي: أمن قبلي تفرون وأنا ابن الموت الأحمر أنا ابن علي ،
فما ترى إلا رؤوسا طائرة وأكفا نادرة وما زال يقاتل حتى انكسر سيفه فكان يأخذ بالفارس وهو على القنطرة ويرمي به في النهر حتى أدركه أبوه علي (ع) وقد انهزم القوم فحمله و وضعه على صدره وهو مبتسم وقب! ّله ما بين عينيه وقال له: بارك الله فيك يابني اني مدخرك ليوم أعظم من هذا اليوم .فأجابه (ع) قائلا:
لأنعمنك عينا وأنا ولدك . قال: كفؤ كريم .
من كربلاء قد اخذنا الدروس......وعلمتنا كيف نفدي النفوس