بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين
قال الغزالي في سر العالمين ص21:
(المقالة الرابعة في ترتيب الخلافة والمملكة: اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه ، منهم من زعم أنها بالنص ودليلهم قوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عذاباً أَلِيماً) (الفتح:16) وقد دعاهم أبو بكر إلى الطاعة بعد رسول الله(ص)فأجابوا.
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حديثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. (التحريم:3) ، قال في الحديث: إن أبا بكر هو الخليفة من بعدي يا حميراء ، وقالت امرأة: إذا فقدناك فالى من نرجع؟ فأشار إلى أبي بكر ، ولأنه أمَّ بالمسلمين على بقاء رسول الله(ص)والإمامة عماد الخلافة. هذه جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص.
ثم تأولوا وقالوا: إذ لو كان عليٌّ أول الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء ، ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب ، ولا يقدح في كونه رابعاً للخلفاء ، كما لايقدح في نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان آخراً.
والذين عدلوا عن هذه الطريقة زعموا أن هذا تعلق فاسد جاء على زعمكم وأهويتكم ، وقد وقع الميراث في الأحكام والخلافة ، مثل داود وسليمان وزكريا ويحيى ، قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة فبهذا تعلقوا. وهذا باطل ، إذ لو كان ميراثاً لكان العباس أولى.
لكن أسفرت الحجة وجهها ، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مولى ، فهذا تسليمٌ ورضاً وتحكيم. ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة ، وحَمْلُ عمود الخلافة، وعقود البنود ، وخفقان الهوى ، في قعقعة الرايات ، واشتباك ازدحام الخيول ، وفتح الأمصار ، سقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأول ، فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون.
ولما مات رسول الله صلى الله عليه وآله قال وقت وفاته: إيتوني بدواة وبياض لا زيل عنكم إشكال لأمر ، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي ! قال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر وقيل ليهذر. فإذن بطل تعلقكم بتأويل النصوص ، فعدتم إلى الإجماع ، وهذا منقوض أيضاً فإن العباس وأولاده وعلياً عليه السلام وزوجته لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي....الخ.). انتهى.
سير اعلام النبلاء للذهبي ..ترجمة ابو حامد الغزالي ..:ج19ص 328:
قلتُ(الذهبي): ما زال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده ، وكل منهم معذور مأجور ، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور ، وإلى الله ترجع الأمور. ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب رياض الأفهام في مناقب أهل البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه سر العالميْن وكشف ما في الداريْن فقال في حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه ، إن عمرقال لعلي: بخ بخ أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قال أبو حامد: وهذا تسليم ورضى ، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى ، حباً للرياسة وعقْد البنود ، وأمر الخلافة ونهيها ، فحملهم على الخلاف فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ! وسرد كثيراً من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الإمامية ، وما أدري ما عذره في هذا ! والظاهر أنه رجع عنه وتبع الحق فإن الرجل من بحور العلم ، والله أعلم.))