بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد, و عجل اللهم فرجهم الشريف
السلام عليكم و رحمة الله بركاته
الإمامة الشيعيه والخلافة السنيه
أود ان أتطرق لموضوع كان و لا يزال هدف لشن حملات الطعن و التشويه الموجه للمذهب الحق الشيعي الإمامي الإثنى عشري, من قبل الفرق الاسلاميه المخالفه بشكل عام و من قبل ابناء مذهب أهل السنه و الجماعه بشكل خاص, ألا وهو الإمامة. سأتطرق أولا لمفهوم الخلافه في المذهب السني, و كيف يفهم العقل السني الاسلام عموما. و من ثم أشرح ماهي الإمامة من المنظور الإمامي الإثنى عشري. ثم الخاتمه.
الخلافه السنيه
مفهموم الخلافه في المذهب السني المتبني مدرسة الصحابه ما هو إلا فكره بشريه, كانت على منهاج النبوة في صدر الإسلام ثم أصبحت سياسيه أو ملكيه في بدايه الخلافه الأمويه و الى وقتنا الحاضر. يعتقد العقل السني في عقله الباطن إن صح التعبير بأن الرسول بشر بخلافة الخلفاء الراشدين وأوجب الأمه على طاعة هؤلاء الخلفاء الأربعه بالرغم من انه لم يوص لأحد بالخلافه من بعده, وأنه تركها للمسلمين ليحددوا مصيرهم. يتبادر لذهن السني حين يسمع كلمة خليفة رسول الله مثلا, بشكل عفوي بأن من خلف هذا الخليفه هو الرسول نفسه, لكن هذا يخالف الواقع.
الخليفة باللغه هو الذي يٌستَخْلَفْ ممن قبله. قال تعالى: { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} صاد (26) فالخليفه لابد ان يعين من الله أو ممن كان قبله خليفه. لذلك وفقا للمذهب السني مصطلح "خليفة رسول الله أبو بكر" لا يصح أبدا. وفقا للمذهب السني قد تكون الخلافة شورى بين الناس, وأحيانا تكون ولاية عهد, كخلافة عمر وكما فعل معاويه مع ولده يزيد – ولاية العهد في الدول الاسلاميه الآن هي نتيجه ما فعله معاويه-, وقد تكون بالسيف والغلبة و يجب التمسك بها و عدم الخروج عليها. أما مسألة العداله فهي ليست شرطا و على هذا الأساس يمكن أن يحكم الفاسق المسلمين. يسعه أن يضرب و يأخذ مال الناس. فيجب السمع و الطاعه له . حتى لو كان عبد حبشي كأن رأسه زبيبه, كما أخرج البخاري.
إن المفكرين السنه الأوائل هم من وضع تلك الشروط للخلافه, بناءا على قراءة التاريخ الاسلامي و كيف آلت أحداثة. معلوم لدى المذهب السني بأن الله و رسوله لم يحددا كيفية ادارة شؤون الدولة الاسلاميه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم. بناءا على تلك النظريات البشريه, بني مفهوم الخلافه الإسلاميه في المذهب السني. فالخليفه يزيد خلافته شرعيه لا يجوز المساس بها. تفسير هذا التفكير قد يكون عقيدة القدر لديهم, بمعنى أن الله قدر للإسلام أن يسير بهذا الطريق. الدليل على هذا هو فهمهم لحديث رواه مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه و آله لا يزال الدين عزيزا أو منيعا الى إثنى عشر خليفه. يعتقد أبناء السنه بأن الخليفه معاويه و الخليفه يزيد ممن بشر بهم الرسول صلى الله عليه و آله و ممن عز بهم الله الدين. بما ان قدر الله اراد لمعاويه او يزيد ان يكونوا خلفاء, اذا لابد ان يكونوا هم المعنيين.
إن المذهب السني لا يشترط أن يكون الإمام عادل في الإسلام, ولذلك رهنوا الإسلام بأمثال هؤلاء الحكام. الإشكال الذي يقع به العقل السني أنه عندما يحاول أن يفهم الإمامة التي يقول بها الشيعه, لا يستطيع إلا أن يربطها بالخلافة السنيه. فكلمة خليفه او إمام أو أمير تطلق على خلفاء المسلمين جميعا, ولو كان فاسقا كالخليفه يزيد او عادلا و صديق كأبو بكر مثلا (على حد زعمهم). يعتبر هذا النظام لادارة اي دوله أسوأ ماانتجته الحضاره البشريه. نظام الحكم في الدول الغربيه المعاصرة افضل لحفظ كرامة الناس على الاقل, عوضا عن الدين.
الإمامة في المذهب الأمامي الإثنى عشري
العائق الأساسي الذي يواجهه العقل السني في تقبل و هضم الإمامة من المنظور الشيعي هو انه لا ينفك إلا أن يربطها بمفهومه هو للخلافه السنيه. لايستطيع أن يتقبل أبدا انه نظام إلهي محدد بالنص من الله عز وجل. نتيجه لذلك الفهم تكون عقيدة العصمة و غيبة الإمام الثاني عشر هي ضرب من الخيال.
في اللغه أَّمَّ القوم وأَمَّ بهم أي تقدَّمهم، وهي الإمامة. والإمام كل من ائتم به قومه كانوا على صراط مستقيم أو كانوا ضالين. كان الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم إمام المسلمين و لازال. لأنه عنوان الصراط المستقيم. الإمامة في الإسلام الشيعي الإثنى عشري أصل من أصول الدين. فهي كالنبوة لطف من الله تعالى، منصب إلهي لتكملة مسيرة الرسل, لهداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة, و لتدبير شؤونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم بحكم الله و ليس غيره. الإمامة الشيعيه لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان النبي أو لسان الإمام الذي قبله. و لا تكون بالشورى أو ولايه العهد أو الغلبه بالسيف أبدا. ( للتوضيح, يعتقد العقل السني بأن وصي رسول الله هو ولي عهده, أو ولي عهد الامام علي هو الحسن بتعيين من علي و هكذا). لا بل هم جميعا معينين بالنص من الله عز و جل, فلا هي ارادة الرسول الأعظم و لا ارادة الامام علي عليهما و على ابنائهم الاطهار افضل الصلوات و ازكى التسليم.
الإمام كالنبي يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة وكرم وعفة وصدق وعدل ، ومن تدبير وعقل وحكمة وخلق. أما علم الإمام فهو يتلقى المعرفه والأحكام الإلهية وجميع المعلومات عن طريق النبي أو الإمام من قبله أو الإلهام الإلهي. لإقامة العدل يجب أن يكون الأمام معصوما من السهو والخطأ والنسيان ، ومن جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمدا وسهوا لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي. الدليل العقلي الذي اقتضانا أن نؤمن بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نؤمن بعصمة الأئمة, عوضا عن الدليل النقلي من الرسول الاعظم و من القرآن.
الأئمة هم أولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم, وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. أمرهم أمر الله تعالى ، ونهيهم نهيه ، وطاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته ، ووليهم وليه ، وعدوهم عدوه. فهم خلفاء الله في أرضه. من هم ؟ هم الأئمة الأطهار من آل بيت الرسول محمد الأعظم صلى الله عليه و آله, و أبنائه المنتجبين الأخيار, و دليلنا هو أن الله أمر نبيه في حديث الثقلين: إني قد تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. هم أهل البيت فقط و ليس غيرهم. علاوة على ذلك لقد تم ذكرهم في كثير من الآيات في القرآن الكريم.
هم من سلالة دم طاهره اصطفاها الله الحكيم الخبير العدل, لإقامة الدين الحنيف في أرضه. هم النهايه و النتيجه الحتميه لبداية المشروع الإلهي في الأرض بدءا من آدم و نوح و ابراهيم ولوط و اسحاق و اسماعيل و يعقوب ويوسف و موسى و هارون و داوود و سليمان و أيوب و زكريا و يحيى و عيسى, ختاما بمحمد الأعظم صلى الله عليه و على آله و آبائه الأخيار, و بالأمام علي بن أبي طالب عليه السلام, أخوه وابن عمه ووصيه, بل هو نفسه, و الأحد عشر اماما من ذريتهما. آخرهم الإمام محمد بن الحسن المهدي الموعود و المنتظر, الذي سيقيم دولة العدل و القسط. قال تعالى: { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } آل عمران (34)
خاتمه
أن الدين و الدولة الاسلامية التي أرادها الله لنا وهو الحكيم الخبير حتما تحمل صفات أفضل الدول. دولة إسلاميه يحكمها شرع الله عز وجل بحذافيره, دوله يسودها قيم العدل والرحمة. و لا تقوم دولة أساسها العدل الى اذا كان لها نظام محدد ليس فيه ثغرات لينتهك. ولي الأمر فيها يجب أن يتحلى بصفات, كالورع و التقوى و الكرم و الصدق و العدل. و لابد ان يكون عارف بشتى أنواع العلوم كالفقه و القضاء والتاريخ و اللغه التي أساسها القرآن الكريم و هدي الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم. لابد أن يكون الأفضل ليكون إماما مقدما ومأتم. يكون مسدد من قبل الخالق. لكن من يحدد هذا النظام؟ و من يحدد من هو الأفضل, لقيادة دين الله و حفظه و درءا للاختلاف و التناحر؟ سأدع الإجابه لك عزيزي القاريء