ولم يكتف الرسول بذلك بل صرح علنا بوجود قيادة تخريبية ، فقال أمام أصحابه يوما : ( إن في أصحابي اثني عشر منافقا ، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل من سم الخياط ) ( 1 ) قال الرواي عن رسول الله : ( أشهد أن الاثني عشر حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) ( 2 )
وروى عمار بن ياسر مثل ذلك ( 3 ) ومن الطبيعي أن يسمي رسول الله قادة التخريب ، لأن رسول الله ما ترك قائد فتنة إلا وقد سماه للناس باسمه واسم أبيه واسم قبيلته ( 4 ) .
واقترب الرسول من نقطة الخطر ، فأعلن أمام أصحابه محذرا وكاشفا المتآمرين بقوله : ( هلاك أمتي على يد غلمة من قريش ) ( 5 ) ووضح النبي الصورة فقال : ( يهلك أمتي هذا الحي من قريش ) ( 6 )
وتوسع النبي في هذه الناحية فقال لأصحابه : ( لتحملنكم قريش على سنة فارس والروم ، ولتؤمنن عليكم اليهود والنصارى والمجوس ( 7 ) ويقصد الرسول من قريش ( الغلمة ) ، الذي أشار إليهم ، ( والحي ) الذي وضحه .
بعد هذا التعميم أخذ رسول الله يوضح الصورة بالتخصيص لتكون مفهومة للجميع فوقف النبي طويلا عند بني أمية ، وحذر الأمة منهم ، وكشف حقيقة مشاعرهم فقال : ( إن أكثر بطون قريش بغضا لمحمد ولآل محمد هم بنو أمية وبنو مخزوم . . . ) ( 8 )
وتحدث الرسول عن الشجرة الملعونة ، وعد رؤياه لنزو الأمويين على منبره نزو
القرود ، وتيقن المسلمون من استياء الرسول البالغ من تلك الرؤيا ( 9 ) .
ثم وقف الرسول طويلا عند الحكم بن العاص والد مروان بن الحكم وجد خلفاء بني أمية فقال الرسول لأصحابه : ( ويل لأمتي من هذا وولد هذا ) ( 10 )
وقال يوما لأصحابه مشيرا إلى الحكم : ( ويل لأمتي مما في صلب هذا ) ( 11 ) .
وأشار الرسول إلى ذات الشخص بقوله : ( إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة رسوله وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء وبعضكم يومئذ شيعته ) ( 12 ) .
وبعد أن كشف الرسول خطورة الرجل وحقيقة أولاده ( لعنه رسول الله ولعن أولاده ) ( 13 )
قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان : ( إن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه ) ( 14 )
وقال الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب لمروان : ( لقد لعنك الله على لسان رسوله وأنت في صلب أبيك ) ( 15 ) .
وحتى يكون الأمر معلوما للجميع ، والخطر مكشوفا أمام الجميع أمر رسول الله بنفي الحكم بن العاص ، فنفاه بالفعل ، وأعلن بأنه عدو لله ولرسوله ، وبقي منفيا طوال عهد الرسول ، وطوال عهدي أبي بكر وعمر ، ولما آلت الخلافة إلى عثمان أعاده معززا مكرما ، واتخذ ابنه مروان رئيسا لوزرائه وحاملا لأختامه وناطقا باسمه ، ولما مات الحكم أقام عثمان على قبره فسطاطا تعبيرا عن حزنه كما كان يفعل أهل الجاهلية ( 16 ) .
وتوقف الرسول عند أبي سفيان وأولاده يزيد ومعاوية قليلا لأن الناس جميعا كانوا على يقين بأن أبا سفيان وأولاده كانوا هم قادة جبهة الشرك ، ورموز أئمة الكفر ، فهم ألد أعداء الله ورسوله ، وكان الناس كلهم يعرفون ، بأن آل أبي سفيان موتورون ، وحاقدون على رسول الله وآله ومن المحال أن تشفى قلوبهم من هذا الحقد ، فمن غير المعقول أن ينسى الذين آمنوا أصحاب هذا التاريخ الأسود ، ومع هذا فإن رسول الله قد توقف عندهم وحذر منهم ولعنهم . قال الحلبي في رواية عن رسول الله ، صار رسول الله يقول : ( اللهم العن فلانا وفلانا ) ( 17 )
وأخرج البخاري قال : حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول : ( اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده وقال السيوطي : وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : قال رسول الله يوم أحد : ( اللهم العن أبا سفيان ، والعن الحرث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو ، اللهم العن صفوان بن أمية ) .
قال السيوطي وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال ( كان الرسول يدعو على أربعة نفر وكان يقول في صلاة الصبح ( اللهم العن فلانا وفلانا . . . ) ( 18)
وأخرج نصر بن مزاحم المنقري عن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم العن التابع والمتبوع ) اللهم عليك بالأقيعس ، فقال ابن البراء لأبيه الأقيعس ؟ قال : معاوية ) ( 19 ) .
وأخرج نصر بن مزاحم قال . . . فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد وآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( اللهم العن القائد والسائق والراكب ) قلنا أنت سمعت رسول الله ؟ قال : ( نعم وإلا فصمت أذناي ) ( 20 ) .
( ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم يوم القيامة ) ( 21 ) .
----------
( 1 ) رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه راجع كنز العمال ج 1 ص 164 ، ومعالم الفتن ج 1 ص 67 .
( 2 ) رواه مسلم في صحيحه ج 17 ص 125 .
( 3 ) رواه أحمد في الفتح الرباني ج 21 ص 202 .
( 4 ) رواه أبو داود في عون المعبود حديث رقم 4222 - 4243 .
( 5 ) رواه البخاري كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج 2 ص 280 .
( 6 ) رواه البخاري أيضا في كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة ج 2 ص 280 ، ومسلم في صحيحه كتاب الفتن ج 18 ص 41 .
( 7 ) مجمع الزوائد ج 7 ص 236 وقال رواه الطبري .
( 8 ) المستدرك على الصحيحين للحاكم وحلية الأولياء لأبي نعيم ، وكنز العمال ج 11 ص 169 . ( * )
( 9 ) رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 174 وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج 6 ص 243 رواه الترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي .
( 10 ) راجع كنز العمال ج 11 ص 167 ، والإصابة لابن حجر ج 2 ص 29 .
( 11 ) رواه ابن عساكر راجع كنز العمال ج 11 ص 167 .
( 12 ) رواه الدارقطني راجع كنز العمال ج 11 ص 167 ، وابن عساكر ج 11 ص 360 ، والطبراني ج 11 ص 167 .
( 13 ) مجمع الزوائد ج 5 ص 241 وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط .
( 14 ) مجمع الزوائد ج 5 ص 241 وقال رواه البزار .
( 15 ) مجمع الزوائد ج 5 ص 240 ، وابن سعد وابن عساكر راجع كنز العمال ج 11 ص 357 ، وابن كثير ج 8 ص 280 . ( * )
( 16 ) الإصابة لابن حجر ج 2 ص 29 .
( 17 ) السيرة الحلبية ج 2 ص 234 .
( 18 ) الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 71 . ( * )
( 19 ) وقعة صفين ص 217 تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون .
( 20 ) صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141 ، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15 ص 159 ورواه أحمد والبيهقي راجع كنز العمال ج 14 ص 418 . ( * )