الحرية أو الموت: هكذا هتفت جماهير كردستان
الدكتور كمال سيد قادر (1)
الكرد شعب ناضل و يناضل منذ مئات السنين من اجل كسر طوق العبودية المتمثلة بالاحتلال الاجنبى لأراضى كردستان، و كم من دماء طاهرة سفكت، قرى و مدن احرقت و كرامة أهينت فى كردستان من قبل المحتلين، و لكن بدون جدوى لأن ارادة الشعوب كانت دوما اصلب من الظلم و الطغيان.
و لم تكن السياسة الدولية الانتهازية الواقعية للدول العظمى بريئة من اضطهاد هذا الشعب الذى كان يمد يد العون من كان يريد او يدعى بانه يريد دعم الشعب الكردى فى نضاله العادل، ليتعلم فيما بعد دروسا قاسية فى السياسة الواقعية، اى ان العالم ليس الا غابة يأكل فيها القوى الضعيف و لا قيمة فيها اصلا لحياة الانسان و خاصة حياة الشوب الفقيرة.
و لكن الدرس الاكثر مرارة تلقيناه نحن الكرد عندما تعلمنا بان الظلم و الطغيان يمكن ان يتكلما الكردية و ان دكتاتورا يمكن ان يتباهى بزى كردى ملون و رجال التعذيب و فرق الموت يمكن ان يكونوا من ابناء قريتك او مدينتك.
دروس مرة من هذا الطراز تعلمناها بعد انتفاضة شعب كردستان فى العراق عام 1991، عندما طرد اطفال و نساء و رجال كردستان جلادى نظام البعثى السابق من كردستان شر طرد و و سلموا مسؤولية ادارة حكم كردستان الى قيادات الاحزاب الكردية التى عادت من المهجر بعد تحرير الشعب لكردستان املا منه بان هذه القيادات سوف توفى بوعودها لانشاء نظام ديمقراطى و احترام كرامة و حقوق الافراد.
و لكن لم تمض عدة اشهر على استلام هؤلاء للسلطة حتى بدت عليهم ظواهر الانظمة الدكتاتورية من الخطف و القتل و التعذيب و سرقة اموال الشعب، و هى جرائم تملأ تقارير منظمات الدفاع عن حقوق الانسان فى العالم منذ عام 1991 و لحد الآن، و لكن الشعب الكردى سكت بوقار عن هذه الجرائم معتقدا بان هذه المرحلة الصعبة ليست الا مرحلة انتقالية و ان خطر النظام البعثى السابق كان هو الخطر الاكبر.
و لكن بعد اسقاط النظام الفاشى البعثى ربيع 2003 لم تبقى ذريعة بيد السلطة الكردية لاسكات الشعب عن جرائمها و كما ان الشعب قرر بان لا يسكت من اليوم فصاعدا عن جرائم ابناء جلدتهم من الطغاة الجدد و نشأت معارضة كردية تمثل كافة طبقات الشعب ضد الطبقة الحاكمة الاقطاعية الفاسدة ذات تأريخ ملئ بالعار و الخيانة سكت عنها الكرد من اجل المصلحة العامة، و الا كنا نعرف بان ملا مصطفى البارزانى الذى تحاول عائلة البارزانى رفعه الى مقام رمز نضال الشعب الكردى لم يكن فى البداية الا عميلا لجهاز المخابرات السوفيتية كي جي بي و اسمه السرى كان "رئيس"، و ان ما تسمى بثورة كردستان التى انطلقت ايلول 1961 لم تكن إلا احدى العمليات السرية لكي جي بى للضغط على نظام عبد الكريم قاسم الذى كان يتجه نحو الغرب حسب رأى موسكو آنذاك.
هذه هى حقائق يستطيع كل انسان التأكد منها من خلال التصفح فى ارشيف كي جي بي المنشور حتى باللغة الانكليزية او ما يعرف بارشيف ميتروخين، او ارشيف مراسلات كي جي بي مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى و هو مفتوح لكافة الباحثين و الصحفيين فى موسكو. (2)
و كنا نعرف ايضا بان قيادين بارزين فى الاتحاد الوطنى الكردستانى كانوا عملاء للنظام البعثى السابق اكتشفت ملفاتهم بعد سقوط النظام، وإن فرق الموت لهذا الحزب كانوا يقومون بتصفية اعضاء من المعارضة الكردية الايرانية نيابة عن النظام الايرانى.
و لا نتكلم عن الفساد المالى و الادارى للسلطة الكردية و خاصة عائلتى طالبانى و بارزانى الاقطاعية الحاكمة التى احتكرت كافة المناصب الرئيسية فى العراق و كردستان لاعضاء هاتين العائلتين و تعتبر ميزانية و موارد كردستان كملك خاص لها، تسرق ما تسرق و تترك الفتات للخدم امام عتبات قصورها.
و كل من يتجرأ على النطق بكلمة حق، يظهر معارضة او حتى لا يقبل بدور الخادم لهاتين العائلتين يكون مصيره القتل و الاختفاء و التعذيب و الاعتقال فى سجون سرية او فى احسن الاحوال التشرد. ملاحقة المعارضة الكردية و خاصة الكتاب و المثقفين من بينهم ادت الى هجرة جماعية من كردستان الى اوربا، و لكن حتى اوربا اصبحت ملجأ غير أمنا للعمارضة الكردية فى الآونة الاخيرة حيث التهديد بالملاحقة و القتل من قبل فرق الموت تلاحق المعارضة الكردية فى اوربا ايضا و كاتب هذه السطور هو من بين من تلقوا تهديدات بالقتل فى حالة استمراره فى فضح جرائم العوائل الحاكمة فى كردستان.
و لكن الاقلام الكردية الشجاعة تنمو يوم بعد يوم داخل و خارج كردستان و الجماهير الكردية الباسلة اطلقت ثورة برتقالية لا بد لها بان تطيح بالسلطة الاقطاعية الفاسدة فى كردستان.
و نامل لهذه الثورة الجديدة بان تنطلق من كردستان و تزحف جنوبا و شمالا، غربا و شرقا لتسحق كافة الانظمة الشمولية و العنصرية و الاقطاعية فى الشرق الاوسط و تساهم فى اشاعة الحرية و الديمقراطية فيه و هذا هو حلم لا بد له ان يتحقق يوما ما، عاجلا ام آجلا.
______________________________
(2) راجع الموضوع نفسه
تعقيب شخصي: مثلما لم يسلم العرب وغيرهم من ظلم طواغيتهم ، لم يسلم الإخوة الكرد بدورهم من ظلم طواغيتهم ولكن روح الثورة والإباء ما زالت منتشرة بين الكثير من أحرار هذا الشعب حتى رغم استخدام الطواغيت للعبة المهترئة المكشوفة (لعبة الاتهامات الصدامية البعثية) في وجه من يقول (لا) لهؤلاء الطواغيت .