سيف بن عمر الاموي وشخصية ابن سبأ الاسطورية
بقلم: أبو ايمن الركابي
لم يعد يمكن لأي شخص ان يقنع اصحاب العقول والتفكير والتأني بأن لعبد الله بن سبأ في احداث ثورة الصحابة على الخليفة عثمان بن عفان ذلك الدور الاسطوري الذي نسبه الطبري له استناداً الى رواية الكذاب الوضاع سيف بن عمر ، فقد كثرت البحوث العلمية الرصينة التي ميزت الروايات والدور المنسوب اليه ، ومن ابرزها كتاب (عبد الله بن سبا) للسيد مرتضى العسكري وكتاب (عبد الله بن سبأ) للدكتور عبد العزيز الهلابي وكتاب (عبد الله بن سبأ) للدكتور ابراهيم بيضون.
ونحن نتفق تماماً مع الدكتور ابراهيم بيضون الذي قال في خاتمة كتابه ، ص 118: (إنه الدور-الاسطورة وما اكتنفه من تضليل ومبالغة ، اكثر من الرجل-الاسطورة الذي قد يكون مجرد تلفيق او لا يكون. فهو أقل حجماً من أن يرتقي الى الدور والى مستوى أن يقود النخبة تحت قيادته).
فعبد الله بن سبأ هو شخصية اسطورية لفقها سيف بن عمر الاموي من ثلاث شخصيات حقيقية هي:
* عبد الله بن سبأ الذي اعدمه الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) حرقاً بسبب اعتناقه الغلو. * عبد الله السبئي رأس الخوارج.
* والصحابي ابن السوداء ، اليهودي الذي اعلن اسلامه.
هؤلاء ثلاث شخصيات شاركت في احداث تلفيقات سيف بن عمر الذي حاول ان يكتب تاريخ المسلمين كما يشتهيه ، وتبعه بعض السذّج من اهل السنة فالتزموا رواياته حفاظاً على كرامة بعض الصحابة من ان تمسها يد حقيقة انحرافهم وما الحقوه الامة من ويلات !
اتخاذ العرب للقب السبئي:
لقد كان العرب يتلقبون بلقب السبئي وهناك على اقل تقدير تسعة من الصحابة ممن حملوا هذا اللقب هم:
1. أبيض بن حمال السبئي المأربي ، من قبيلة الازد وهو ممن أقام بمأرب[1].
2. روح بن زنباع السبئي ، من قبيلة جذام ، وهو مختلف في صحبته[2].
3. سعد السبئي[3].
4. عمارة بن شبيب السبئي[4] ، مختلف في صحبته[5].
5. عمرو بن عمرو السبئي[6].
6. مالك بن هبيرة السبئي ، وهو مالك بن هبيرة بن خالد بن مسلم بن الحارث بن الحصيب بن مالك بن الحارث بن بكير بن ثعلبة بن عصية بن السكون السبئي الكندي[7].
7. معيقيب السبئي[8].
8. هبيرة بن أسعد بن كهلان السبئي[9].
9. يحنس بن وبرة السبئي ، من قبيلة الأزد[10].
يضاف لذلك العديد من التابعين وتابعي التابعين والرواة والعلماء الذين حملوا هذا اللقب في القرون الاولى.
شيوع استخدام لقب (ابن السوداء) على كل من تكون امه سوداء البشرة !
وحيث ان استعمال لقب "ابن السوداء" كان شائعاً فلذلك لا يمكن الجزم بشخصية من يحمل لقب (ابن السوداء) في اي رواية يرد فيها اذا لم يرد فيها قرينة على شخصيته.
ـ الامام علي (عليه السلام) يخاطب عمر بن اخطاب بلقب (ابن السوداء)[11] !
ـ عمرو بن عثمان بن عفان يخاطب اسامة بن زيد بلقب (ابن السوداء)[12] !
ـ عثمان يخاطب عمار بن ياسر بلقب (ابن السوداء)[13] !
ـ ابو ذر يصف بلال الحبشي بلقب (ابن السوداء)[14] !
ـ معاوية يسمي عمار بن ياسر بلقب (ابن السوداء)[15] !
ـ ابن السوداء من بنى الحارث بن سعد هذيم بالشام وهو جد هدبة بن خشرم الشاعر ، وكان من كهنة اليهود الذين نزل فيهم قوله تعالى: ((وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم ))[16] ، وهدبة بن خشرم هو: هدبة بن خشرم بن كرز بن أبي حية بن الاسحم بن عامر بن ثعلبة بن قرة بن خنبس[17] ، من بني عامر بن ثعلبة ، من سعد هذيم ، من قضاعة من أهل بادية الحجاز ( بين تبوك والمدينة )[18]. وقد نص ابن حجر في الاصابة على ان كرز بن أبي حبة بن الاسحم بن عائد بن ثعلبة بن قرة بن حبيش بن عمرو العذري له إدراك
(اي له صحبة) وهو جد هدبة بن الخشرم ، اي ان كرز من الصحابة وهو الذي يسمى ابن السوداء وكان من كهنة اليهود ثم اسلم[19]. فهذا هو ابن السوداء اليهودي الذي ينسبون له الدور الاسطوري والذي اطلقوا عليه اسم: عبد الله بن سبأ ! وبالمناسبة فإن قضاعة محسوبة على القبائل اليمنية والتي كان يحمل ابنائها لقب السبئي نسبة الى سبأ جدهم الاعلى الذي ينتسبون جميعها اليه. فابن السوداء اليهودي السبئي هو الصحابي كرز بن أبي حية.
أولاً: عبد الله بن سبأ المغالي
عبد الله بن سبأ يسأل عن رفع اليدين في الدعاء:
عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام المنتظر وقت الصلاة بعد الصلاة من زوار الله عزوجل ، وحق على الله تعالى أن يكرم زائره ، وأن يعطيه ما سأل. وقال عليه السلام : اطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فانه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الارض ، وهي الساعة التي يقسم الله فيها الرزق في عباده. وقال : إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء فقال عبد الله بن سبا : يا أمير المؤمنين ! أليس الله في كل مكان ؟ قال عليه السلام : بلى ، قال : فلم يرفع العبد يديه إلى السماء ؟ قال : أما تقرء ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه ، وموضع الرزق ما وعد الله عز وجل السماء[20].
عبد الله بن سبأ يتحول للغلو:
عن أبان بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لعن الله عبد الله بن سبا إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين ، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبدا لله طائعا ، الويل لمن كذب علينا ، وإن قوما يقولون فينا مالا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم[21].
عبد الله بن سبا عند الشيخ الصدوق:
قال الشيخ الصدوق: (عبد الله بن سبا ، الذي رجع الى الكفر وأظهر الغلو)[22].
عبد الله بن سبأ عند العلامة الحلي:
قال العلامة الحلي: (عبد الله بن سبأ - بالسين المهملة ، والباء المنقطة تحتها نقطة واحدة - غال ملعون ، حرقه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالنار ، كان يزعم ان عليا ( عليه السلام ) اله وانه نبي لعنه الله)[23].
عبد الله بن سبا في كلام التفرشي:
قال التفرشي: (عبد الله بن سبأ : الذي رجع إلى الكفر واظهر الغلو ، من أصحاب علي عليه السلام ، رجال الشيخ. وقال الكشي : حدثني محمد بن قولويه القمي قال : حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي قال : حدثني محمد بن عثمان العبدي ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان قال : حدثنا أبي ، عن الباقر عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى عن ذلك ، فبلغ أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله ؟ فأقر بذلك ، وقال : نعم ، أنت هو وقد كان القي في روعي أنك أنت الله وأني نبي ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب ، فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب ، فأحرقه بالنار. وذكره العلامة في الخلاصة مرتين ( مرة ذكر أن عبد الله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو ) ومرة ذكر أن عبد الله بن سبأ ، غال ملعون ، حرقه أمير المؤمنين عليه السلام بالنار ، وكان يزعم أن عليا عليه السلام إله ، وأنه نبي لعنه الله)[24].
عبد الله بن سبا يُقتَلُ حرقاً:
تقول الروايات الشيعية ان الامام علي (عليه السلام) قتل عبد الله بن سبأ نتيجة غلوه وادعائه النبوة ، فمنها:
عن أبي جعفر عليه السلام ان عبد الله بن سبا كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ، تعالى عن ذلك ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال : نعم أنت هو ، وقد كان القي في روعي أنك أنت الله وأني بني . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك امك وتب ، فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقة بالنار ، وقال : إن الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك[25].
ومنها: ما رواه الكشي في رجاله بسنده عن الامام أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ، وكان يزعم أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو الله - تعالى عن ذلك - فبلغ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فدعاه فسأله ، فأقر وقال : نعم أنت هو ، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأنا نبي ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ويلك قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا ثكلتك امك وتب ، فأبى ، فحبسه ، واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأخرجه فأحرقه بالنار . . الحديث .
وعن الكشي بسنده عن هشام بن سالم ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول - وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ ، وما ادعى من الربوبية لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) - فقال : إنه لما ادعى ذلك فيه استتابه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأبى أن يتوب ، فأحرقه بالنار . وذكر الكشي عن بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا ، فأسلم[26].
ومنها: عن أبان بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : لعن الله عبد الله بن سبأ ، أنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكان والله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عبدا لله طائعا ، ويل لمن كذب علينا ، وإن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم[27].
ومنها: عن عبد الله بن سنان ، قال : حدثني أبي ، عن أبي جعفر عليه السلام ان عبد الله بن سبأ كان يدعى النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ( تعالى عن ذلك ) . فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله ؟ فأقر بذلك وقال نعم أنت هو ، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب ، فابى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب ، فأحرقه بالنار وقال : ان الشيطان استهواه ، فكان ياتيه ويلقى في روعه ذلك[28].
ومنها: عن أبي حمزة الثمالي ، قال ، قال علي بن الحسين عليهما السلام لعن الله من كذب عيلنا ، اني ذكرت عبد الله بن سبا فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمرا عظيما ماله لعنه الله ، كان علي عليه السلام والله عبدا لله صالحا ، أخو رسول الله ، ما نال الكرامة من الله الا بطاعته لله ولرسوله ، وما نال رسول الله ( ص ) الكرامة من الله الا بطاعته لله[29].
ومن الملفت انه لا توجد روايات عند الشيعة يوصف عبد الله بن سبأ المغالي فيها بأبن السوداء بخلاف روايات شيعية اخرى تصف آخرين بهذا اللقب.
ثانياً: عبد الله بن وهب السبئي الراسبي
عبد الله بن وهب السبئي رأس الخوارج:
قال ابن حجر المتوفى 852 ه في تبصير المنتبه : " السبئي طائفة منهم عبد الله بن وهب السبئي رأس الخوارج "[30].
عبد الله بن وهب االسبئي ايضاً يسمى أبن السوداء:
عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أن أمير المؤمنين لما دنا إلى الكوفة مقبلا من البصرة ، خرج الناس مع قرظة بن كعب يتلقونه فلقوه دون نهر النضر بن زياد فدنوا منه يهنونه بالفتح وإنه ليمسح العرق عن جبهته فقال له قرظة بن كعب : الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي أعز وليك وأذل عدوك ونصرك على القوم الباغين الطاغين الظالمين . فقال له عبد الله بن وهب الراسبي : إي والله إنهم الباغون الظالمون الكافرون المشركون . فقال له أمير المؤمنين : ثكلتك أمك ما أقواك بالباطل وأجراك على أن تقول ما لم تعلم أبطلت يا ابن السوداء ليس القوم كما تقول لو كانوا مشركين سبينا وغنمنا أموالهم وما ناكحناهم ولا وارثناهم[31].
وفي هذا الاثر يوصف عبد الله بن وهب السبئي بلقب (ابن السوداء) وهو لقب كما قدمنا كان يوصف به من كانت امه سوداء على سبيل التوبيخ.
نفي ابن السوداء الى المدائن:
عن أبي الجلاس قال : سمعت عليا يقول لعبد الله السبائي : ويلك ما أقضى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ كتمته أحدا من الناس ولقد سمعته يقول : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا وإنك أحدهم[32].
عن مغيرة عن سباط قال بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر فدعا به ودعا بالسيف أو قال فهم بقتله فكلم فيه فقال لا يساكني ببلد أنا فيه قال فسيره إلى المدائن[33].
وهناك قرائن قد تدل على ان ابن السوداء وهو عبد الله بن وهب السبئي كان ينتقص ابا بكر وعمر على سبيل الحكاية وينسب الانتقاص الى امير المؤمنين عليه السلام ـ حيث ان الخوارج لا ينتقصونهما بل كانوا ينتقصون عثمان ـ على سبيل تأليب الناس ضده ولذلك نفاه الامام عليه السلام الى المدائن ، ويقوي ذلك ان الامام حينما انتقص ابا بكر وعمر وعثمان في خطبته الشقشقية فقد تكون تلك المرة الاولى والاخيرة التي انتقصهم فيها علانية في فترة حكمه ولذلك سميت بالشقشقية المأخوذة من الشقشقة. ويدعم هذا الرأي قول الامام الباقر عليه السلام: (كان علي بن ابي طالب عليه السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه ومعه اصحابه وما كان فيهم خمسون رجلاً يعرفونه حق معرفته وحق معرفته إمامته)[34] حيث يبين هذا الحديث الشريف قلة الموالين للامام (عليه السلام) في جيشه ومجتمعه الكوفي مما لا يسمح له بالجهر بالعقيدة الحقة لاسيما في ظروف الحرب والفتنة تلك ، ونفس تلك الظروف التي لم تكن تسمح بالانتقاد العلني للخليفتين الاولين ايضا كانت تجعل الامام (عليه السلام) يمنع من يحاول اثارة الانتقادات من هذا النوع طلباً للتأليب على خلافته وحكومته لأن هذا يسمى في عرف ايامنا تحريضاً ضد الدولة وضد النظام السياسي القائم فيها.
خطأ السمعاني بجعل الخارجي رافضي !
قال السمعاني في الانساب: (وعبد الله بن وهب السبئي رئيس الخوارج ، وظني أن ابن وهب هذا منسوب إلى عبد الله بن سبأ ، فإنه من الرافضة ، وجماعة منهم ينسبون إليه يقال لهم : السبئية ، وعبد الله بن سبأ هو الذي قال لعلي رضي الله عنه : أنت الاله حتى نفاه إلى المدائن ، وزعم أصحابه أن عليا رضي الله عنه في السحاب ، وأن الرعد صوته ، والبرق سوطه ، وفي هذا قال قائلهم : ومن قوم إذا ذكروا عليا * * يصلون الصلاة على السحاب)[35].
انظر لهذا التخبط فهو يظن ان لقب السبئي هو نسبة لعبد الله بن سبأ الرافضي !! فهل يصلح ان ينسب شخص يحمل عقيدة الخوارج نسبة عقائدية الى شخص يحمل عقيدة التشيع ؟! هذا هو هذيان المحموم بعينه ! والمؤسف ان السمعاني يكتب كتابه الحاوي على هذيانه هذا في الانساب وكان يفترض به ان يعلم ان لقب السبئي هو من الالقاب الشائعة في اهل اليمن ، وقد ذكرنا آنفاً تسعة من الصحابة ممن حملوا هذا اللقب وهناك من غير الصحابة اكثر من 35 شخص آخر حملوا هذا اللقب في القرون الاولى. فكيف يجهل السمعاني هذا !!؟
ثم ان الذين زعموا ان الامام (عليه السلام) هو الاله قتلهم الامام (عليه السلام) جميعاً حرقاً بالنار ولم يكن ليستثني منهم احداً او يحابي احد منهم لأي سبب كان. ولو اراد الامام عليه السلام ان يحابي احداً لحابى معاوية وابقاه على ولاية الشام الى ان يأتيه بالبيعة ولكنه لم يفعل لأن الامام عليه السلام لا يحابي في الحق. فنفي عبد الله السبئي الى المدائن له سبب آخر وهو تحريضه ضد خلافة الامام (عليه السلام) كما ذكرنا آنفاً وليس كما توهم السمعاني في انسابه !
عبد الله بن وهب السبئي ورفضه موت الامام علي (عليه السلام):
عن الشعبي قال: أخبرني زحر بن قيس الجعفي قال بعثني علي على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن ننزل المدائن رابطة قال فوالله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذ جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا من أين أقبلت فقال من الكوفة فقلنا متى خرجت قال اليوم قلنا فما الخبر قال خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفجر فابتدره بن بجدة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها ويموت مما هو أهون منها قال ثم ذهب فقال عبد الله بن وهب السبائي ورفع يده إلى السماء الله أكبر الله أكبر قال قلت له ما شأنك قال لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه قال فوالله ما مكثنا إلا تلك الليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر بن قيس أما بعد فخذ البيعة على من قبلك قال فقلنا أين ما قلت قال ما كنت أراه يموت[36].
فمن الواضح ان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) كان يعرف ليلة مقتله بأن هناك مؤامرة ضد خلافته وانه انما بعث هؤلاء الـ 400 جندي ليرابطوا في المدائن درءاً للفتنة التي يتوقع ظهورها بعد مقتله نتيجة تواجد الخوارج هناك والذين يتزعمهم عبد الله السبئي ! ويصح ان يقال انَّ الامام علي عليه السلام كان يعلم بأن هناك حركة مكملة لقتله مصدرها من المدائن حيث يقبع عبد الله بن وهب السبئي رأس الخوارج ، وقد يقوي هذا السياق رفض عبد الله السبئي لخبر اغتيال الامام (عليه السلام) وانه لا يموت لكي يستغل الوقت في الجمع والاعداد والتنفيذ لفتنته ولكن وجود الـ 400 جندي ومجيء الخبر سريعا بوفاة الامام عليه السلام احبط هذه الخطة لا سيما مع حرص الامام الحسن عليه السلام باخذ البيعة منهم سريعاً. فكان قول السبئي بان الامام لا يموت حتى يسوق العرب والذي اراد به التسويف واستغلال الزمن لتنفيذ خطته هو الذي دفع الرواة من بعد ذلك للقول بأنه من المغالين ثم نسبوا له كلاماً في الغلو والخلط بينه وبين عبد الله بن سبأ المقتول قبل هذه الحادثة حرقاً !!
ومن الملفت للنظر ان تسويف عبد الله بن وهب السبئي في انكاره مقتل الامام عليه السلام هو مماثل لتسويف عمر بن الخطاب حين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) طلباً لحضور ابي بكر الذي كان في مكان آخر ، فعمد عمر بن الخطاب الى هذه الحيلة ليشغل الناس عن التفكير بالخلافة التي لا يشكون انها لصاحب يوم الغدير ، فقال ما قال اشغالاً للناس وبعثاً للبلبلة والارباك ريثما يحضر ابي بكر ويبايعوه ، وقد اشار لذلك الشيخ المظفر في كتيبه السقيفة[37] ، ونحن اذ نرى اشتراك عمر بن الخطاب مع عبد الله بن وهب السبئي في المنهج والفكرة والخطة نتسائل: هل كان شيطانهما واحداً ؟!! ام تعلم الاخير من الاول ؟!
نعود الى الرواية حيث نقرأ فيها قول السبئي: (ما كنت أراه يموت) ولم يصدر عنه شيء بعدها ينبيء عن عقيدة بغلو ! مما يدحض الشبهات والروايات التي نسبته للغلو.
ثالثاً: ابن السوداء اليهودي الاصل
ابن السوداء اليهودي هو الصحابي كرز بن ابي دحية:
قال محمد بن حبيب في المحبر أن ابن السوداء من بنى الحارث بن سعد هذيم بالشام وهو جد هدبة بن خشرم الشاعر ، وكان من كهنة اليهود الذين نزل فيهم قوله تعالى: ((وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم ))[38] ، وهدبة بن خشرم هو: هدبة بن خشرم بن كرز بن أبي حية بن الاسحم بن عامر بن ثعلبة بن قرة بن خنبس[39] ، من بني عامر بن ثعلبة ، من سعد هذيم ، من قضاعة من أهل بادية الحجاز ( بين تبوك والمدينة )[40]. وقد نص ابن حجر في الاصابة على ان كرز بن أبي حبة بن الاسحم بن عائد بن ثعلبة بن قرة بن حبيش بن عمرو العذري له إدراك (اي له صحبة) وهو جد هدبة بن الخشرم ، اي ان كرز من الصحابة وهو الذي يسمى ابن السوداء وكان يهودياً ثم اسلم[41]. فهذا هو ابن السوداء اليهودي الذي ينسبون له الدور الاسطوري والذي اطلقوا عليه اسم: عبد الله بن سبأ ! وبالمناسبة فإن قضاعة محسوبة على القبائل اليمنية والتي كان يحمل ابنائها لقب السبئي نسبة الى سبأ جدهم الاعلى الذي ينتسبون جميعها اليه. فابن السوداء اليهودي السبئي هو كرز بن أبي حية.
ابن السوداء وجيش الغضب:
عن جابر قال : حدثني من رأى المسيب بن نجبه قال جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ومعه رجل يقال له ابن السوداء ، فقال له : يا أمير المؤمنين إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ، ويستشهدك . فقال أمير المؤمنين : لقد أعرض وأطول ، يقول ماذا ؟ قال : يذكر جيش الغضب فقال : خل سبيل الرجل ! اولئك قوم يأتون في آخر الزمان قزع كقزع الخريف الرجل والرجلان والثلاثة ، في كل قبيلة حتى يبلغ تسعة ، أما والله إني لاعرف أميرهم واسمه ومناخ ركابهم ثم نهض وهو يقول : [ باقرا ] باقرا باقرا ثم قال : ذلك رجل من ذريتي يبقر الحديث بقرا[42].
فالملاحظ من خلال تتبع الروايات ان هناك تمييزاً بين من كان امير المؤمنين (عليه السلام) يغضب عليه ويقرعه بلقب (ابن السوداء) وبين من كان هو معروفاً بين الناس بهذا اللقب كما هو في هذه الرواية. كما ان الملاحظ ان ابن السوداء كان رجلاً له اهتمام بروايات الاحداث المستقبلية كجيش الغضب وما شابهها وهذا يؤيد ان يكون ابن السوداء يهودياً له اطلاع على الموروث اليهودي ابتداءاً من ظهور النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ومروراً بالاحداث التي تلي ذلك مما هو كائن في آخر الزمان.
الدور الاسطوري لعبد الله بن سبأ
ثم جاء سيف بن عمر الكذاب الوضاع فاخترع شخصية جديدة اطلق عليها اسم "عبد الله بن سبا" دمج فيها بين شخصيات هؤلاء الثلاثة : (عبد الله بن سبأ المغالي وعبد الله بن وهب السبئي الخارجي وابن السوداء الصحابي) ! من اجل التغطية على الاحداث الحقيقية التي ادت الى مقتل عثمان وهي احداث كان للصحابة فيها دور رئيسي وفي مقدمتهم عمرو بن العاص وطلحة بن عبيد الله وام المؤمنين عائشة ، وكذلك كان هناك دور مهم للصحابي كرز بن ابي أحية المعروف بأبن السوداء. ونتيجة وجود بعض الروايات التي ينبز عبد الله بن وهب السبئي الخارجي فيها بأبن السوداء واشتراكه بالاسم مع عبد الله بن سبأ المغالي ، كل ذلك دفع سيف بن عمر لأبتكار شخصيته الجديدة وملامحها: ابن السوداء عبد الله بن سبأ المغالي المحرض على قتل عثمان والمبتكر لقضية ان يوشع بن نون هو وصي موسى (عليهما السلام) وأنَّ الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) هو وصي للنبي (صلى الله عليه وآله) ، بحسب زعمه ! متجاهلاً ان هذه الوصية هي حقيقة دينية وتأريخية معروفة ، حيث نقرأ الروايات التالية في مصادر اهل السنة والتي تثبت ان هذه القضية غير مقتصرة على الشيعة وليست من ابتكار عبد الله بن سبأ ولا عبد الله بن وهب السبئي ولا الصحابي ابن السوداء.
- في المعجم الكبير للطبراني عن أبي سعيد الخدري عن سلمان قال قلت يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال يا سلمان فأسرعت إليه قلت لبيك قال تعلم من وصي موسى قلت نعم يوشع بن نون قال لم قلت لأنه كان أعلمهم قال فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب قال أبو القاسم قوله وصيي يعني أنه أوصاه في أهله لا بالخلافة[43].
- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي عن أبي السكين الكوفي قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول في مجلسه بالكناسة عند الطاق في القتاتين إني أريد أن أتكلم اليوم بكلام لا يخالفني فيه أحد إلا هجرته ثلاثا قالوا قل يا أبا بكر قال ما ولد لآدم مولود بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر قالوا صدقت يا أبا بكر فقال له عاصم بن يوسف مولى فضيل بن عياض يا أبا بكر ولا يوشع بن نون وصى موسى قال ولا يوشع بن نون وصى موسى إلا أن يكون كان نبيا ثم فسره أبو بكر فقال قال الله كنتم خير أمة أخرجت للناس[44].
ـ في سنن الدارمي: وقال هزيل بن شرحبيل ابو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر انه وجد من رسول صلى الله عليه وسلم عهدا فخزم انفه بخزامة ذلك[45].
ـ وروى الطبراني في المعجم الاوسط عن علي بن علي الهلالي عن أبيه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه قال فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إليها فقال حبيتبي ذلك فاطمة ما الذي يبكيك قالت أخشى الضيعة من بعدك قال يا حبيبتي أما علمت أن الله أطلع على الارض اطلاعه فاختار منها أباك فبعثه برسالته ثم اطلع على ا لارض اطلاعه فاختار منها بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحدا قبلنا ولا تعطى أحد بعدنا أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله وأنا أبوك ووصيي خير الاوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو حمزة بن عبد المطلب وهو عم أبيك وعم بعلك ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك ومنا سبطا هذه الامة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما المهدي هذه الامة إذا صارت الدنيا هرج ومرج وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم الصغير ولا صغير يوقر الكبير فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يهدمها هدما يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في اول الزمان يملا الدنيا عدلا كما ملئت جورا يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي فإن الله أرحم بك وأراف محمد عليك مني وذلك لمكانك مني وموقعك إلى من قلبي وزوجك الله زوجك وهو أشرف أهل بيتي حسبا وأكرمهم منصبا وأرحمهم بالرعية وأعدلهم بالسوية وأبصرهم بالقضية وقد سألت ربي أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي قال علي بن أبي طالب فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوما حتى الحقها الله به صلى الله عليه وسلم. لم يرو هذا الحديث عن علي بن علي إلا سفيان بن عيينة تفرد به الهيثم بن حبيب[46].
ـ وروى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن مجاهد عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن وصيي وخليفتي وخير من أترك بعدي ينجز موعدي ويقضي ديني علي بن أبي طالب[47].
ـ وروى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( وأنذر عشيرتك الاقربين )) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الاقربين ، فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني متى أمرتهم بهذا الامر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتى جاء جبرئيل فقال : يا محمد إنك لئن لم تفعل ما أمرت به يعذبك الله بذلك فاصنع ما بدا لك . يا علي اصنع لنا صاعا من طعام واجعل فيه رجل شاة وأملا لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به - وساق الحديث إلى قوله : - ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحدا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على أمري هذا ، على أن يكون أخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعا ، فقلت - وإني لاحدثهم سنا ، وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا - : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه . فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي[48].
ـ وقال ابن عدي في الكامل عن بن بريدة عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي وصي ووارث وان عليا وصيي ووارثي[49].
ـ وروى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن لكل نبي وصيا ووارثا وإن عليا وصيي ووارثي[50].
فهذه الاحاديث بتعدد اسانيدها تدل بما لا يقبل الشك باستحالة تواطيء رواتها جميعا على اختلاقها ، وهي تتضمن وصف الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) بأنه وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فهذا الوصف ليس من مختلقات عبد الله بن سبأ وهو أحقر واذل من ان يغير في مذهب آل البيت (عليهم السلام) شيئاً.
ومن الملاحظ ان احداً من علماء أهل السنة في القرون الثلاثة الاولى لم يتهم الشيعة بأخذ دينهم عن اللعين عبد الله بن سبأ المذكور لأن هذه الاكذوبة لم تكن قد انطلقت وشاعت بينهم في تلك الفترة.