*لم يخطر على بال سلطان كان يحكم قبل نحو خمسمائة وخمسين عاما قطاعا** **واسعا
*من البلاد الإسلامية في الشرق أن مشادة كلامية بينه وبين زوجته يمكن** **أن 
تؤدي إلى تغيير جذري في عقيدته وعقيدة الشعوب التي يحكمها**!**
**كان السلطان** **غياث الدين محمد بن أرغون (الملقب بشاه بنده) حاكما على 
العراق وإيران وأذربيجان** **وأقطار عدّة من الشرق الإسلامي، وكان سني العقيدة، 
على ما عليه العامة. إلا** **أن توترا في علاقته الزوجية مع امرأته أفضى إلى 
تحوله إلى مذهب أهل البيت عليهم** **الصلاة والسلام، وهو ما أدى في وقت لاحق 
إلى اعتناق ملايين من شعوب إيران** **والعراق والبلاد التي كان يحكمها عقيدة 
التشيع**.**
**فذات ليلة؛ وقعت ملاسنة** **شديدة بين السلطان وزوجته إثر خلاف مستحكم على 
شيء ما، الأمر الذي دفع** **السلطان في غمرة غضبه إلى أن يصرخ بوجه شريكة حياته 
قائلا: (أنت طالق** **ثلاثا)!*
*ومن طبيعة الحال أن الزوجة المسكينة انهمرت بالبكاء، فيما** **حافظ السلطان 
على كبريائه في البداية، لكنه سرعان ما ندم وأحس بخطئه وأراد** **إرجاع زوجته 
إليه**.**
**غير أنه - حسب الفقه السني - قد طلق امرأته طلاقا** **بائنا، لأن صيغة (أنت 
طالق ثلاثا) تحتسب بناء على ذلك الفقه ثلاث** **طلقات**.**
**ومما كان من السلطان غياث الدين إلا أن يستشير كبار فقهاء مملكته** **الواسعة، 
من علماء المذاهب الأربعة علّه يجد حلا لمعضلته.*
* *
*جمع** **السلطان الفقهاء إلى مجلسه، وعرض عليهم أمره طالبا الحلول، فأجاب 
الفقهاء:*
*بأنه لا يمكن له الرجوع إلى زوجته إلا إذا تزوجت رجلا آخر ودخل بها ثم** **يطلقها 
ليتزوجها السلطان من جديد**.**
**وهو ما يعرف بآلية (المحلل).*
*لكن** **السلطان لم يستطع القبول بهذا الحل،** **وجّه السلطان حديثه لفقهاء 
المذاهب** **الأربعة في الدولة بعصبية قائلا*
* *
*إنكم في كل مسألة تختلفون في ما بينكم، ولكم في كل شيء أقاويل وفتاوى مختلفة، 
أفلا عند بعضكم حل آخر سوى** **هذا الحل)؟*
* *
*وأجاب الفقهاء جميعا: (لا.. فمذاهبنا كلها متفقة على عدم جواز** **نكاح 
المطلقة طلاقا بائناً إلا بعد أن ينكحها رجل آخر).*
*ورد السلطان** **باستهجان: (ولم تجدوا اتفاقا بينكم إلا في هذه المسألة حتى 
أحرم أنا من** **زوجتي)*
*وبينما كان السلطان متوتراً مما سمعه، بل متوقداً من المأزق الذي** **وقع فيه 
، استأذن أحد وزرائه للحديث وقال: (مولاي.. بلغني أن هناك عالما** **بالحلة 
يقول ببطلان هذا الطلاق، فما الرأي عندكم أن نستحضره لنرى ما يقول؟*
*وأجاب السلطان بلا أي تردد: (ابعثوا إليه.. أريده في** **الحال).*
*وتفاجأ فقهاء المذاهب الأربعة بما قاله الوزير، فسألوه عن** **ذلك العالم 
القاطن في مدينة الحلة في العراق، فأخبرهم بأنه رجل يقال له أبو** **الحسن بن 
يوسف بن علي بن المطهر، الملقب بالعلامة الحلي.*
*وما إن سمع** **الفقهاء اسمه؛ حتى انتفخت أوداجهم وخاطبوا السلطان غياث الدين 
بالقول: (يا مولانا الملك... إن لهذا الرجل مذهبا باطلا، هو مذهب الروافض، ولا 
عقل** **للروافض، ولا يليق بالملك أن يبعث إلى طلب رجل خفيف العقل!*
*والتفت** **إليهم السلطان قائلا: لن يضرنا أن نسمع منه، وسأجمعه بكم عندي، فإن 
تبيّن** **لي أن حجتكم أقوى في الرد عليه فلن أستمع إلى مقالته، وإلا فالعكس).*
*وأمر** **الملك بإنفاذ رسوله إلى العلامة الحلي، طالبا منه القدوم لغرض مناقشة 
فقهاء** **المذاهب الأربعة في مسألة الطلاق...*
*وقبل العلامة الدعوة، وانطلق مع الرسول** **إلى مقر السلطنة.*
*وعندما وصل؛ استقبله السلطان بترحاب وأكرم ضيافته، إذ كان** **يرجو أن يكون حل 
مشكلته العويصة عنده.*
*وحدد السلطان الموعد للقاء العلامة** **بفقهاء المذاهب الأربعة في الجلسة 
المرتقبة التي تحولت إلى مناظرة واسعة في** **أحقية المذهبين الإمامي والسني*
*وعند ما حان الموعد؛ جلس السلطان منتظرا** **قدوم المدعوين، من فقهاء وكبار 
الوزراء وشخصيات عُليا، فحضر الجميع مبكرا، بيد أن العلامة الحلي أخّّر نفسه عن 
الحضور عمدا.*
*وعند ما وصل** **العلامة إلى المجلس الملكي الكبير؛*
*فوجئ الجميع بأنه لم يترك نعليه عند** **الباب بل خلعهما وأخذهما بيده ودخل 
المجلس ثم ألقى السلام والتحية وجلس إلى جوار الملك!*
*وكان هذا التصرف الغريب مثار انزعاج الملك ووزرائه والحاضرين، وانتهز الفقهاء 
الفرصة ووجهوا كلامهم إلى الملك قائلين: (ألم نقل إن** **الروافض لا عقل لهم!*
*أرأيت يا مولانا السلطان ما فعل هذا الرجل؟!*
*امتعض السلطان من تصرف العلامة، لكنه كتم امتعاضه في نفسه، إلى** **أن بادر 
الوزراء وحاولوا توبيخ العلامة بالقول:*
*(لم لم تنحني للسلطان وتركت** **الآداب)؟*
*فأجاب العلامة: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم** **كان ملكا ولم يفعل 
له مثل ما تفعلون أنتم لملككم، وليس من واجب علي إلا** **السلام لقوله تعالى: 
(فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند** **الله مباركة).*
*بعد ما** **أخذ العلامة نعليه معه وجلس عند السلطان** **قالوا له: (وكيف سمحت 
لنفسك بالجلوس** **عند السلطان)؟** **
**فأجاب العلامة: (لم يكن مكان غيره).*
*فقالوا لهو لأي شيء أخذت نعليك معك، وهذا مما لا يليق بعاقل، بل بإنسان؟!* 
*فأجاب** **العلامة: (خفت أن يسرقه فقهاء الحنفية الموجودون في هذا المجلس كما 
سرق أبو حنيفة** **نعل رسول الله!!*
*فصاح فقهاء الحنفية بنبرة حادة: (حاشا وكلا!!*
*ما** **تقول يا فاقد العقل؟!*
*متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله؟!*
*بل** **كان تولده بعد مئة عام من وفاته*
*فاستدرك العلامة الحلي بالقول: (نسيت.. لعلّه كان السارق الشافعي!!*
*فاستشاط فقهاء الشافعية غضبا** **وصرخوا:*
*(سبحان الله.. ماذا يقول هذا الكذاب؟!*
*إن الشافعي لم يولد** **إلا بعد مائتي سنة من وفاة رسول الله!*
*فاستدرك العلامة الحلي ثانية** **وقال:*
*(فلعلّه كان مالك)!*
*فقفز علماء المالكية وصاحوا:*
*ما هذا الافتراء؟!*
*فمالك لم تلده أمه إلا بعد رسول الله بقرن ونيف!*
*فاستدرك العلامة الحلي ثالثة وقال: فلعلّه كان احمد إذن!*
*فهاج علماء** **الحنبلية وقالوا: أي زور هذا؟!*
*فشتّان ما بين عصر رسول الله وعصر أحمد بن** **حنبل!*
*وبعد ما انقلب المجلس إلى هرج ومرج، التفت العلامة إلى الملك** **قائلا:*
*(أيها السلطان.. قد علمت أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في** **زمن 
رسول الله وسلم، وهذا من بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هؤلاء** **الأربعة فقط 
وحصروا الإتباع بهم ولم يجوزوا الإتباع بغيرهم،*
*مع أنهم ما** **كانوا على عهد رسول الله أو على عهد صحابته.* 
*أما نحن الشيعة فنتبع أمير** **المؤمنين نفس رسول الله (ص ) وأخيه وابن عمه 
ووصيه، وهو رئيس مذهبنا. أترى** **بعد ذلك من حجة لهم علينا؟!*
*اندهش السلطان من كلام العلامة، وسقط فقهاء** **المذاهب الأربعة من عينه، إذ 
لم يتمكنوا من دحض هذه الحجة التي ابرع العلامة** **الحلي في صياغتها بذكاء.*
*وبعد ذلك طلب السلطان من العلامة الحل لمشكلة طلاقه** **زوجته، فقال العلامة: 
(أيها الملك.. إن طلاقك هذا باطل، لأن من شروط الطلاق** **حضور شاهدين عادلين، 
ولم يكن هذا منك.*
*كما أن طلاق الثلاث في آن واحد هو** **بدعة أيضاً وذلك لقوله تعالى:* 
*)**الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح** **بإحسان)* 
*إلى قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره).*
*والآية صريحة في أن الطلاق مرتان مرة بعد مرة مع تخلل الرجعة** **بينهما، لا 
لفظتان أو ثلاث، ولا تشمل الآية قول القائل لزوجته أنت طالق** **ثلاثا وإلا كان 
قوله هذا لا معنى له إطلاقا بعد قوله تعالى:*
*إلا إذا تكرر** **الطلاق منه مرتين قد تخلل بينهما رجعة).*
*وكشف العلامة الحلي للسلطان غياث** **الدين أن (الخليفة الثاني) هو الذي أحدث 
هذه البدعة في الدين، أي طلاق** **الثلاث، وذلك حسب ما ورد في صحاح أهل السنة، 
إذ ورد في صحيح مسلم في باب** **طلاق الثلاث ص 477 عن ابن عباس أنه قال: (كان 
الطلاق على عهد رسول الله وسلم** **وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق 
الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس** **قد استعجلوا في أمر قد كان لهم 
في أناة فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم!!*
*(أنظر أيضا صحيح مسلم ص 478 ومسند أحمد بن حنبل ص 314).*
*وانفرجت** **أسارير السلطان عند ما تيقن بأن زوجته ما زالت في عصمته، بعد ما 
علم بأن** **الذي ابتدع حكم اعتبار لفظة (أنت طالق ثلاثا)*
*بمثابة الطلقات الثلاث التي** **تخللها رجوع إنما هو عمر بن الخطاب بعد ما راق 
له ذلك، كما راق له ابتداع** **صلاة التراويح والتكفير في الصلاة (التكتف)*
*وإلحاق عبارة (الصلاة خير من** **النوم)*
*في الأذان وتحريم متعة الحج ومتعة النساء*
*وغيرهما من** **الأحكام والسنن!!!*
*أعجب السلطان بفقه العلامة الحلي الذي أفحم به فقهاء بقية** **المذاهب، ودعاه 
إلى أن يستكمل حديثه عن عقيدة أهل البيت عليهم الصلاة** **والسلام ويناظر 
العلماء.*
*وهكذا كان في جلسات وجلسات، حيث جر الكلام الكلام،** **وكالعادة فإن الصولة 
والجولة كانت لفقيه الإمامية، الأمر الذي دفع السلطان** **غياث الدين أخيرا إلى 
أن يقرر ترك مذهبه السني والتزام مذهب خير** **البرية.*
*وأعلن السلطان أن الدين الرسمي لمملكته أصبح دين أهل البيت صلوات** **الله 
وسلامه عليهم، وأصدر أوامره بالدعوة لولاية الأئمة الإثني عشر عليهم** **الصلاة 
والسلام على المنابر، وضرب العملات بأسمائهم ونقشها على المباني** **والمساجد 
والمشاهد والأضرحة المقدسة.*
*وباعتباره أضحى شيعيا، فإن** **الملك سمح للعلماء والناشطين الشيعة بالتحرك في 
مملكته، بعد ما كانوا يعانون من** **الحجر والتضييق، فنشروا بين الناس علوم أهل 
البيت وفضائلهم ومناقبهم، وروجوا خطبهم وذكروا سيرهم وتعاليمهم ووصاياهم، 
ودافعوا عن ظلاماتهم** **وفضحوا أعداءهم من الأولين والآخرين، وأثمر ذلك كله عن 
تشيع غالبية شعب** **المملكة وإتباعهم مذهب آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين*
*بعد ما كانت** **الغالبية للطائفة البكرية التي تعتقد بخلافة أبي بكر بن أبي 
قحافة، وهي التي يطلق** **عليها اليوم (أهل السنة والجماعة).*
*لذا فإن غالبية شعوب إيران والعراق** **اللتان كانتا تقعان داخل نطاق المملكة 
هم من الشيعة حاليا، بينما كانت** **الغالبية للبكرية سابقا..*
*وترجع أصول وأحكام الطائفة البكرية إلى حزمة من** **التخبطات الموروثة من 
العقلين المدبرين لأول انقلاب في الإسلام؛*
*وهما** **معروفان. وجاءت الحكومات الأموية والعباسية وغيرها لتبني على أساس 
هذه التخبطات** **مجموعة مفاهيم روجّت لها بهدف ضمان بقاء هيمنتها على الأمة، 
ومن هذه** **المفاهيم مفهوم (الطاعة العمياء لأولي الأمر من الحكام)*
*بدلاً من (طاعة** **أولي الأمر الشرعيين المنصوص عليهم في القرآن)؛ ومفهوم 
(كتاب الله وسنتي**) **بدلا من (كتاب الله وعترتي أهل بيتي).*
*ومفهوم (عدالة الصحابة) بدلا من (عصمة** **الأئمة)*
*ومفهوم (الصلاة خلف كل بر وفاجر) بدلا من (الصلاة خلف** **العادل)، وغير ذلك 
من مفاهيم وأفكار خلقتها السلطات لتبديد أي تأثير من قبل** **سلالة الرسول 
المصطفى على الأمة، حيث كانت هذه السلالة الطاهرة التي تمثل** **السلطة الإلهية 
الشرعية مصدر قلق لتلك السلطات والأنظمة الحاكمة مخافة أن تسحب** **البساط 
منها.*
*وأحدثت هذه الوضعية فجوة كبيرة في العقائد والأصول والمفاهيم** **الإسلامية 
نظرا لسيادة قانون إلغاء الركن المعادل للقرآن، وهم أهل البيت** **عليهم الصلاة 
والسلام، بما في ذلك تعاليمهم وأحكامهم وتراثهم وفتاواهم التي** **كان محظورا 
موافقتها أو العمل بها.*
*واضطر فقهاء الأنظمة الحاكمة إلى سد تلك** **الفجوة عبر الاستناد إلى التخبطات 
الموروثة من مدبري الانقلاب الأول مع مراجعة** **الأنظمة الحاكمة في الفتاوى 
التي ينبغي إصدارها بناء على هذا الأساس.*
*وبذلك** **صيغ فقه الطائفة البكرية التي تحولت إلى مذاهب أربعة، هي المذهب 
الحنفي والمالكي** **والشافعي والحنبلي.*