شاب في مقتبل العمر،زهرة الإمام الحسن (عليه السلام) وبقية ذكرى الأطهار، معزته وحبه سكن مهجة الحسين(عليه السلام)، وهو وديعته من الإمام الحسن، هذا الشاب تنغصت عليه الدنيا بما رحبت،وتحولت دنياه إلى هموم وآلام ودمع وبكاء، على صغر سنة.
فوحدة الحسين وصرختة "وا قلة ناصراه" قضت مضجعه،وهو يرى مقتل الأنصار وأهل بيت الحسين (عليه السلام) الواحد تلو الآخر، حتى ويرىوحدة عمه بين القوم اللئام.
فأقبلعلى الحسين (عليه السلام) وطلب الإذن بالجهاد ونيل شرف الاستشهاد، فلم يتمالك أبوعبدالله الحسين نفسه في هذا الموقف المفجع، حتى أجهشت عيناه ـ بأبي هو وأمي ـبالبكاء، وظم القاسم في ظل تلك الأرزاء التي تعصف به والمصائب التي تحيط بقلبهالحزين، فساعد الله قلبك يا سيد الشهداء، وعظم الله لك الأجر بهذا المصاب، وكأني بكيا سيدي لا تبرح أن ترى من شدة البكاء على مقتل علي الأكبر، حتى جاء الآن دورالقاسم بن الحسن يطلب الإذن في البروز.
فقد استأذن من الحسين للخروج إلى الميدان، فلما نظر إليه (عليه السلام) اعتنقه وبكى، ثم أذن له فبرز، كأن وجهه شقّة القمر[مقتلالحسين للمقرم: 331]، وركب جواده ونزل إلى الميدان وهو يرتجز:
إن تنكـروني فأنا شبلالحسـن * سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن
هذا حسـين كالأسـيرالمرتهن * بين أُناس لا سقوا صوب المزن
وقاتل قتال الأبطال حتّىسقط جريحاً، فمشى إليه عمه أبو عبد الله (عليه السلام)، فوجده يجود بنفسه، فحملواجسده والقوه مع القتلى من أهل البيت[بحار الأنوار: 34 / 45].
جاء اسمه في زيارةالناحية المقدسة، مقروناً بالتسليم عليه ولعن قاتليه: "السلام على القاسم بن الحسنبن علي، المضروب هامته المسلوب لامته، حين نادى الحسين عمّه فجلّى عليه عمّهكالصقر، برجليه التراب، والحسين يقول: بعداً لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامةجدّك وأبوك، ثم قال: عزّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو أن يجيبك وأنت قتيلجديل فلا ينفعك، هذا والله يوم كثر واتره وقلّ ناصره" [بحارالأنوار 67 / 45].
ولقدانجلت الغبرة، وإذا بالحسين (عليه السلام) قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه،والحسين يقول: "بُعداً لقوم قتلوك، خصمهم يوم القيامة جدك".
ثم قال الإمام الحسين: "عزّ والله على عمك أنتدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثم لا ينفعك، صوت والله كرّ واتره وقلناصره".
ثم احتمله، وكان صدره علىصدر الحسين ورجلاه يخطان الأرض، وقد دعا الإمام الحسين على هؤلاء القوم وقال: "اللهم احصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً، صبراً يا بنيعمومتي، صبراً يا أهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم".