المقدمة
:
الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين وسيد الكائنات سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين المظلومين .
أما بعد ...
فلا شك ولا ريب في ورود الأمر في الكتاب الكريم والسنة المطهرة بلزوم مودة آل البيت الكرام (عليهم السلام) بل ولزوم إتباعهم وعدم التقدم عليهم ، وأنهم الثقل الثاني بعد القرآن الكريم ، وبهم يحفظ الدين ويستقيم الأمر ويقام الحق والعدل .
ولكن { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ... }
حديث الأمنية ، المتن والسند
اعتراف أبي بكر بندمه
على الهجوم على دار الزهراء (عليها السلام)
أ) متن الرواية .
رواية الحافظ الطبراني المتوفى سنة 360 هـ :
(( حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصري ، ثنا سعيد ابن عفير ، حدثني علوان بن داود البجلي ، عن حميد بن عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه قال :دخلتُ على أبي بكر أعودُهُ في مرضه الذي توفي فيه ، فَسلمتُ عليه وسألته كيف أصبحت ؟ فاستوى جالساً ، فقلتُ : أصبحتَ بحمد الله بارئاً ، فقال : أما إني على ما ترى وَجِع وجَعلْتم لي شُغلاً مع وجَعي ، جعلتُ لكم عهداً من بعدي واخترتُ لكم خيركم في نفسي فَكُلّكم وَرم لذلك
******
أنفه رجاء أن يكون الأمر له ، ورأيتُ الدنيا قد أقبلتْ ولما تقبل وهي جائية ، وستنجّدون بيوتكم بسور الحرير ونضائد الديباج ، وتألمون ضجائح الصوف الأذري ، كأنّ أحدكم على حسك السعدان ، ووالله لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حد خير له من أن يسيح في غمرة الدنيـا .
ثم قال : أما إني لا آسي على شيء إلا على ثلاث فعلتهن ووددت أني لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وودت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عنهن .
فأمّا الثلاث اللاتي وددت أني لم أفعلهن ، فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب ، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفتُ الأمر في عنق أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر ، فكان أمير المؤمنين وكنت وزيراً ، ووددت أني حيث كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإلا كنت ردءاً أو مدداً .
*****
وأما اللاتي وددت أني فعلتها .... الخ )) (1) .
رواية الحافظ أبي جعفر العقيلي المتوفى سنة 322 هـ ، من كتابه الضعفاء الكبير :
(( وهذا الحديث حدثناه يحيى بن أيوب العلاف ، حدثنا سعيد بن كثير ابن عفير ، قال : حدثنا علوان بن داود ، عن حميد بن عبدالرحمن بن حميد ، عن عبدالرحمن بن عوف ، عن صـالح بن كيسان ، عن حميد بن عبدالرحمن عن أبيه قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فسلمت وسألت عنه ، فاستوى جالساً ، فقلت : أصبحتَ بحمد الله بارئاً ، فقال : أما إني على ما تـرى بي وجع ، وجعلت لي معشر المهاجرين شغلاً مع وجعي ، وجعلت لكم عهداً من بعدي واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم من ذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ، ورأيتم الدنيا قد
.................................................. .......
أقبلت ولما تقبل وهي جائية فتتخذون ستور الحرير ونفائد الديباج وتألمون من ضجائع الصوف الأذربي حتى كأن أحدكم على حسك السعدان ، والله لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يسيح في غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس تصفقون بهم الطريق يميناً وشمالاً يا هادي الطريق ، إنما هو الفجر أو البحر .
قال : فقال له عبدالرحمن : لا تكثر على ما بك فوالله ما أردت إلا الخيـر وإن صاحبك على الخير وما للناس إلا رجلان : إمّا رجل رأى ما رأيت فلا خلاف عليك منه ، وإمّا رجل رأى غير ذلك فإنما يُشير عليك برأيه .
فَسكت وسَكتُّ هنيهة ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : ما أرى بك بأساً والحمد لله فلا تأس على الدنيا ، فوالله ما علمناك إلا كنت صالحاً مصلحاً ، فقال : إني لا آسى على شيء إلا ثلاث فعلتهن وودت إني لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وودت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عنهن ، فأما اللاتي فعلتها
.................................
وودت أني لم أفعلها ، وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وأن أغلق على الحرب ... الخ )) (1) .
رواية الحافظ ضياء الدين المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 643 هـ ، في كتابه الأحاديث المختارة :
روى بإسناده وصولاً إلى الطبراني بإسناده الذي ساقه في المعجم الكبير ، وبنفس اللفظ وقال فيه : (( فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة أو تركته وإن اعلق على الحرب ... الخ )) (2) .
رواية الحافظ شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ :
(( وقال علوان بن داود البجلي عن حميد بن عبدالرحمن عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن
.................................................. ......
أبيه ، وقد رواه الليث بن سعد عن علوان عن صالح نفسه ، قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه ... (إلى أن قال) وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وأن أُغلق عليّ الحرب ... الخ )) (1) .
رواية الإمام ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276 هـ :
(( فليتنـي تركت بيت علي وإن كان أعلن على الحرب ... الخ )) (2) .
رواية الإمام ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هـ :
(( حدثنا يونس بن عبدالأعلى قال : حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثنا علوان ، عن صالح بن كيسان ، عن عمر بن عبدالرحمن بن عوف ، عن أبيه : ... فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن
.................................................. ...
شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ... الخ )) (1) .
الرواية من تاريخ اليعقوبي المتوفى سنة 292 هـ تقريباً :
(( ... وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وادخله الرجال ، ولو كان أغلق على حرب ... الخ )) (2) .
ب) مصادر أخرى للرواية .
وقد روى هذه الرواية وذكرها جملة من الحفّاظ والعلماء والمؤرخين منهم :
1- القاسم بن سلام المتوفى سنة 225هـ في كتابه الأموال (ولنا معه وقفة) .
2- ابن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة 327هـ في كتابه العقد الفريد .
.................................................. ...
3- علي بن الحسين المسعودي المتوفى سنة 363 هـ في كتابه مروج الذهب .
4- ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ في كتابه تاريخ مدينة دمشق .
5- ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفى سنة 655 هـ تقريباً في كتابه شرح نهج البلاغة .
6- الذهبي (أيضاً) المتوفى سنة 748 هـ في كتابه ميزان الاعتدال .
7- نور الدين الهيثمي المتوفى سنة 807 هـ في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد .
8- جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ في كتابه مسند فاطمة الزهراء .
9- المتقي الهندي المتوفى سنة 975 هـ في كتابه كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال .
.................................................. ...
ج) كلام البعض في سند الرواية والرد عليه .
وقد تكلم بعضهم وضعّف سند الرواية لوجود الراوي علوان بن داود البجلي ، قال الهيثمي المتوفى سنة 807 هـ :
(( رواه الطبراني وفيه علوان بن داود البجلي وهو ضعيف ، وهذا الأثر مما أنكر عليه)) (1) .
كما أن العقيلي المتوفى سنة 322 هـ ذكر هذا الراوي في كتابه الضعفاء الكبير (2) .
وللرد عليه نقول إن كان العقيلي والهيثمي وغيرهما يرمون الراوي علوان البجلي بالضعف ، فَمِنْ جهة أخرى نجد أن الإمام ابن حبان صاحب موسوعة الثقات والمتوفى سنة 354 هـ قد وثّق علوان البجلي وذكره ضمن الثقات (3) .
.................................................. ..........
وأمّا عبارةُ الهيثمي (( وهذا الأثر مما أنكر عليه )) فهي تَكشفُ لنا سرّ تضعيفه واتهامه بالنّكارة ، فإنّ للمخالفين الكثير مِن الطرق في التلبيس على الناس وصدّهم عن الحق ، ومنها الطعن في رواة الأحاديث والأخبار التي لا تروقُ لهم كالتي فيها فضائل ومناقب آل البيت (عليهم السلام) أو مثالب وفضائح أعدائهم عليهم لعنة الله ، وسَبق أن ناقشنا جانباً من هذه الجريمة في كتابنا ( وقفة مع الجوزجاني وقاعدته في رواية المبتدع ) .
كما أن الرواية هذه قد أوردها الحافظ ضياء الدين المقدسي في موسوعته الأحاديث المختارة .
قال الحافظ السيوطي : (( الحافظ ضياء الدين محمد بن عبدالواحـد المقدسـي ، جمع كتابـاً سماه المختارة ، التزم فيه الصحة ... )) (1) .
.................................................. ..
ويقول الدكتـور عبدالملك بن دهيش محقق هذه الموسوعة : (( فالمتكلمون في علوم الحديث يقسمون كتب الحديث على مراتب ، ويذكرون منها كتب الصحة أي كتب الأحاديث الصحيحـة ، وجميـع من تكلم في مراتب الكتب ممن جاء بعد الضياء ، جعل المختارة من كتب الصحة )) (1) .
فالرواية إذن ليست بالضعيفة عند الحافظ ضياء الدين المقدسي الحنبلي ، بل تراه جعلها في كتابه الذي التزم فيه الصحة .
والمقدسي هذا من كبار علماء الحديث والجرح والتعديل عند المخالفين ، وقد وصفه الذهبي فقال : (( الشيخ الإمام الحافظ القدوة المحقق المجود الحجة بقية السلف ... )) (2) .
وقال عنه الحافظ شرف الدين يوسف بن بدر : (( رحم
.................................................. ...........
الله شيخنا ابن عبدالواحد ، كان عظيم الشأن في الحفظ ومعرفة الرجال ، هو كان المشار إليه في علم صحيح الحديث وسقيمه ما رأت عيني مثله
)) (1) .
فالرجل من الكبار الأجلاء ولا سبيل للطعن فيه .
وأيضاً لو كانت الرواية ضعيفة خصوصاً عند المتقدمين لكفاهم ضعف سندها ولم يلجئوا للتحريف والتزوير ، فعندما نصل إلى ( الإمام الرباني العظيم القاضي الحافظ الحجة الثقة ) !!! أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـ ، والذي وصفه ابن حبان فقال ( القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي ، مولى بني أمية ... كان أحد أئمة الدنيا ، صاحب حديث وفقه ودين وورع ومعرفة بالأدب وأيام الناس ، ممن جمع وصنف واختار وذب عن الحديث ونصره وقمع من خالفه وحاد عنه )) (2) . .................................................. .....
وقال عنه أحمد بن كامل القاضي : (( كان أبو عبيد فاضلاً في دينه وفي علمه ، ربانياً ، مفنناً في أصناف علوم الإسلام من القرآن والفقه والعربية والأخبار ، حسن الرواية ، صحيح النقل ، لا أعلم أحد طعن عليه في شيء من أمره ودينه )) (1) .
وركز أخي القارئ على (صحيح النقل) .
وقـال عنه الذهبي : (( أبو عبيد الإمام المجتهد ذو الفنون )) .
وقال عنه أحمد بن حنبل : (( أبو عبيد أستاذ )) .
وقال عنه الدار قطني : (( ثقة إمـام جبل )) .
وقال عنه أبو داوود : (( أبو عبيد ثقة مأمون )) .
وقال الحاكم النيسابوري : (( الإمام المقبول عند الكل أبو عبيد )) .
.................................................. .....
وقال إسحاق بن راهويه : (( أبو عبيد أعلم مني ومن ابن حنبل ومن الشافعي )) (1) .
ولكن عند التحقيق نرى هذا الإمام الرباني الثقة ، والمتمتع بالورع والدين ، والصحة في النقل ، والناصر للحديث !! نجده حرّف وبدل في الحديث ولم يحفظه ، ولم يؤده كما هو ، ولم يمنعه ورعه من إنقاص الكلام ، وكتم الحديث ؟!!
وإليك الدليل :
أخرج أبو عبيد هذا حديث أمنية أبي بكر في كتابه الأموال بهذه الكيفية : (( فأمّا التي فعلتها وددت أني لم أفعلها ، فوددت أني لم أكن فعلت كذا وكذا – لخلة ذكرها قال أبو عبيد : لا أريد ذكرها - ... )) (2) .
فإذا كان هذا فعل الأئمة والثقات وأصحاب الورع
.................................................. .....
والدين ؟! فماذا أبقوا لغيرهم ؟! وأي دين يلتمس عند هؤلاء المحرفين المزورين ، الكاتمين للحق .
ولو كانت الرواية ضعيفة لكفاه أن ينبه على ضعفها ، ولكنه ولعلمه بصحتها لم يجد طريقاً ليستر على سيده إلاّ أن يحذف اعترافه بكشف بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) .
هذا ونشير إلى أن الباحث الأستاذ يحيى الدوخي أستاذ قسم الحديث في جامعة آل البيت العالمية ، قد رد على شبهة ضعف الرواية المذكورة وذلك في كتابه الماتـع ( ظلامة الزهراء في روايات أهل السنة ) فلله دره وعليه سبحانه وتعالى أجره ، ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتاب المذكور .
* * * * *
والسلام مسك الختام
البحث للسيد والاخ الجليل
عادل كاظم عبدالله
امد الله في عمره
وجعله من انصار الامام
المنتظر روحنا له الفدى