يقول ابن تيمية في جامع الفقة، مجموع الفتاوى، المجلد الرابع عشر، ص 228 ومابعدها:
« فالمعتزلة فى الصفات مخانيث الجهمية.
وأما الكلابية، فيثبتون الصفات فى الجملة، وكذلك الأشعريون، ولكنهم ـ كما قال الشيخ أبو إسماعيل الأنصارى ـ: الجهمية الإناث، وهم مخانيث المعتزلة.
ومن الناس من يقول: المعتزلة مخانيث الفلاسفة.
وقد ذكر الأشعري وغيره هذا؛ لأن قائله لم يعلم أن جهماً سبق هؤلاء إلى هذا الأصل، أو لأنها مخانيثهم من بعض الوجوه، وإلا فإن مخالفتهم للفلاسفة كبيرة جداً.
والشهرستانى يذكر عن شيوخهم: أنهم أخذوا ما أخذوا عن الفلاسفة؛ لأن الشهرستانى إنما يرى مناظرة أصحابه الأشعرية فى الصفات ونحوها مع المعتزلة، بخلاف أئمة السنة والحديث؛ فإن مناظرتهم إنما كانت مع الجهمية، وهم المشهورون عند السلف والأمة بنفى الصفات.
وأهل النفي للصفات والتعطيل لها، هم عند السلف يقال لهم: الجهمية، وبهذا تميزوا عند السلف عن سائر الطوائف.
وأما المعتزلة، فامتازوا بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين، لما أحدث ذلك عمرو بن عبيد وكان هو وأصحابه يجلسون معتزلين للجماعة، فيقول قتادة وغيره: أولئك المعتزلة، وكان ذلك بعد موت الحسن البصري في أوائل المائة الثانية، وبعدهم حدثت الجهمية.
وكان القدر قد حَدَّث أهله قبل ذلك في خلافة عبد اللّه بن الزبير، بعد موت معاوية؛ ولهذا تكلم فيهم ابن عمر وابن عباس ـ رضي اللّه عنهم ـ وغيرهما.
وابن عباس مات قبل ابن الزبير، وابن عمر مات عقب موته، وعقب ذلك تولى الحجاج العراق سنة بضع وسبعين.
فبقي الناس يخوضون فى القَدَر بالحجاز والشام والعراق، وأكثره كان بالشام والعراق بالبصرة، وأقله كان بالحجاز.
ثم لما حدَّثت المعتزلة ـ بعد موت الحسن، وتُكلم فى المنزلة بين المنزلتين، وقالوا بإنفاذ الوعيد، وخلود أهل التوحيد فى النار، وأن النار لا يخرج منها من دخلها، وهذا تغليظ على أهل الذنوب ـ ضموا إلى ذلك القدر؛ فإن به يتم التغليظ على أهل الذنوب، ولم يكن الناس إذ ذاك قد أحدثوا شيئاً من نفي الصفات.
إلى أن ظهر الجَعْد بن درهم، وهو أولهم، فضحى به خالد بن عبد اللّه القسري، وقال: أيها الناس ضَحُّوا، تقبل الله ضحاياكم، فإنى مُضَحٍّ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى اللّه عما يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه. وهذا كان بالعراق.
...
وآخرون من عوام هؤلاء يجوزون أن يكرم اللّه بكرامات أكابر الأولياء من يكون فاجراً، بل كافراً، ويقولون: هذه موهبة وعطية، يعطيها الله من يشاء،ما هي متعلقة لا بصلاة، ولا بصيام، ويظنون أن تلك من كرامات الأولياء، وتكون كراماتهم من الأحوال الشيطانية، التى يكون مثلها للسحرة والكهان، قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة 101، 102].
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم حَذْو القُذَّةِ بالقذة، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه). ...
ومذهب الملاحدة الباطنية مأخوذ من قول المجوس بالأصلين، ومن قول فلاسفة اليونان بالعقول والنفوس.
وأصل قول المجوس يرجع إلى أن تكون الظلمة المضاهية للنور هي إبليس، وقول الفلاسفة بالنفس.»