مآتم الأنبيا على سيد الشهداء
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعداهم ،
ومخالفيهم ، ومعانديهم ، وظالميهم ، ومنكري فضائلهم ومناقبهم ،
ومدّعي مقامهم ومراتبهم ، من الأولين والأخرين أجمعين إلى يوم الدين .
وبعد : فقد بكى على الإمام الحسين عليه السلام كلّ شيء في الوجود : السماء ،
والأرض ، والشّجر ، والمدر !
إن مآتم الإمام الحسين عليه السلام قديمة قدم الزمان ، وقد أقام الأنبياء عليهم السلام المآتم على
الإمام الحسين عليه السلام ، وقد تواترت الروايات عن النبي واهل بيته عليهم السلام : إن الله
أخبر الأنبياء والملائكة بمصيبة الحسين عليه السلام ن وما يجري عليه من المحن والمصائب
والرزايا ، وأقاموا عليه المآتم من نبي الله آدم عليه السلام إلى جده المصطفى عليه وآله الصلاة
والسلام وهنا نستعرض بعض المآتم التي أقامها الأنبياء عليهم السلام
المآتم الأول أقامه نبي الله آدم عليه السلام وروى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى : "
( فتلقى آدم من ربه كلمات ) أنه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة عليهم السلام فلقنه
جبرئيل
قل : يا حميد بحق محمد ، يا عالي بحق علي ، يا فاطر بحق فاطمة ، يا محسن بحق الحسن
والحسين ومنك الإحسان .
فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه ، وقال : يا أخي جبرئيل
في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي ؟ قال جبرئيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر
عندها المصائب ، فقال : يا أخي وما هي ؟ قال : يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر
ولا معين ، ولو تراه يا آدم وهو يقول : واعطشاه واقلة ناصراه ، حتى يحول العطش بينه وبين
السماء كالدخان ، فلم يجبه أحد إلا بالسيوف ، وشرب الحتوف ، فيذبح ذبح الشاة من قفاه ، وينهب
رحله أعداؤه وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ، ومعهم النسوان ، كذلك سبق في علم
الواحد المنان ، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى .(1 )
ونبي الله نوح عليه السلام أقام مآتم الحسين
وذلك لما وصلت السفينة فوق أرض كربلاء ومحل طوفان سفينة أهل البيت عليهم السلام ، أخذتها
الأرض فخاف نوح الغرق ، فقال : إلهي طفت الدّنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه
الأرض . فنزل جبرائيل عليه السلام بقضية الحسين عليه السلام ، وقال يقتل في هذا الموضع ،
فبكى نوح عليه السلام وأصحاب السفينة ، ولعنوا قاتله ومضوا .(2)
وعن انس بن مالك عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه
قال لما أراد الله عز وجل ان يهلك قوم نوح ( ع ) أوحى الله
إليه ان شق ألواح الساج فلما شقها لم يدر ما يصنع فهبط جبرئيل
( عليه السلام )
فأراه هيئه السفينة ومعه تابوت مائه الف مسمار وتسعه وعشرون الف مسمار
فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسه مسامير فضرب بيده مسمار منها
فأشرق في يده وأضاء كما يضئ الكوكب الدري أفق السماء فتحير من ذلك نوح
فانطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال على اسم خير الأنبياء محمد عبد الله
فهبط عليه جبرئيل فقال له يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله قال هذا
باسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد الله أسمره أولها على جانب السفينة اليمين
ثم ضرب بيده مسمار ثان فأشرق وأنار فقال نوح وما هذا المسمار
قال : مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فاسمره جانب السفينة اليسار في
أولها ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال هذا مسمار
فاطمة فاسمره إلى جانب مسمار أبيها ثم ضرب بيده مسمار رابع فزهر وأنار
فقال هذا مسمار الحسن فاسمره إلى جانب مسمار أبيه ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق
وأنار وبكى فقال يا جبرئيل هذه النداوة فقال هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء فاسمره إلى
جانب مسمار أخيه ثم قال وحملناه على ذات ألواح ودسر قال ( النبي صلى الله عليه وآله )
الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها
ونبي الله إبراهيم عليه السلام لما أراد ذبح إسماعيل عليهم السلام
عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرضا عليه السلام
يقول : لما أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام ان يذبح مكان ابنه
إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون يذبح
ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وانه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى
قلبه ما يرجع قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق بذلك ارفع
درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم من
أحب خلقي إليك ؟ فقال : يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلى من حبيبك
محمد ( صلى الله عليه وآله ) فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم أفهو أحب إليك أو نفسك ؟
قال : بل هو أحب إلى من نفسي قال : فولده أحب إليك أو ولدك ؟ قال :
بل ولده قال : فذبح ولده ظلما على أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك
في طاعتي ؟ قال : يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال : يا
إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمه محمد ( صلى الله عليه وآله ) ستقتل الحسين عليه السلام
ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش فيستوجبون بذلك سخطي فجزع
إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجع قلبه واقبل يبكى فأوحى الله عز وجل إليه :
يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على
الحسين (عليه السلام) وقتله وأوجبت لك ارفع درجات أهل الثواب على
المصائب فذلك قول الله عز وجل : ( وفديناه بذبح عظيم ) ولا حول ولا
قوه إلا بالله العلي العظيم (3)
ونبي الله زكريا عليه السلام عندما أخبره جبرئيل بمصيبة الحسين عليه السلام وذلك أن
إسحاق الأحمر سأل الإمام الحجة ( عليه السلام ) عن قول الله تعالى ( كهيعص ) ، فقال : هذه
الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليه عبده زكريا ثم قصها على محمد ( ص ) وذلك أن زكريا
سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل وعلمه إياها وكان زكريا إذا ذكر محمدا وعيا
وفاطمة والحسن والحسين سرى عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر الحسين غلبته العبرة ووقعت عليه
الزفرة فقالت ذات يوم : إلهي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين
تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله في قصته فقال : كهيعص ، فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك
العترة ، والياء يزيد وهو ظالم للحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره . فلما سمع ذلك زكريا لم
يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب ويقول : إلهي
أتفجع خير خلقك بولده إلهي أتنزل الرزية بفنائه إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي
أتحل هذه الفجيعة بساحتهما ، ثم كان يقول : اللهم ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر واجعله
وارثا رضيا يوازي محله مني الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا
حبيبك بولده فرزقه يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة اشهر ، وحمل الحسين ستة اشهر ،
وذبح يحيى كما ذبح الحسين ولم تبك السماء والأرض
إلا عليهما
أقول قد جاءت عشرات الروايات في مصادر العامة والخاصة أن السماء والأرض لم تبك إلا على
يحيى بن زكريا وعلى الحسين عليهما السلام
فقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وقاتل الحسين ولد
زنا ، ولم تبك السماء إلا عليهما (5)
وروى ابن حجر عن خلف بن خليفة عن أبيه قال : لما قتل الحسين عليه السلام أسودت السماء ،
وظهر الكوكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر . (6)
وعن إبي قبيل قال : لما قتل الحسين عليه السلام احتزّوا راسه ، وقعدوا يشربون النبّيذ يتحيّون
بالراس ، فخرج إليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب بسطر من دم :
أترجوا أمة قتلت حسيناً شفاعة جدّه يوم الحسابِ
فهربوا ، وتركوا الرأس ، ثم رجعوا . (7)
أقول ومهما إمتدت السنين وتطاولت الأعوام تبقى ثورة سيد الشهداء كمنهل وينبوع ومصدر إلهام
لكل الأحرار والثائرين على الظلم والجور حتى غير المسلمين ،
نعم لو أردنا أن نستقصي كل المآتم التي أقيمة على سيد الشهداء كان ذلك يحتاج
إلى كتاب .
الهوامش
(1 ) راه المجلسي في البحار ج 44 / 225 والبحراني في عوالم الإمام الحسين : 140
والشيخ التستري في الخصائص الحسينية : 190 .
(2) رواه المجلسي في البحار : 44 / 243 ، والتستري في الخصائص الحسينية : 192 ،
والطريحي في المنتخب : 48 ،
(3) رواه السيد ابن طاووس في الأمان من أخطار الأسفار : 119 والسيد الجزائري في قصص
الأنبياء : 92
والمجلسي في البحار : 44 / 230 والطريحي في المنتخب : 48 والبحراني في عوالم الإمام
الحسين : 105
والنمازي في مستدرك سفينة البحار : 5 / 66 والنقوي في خلاصة عبقات الأنوار : 4 / 289
وفي تنزيه الشريعة : 1 / 419
(4) الخصال : 59 ، عيون أخبار الرضا : 2 / 187 ، البحار : 44 / 226 ، تأويل الأيات : 2
/ 106 ، قصص الأنبياء : 150 ،
القطرة : 1 306 ، البرهان في تفسير القران : 4 / 3 ، الصافي : 4 / 279 ، كنز الدقائق : 11
/ 170 ،
مناقب ابن شهر أشوب : 4 / 93 ، نور الثقلين : 6 / 226 ،
(5) رواه الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة : 461 ، وابن شهر شوب في المناقب : 4 / 92 ،
والفيض الكاشاني في الصافي : 3 / 372 ، والسيد هاشم البحراني في البرهان : 3 / 3 ،
وفي مدينة المعاجز : 8 / 57 ، والمشهدي في كنز الدقائق : 8 / 190 ، والحويزي في نور
الثقلين : 4 / 349 ،
والسيد نعمة الله الجزائري في قصص الأنبياء : 449 ، والسيد شرف الدين الحسيني في تأويل
الآيات : 1 / 300 ،
والطبرسي في الأحتجاج : 2 / 273 ،
(6) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : 164 ،
والمفيد في الأرشاد : 2 / 132 ،
والأربلي في كشف الغمة : 2 / 218 ،
والمجلسي في البحار : 44 / 302
والسيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز : 4 / 152 ،
والبحراني في عوالم الإمام الحسين : 471 ،
والطبري في جامع البيان : 25 / 160 ،
وابن كثير في تفسير القرآن العظيم : 4 / 154 ،
والقرطبي في جامع أحكام القرآن : 16 / 141 ،
(7) تهذيب التهذيب لابن حجر : 2 / 305 ،
والمزي في تهذيب الكمال : 6 / 432 ،
(8) رواه ابن قولويه في كامل الزيارات : 160 ،
وابن شهر شوب في المناقب : 3 / 218 ،
والفتال النيسابوري في روضة الواعظين : 193 ،
والمجلسي في البحار : 45 / 305 ،
وأخرحه الطبراني في المعجم الكبير : 3 / 123 ،
وابن عساكر في تاريخ دمشق : 14 / 244 ،
وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد : 4 / 159 ،
والمزي في تهذيب الكمال : 6 / 443 ،
وابن كثير في البداية والنهاية : 8 / 218 ،
والحنفي القندوزي في ينابيع المودة : 3 / 15 ،
والهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 199 ،
والذهبي في تاريخ الإسلام : 5 / 107 ،
والزرندي الحنفي في درر السمطين : 219 ،
وابن حجر في الصواعق المحرقة : 2 / 568 ،
والكناني في تنزيه الشريعة : 1 / 409 ،
ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى : 145 ،
عبد العباس الجياشي