هل آية : (( مَا كَانَ للنَّبيّ وَالَّذينَ آمَنواْ أَن يَسْتَغْفرواْ للْمشْركينَ )) نزلت في ابي طالب ؟
لا يخفى ان معاوية بن أبي سفيان انفق الكثير من اموال المسلمين في سبيل تزوير الاحاديث وتحريف الآيات النازلة في حق أهل البيت (ع) , فوضع في حق علي (ع) وأبيه أبي طالب (ع) الأراجيف والتهم انتقاماً منهما .
ومن تلك التهم : ان أبا طالب (ع) مات مشركاً , والنبي (ص) كان يستغفر لعمّه فنزلت الاية الشريفة لتنهاه عن الاستغفار له وذلك من خلال وضع الاحاديث المحرفة في شأن نزول هذه الآية , والتي ترويها بعض الكتب السنية , منها :
ما جاء في (صحيح البخاري 2 ب 40 ح 3884) عن ابن المسيب عن ابيه : أن ابا طالب لما حضرته الوفاة , دخل عليه النبي (ص) وعنده ابوجهل فقال : أي عم قل لا اله الا الله كلمة احاج لك بها عند الله , فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا ابا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب , فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به : على ملة عبد المطلب , فقال النبي (ص) : لأستغفرن لك ما لم أنه عنه , فنزلت : (( مَا كَانَ للنَّبيّ وَالَّذينَ آمَنواْ ... )) (التوبة : 113) , وبهذا المضمون وردت روايات اخرى بأسانيد مختلفة .
والجواب عن هذه الشبهة تارة يقع عن الحديث واخرى عن الآية .
أما الحديث، ففيه :
ان رواته ورواة الاحاديث الأخرى بين ضعيف ومجهول ومطعون به , فالروايات اذن ضعيفة السند , خصوصاً وأن راويها سعيد بن المسيب الذي اختلف فيه اختلافاً كبيراً بين التعديل والتجريح , ومن القادحين فيه ابن ابي الحديد في نهج البلاغة : 1/370 حيث سلكه في عداد المنحرفين عن علي (علیه السلام) وان في قلبه شيئاً منه . إذن كيف نستطيع أن نأخذ حديثاً ضد علي (علیه السلام) من شخص متهم عليه ؟
وإذا عرفنا أن سعيداً هو القائل : ( من مات محباً لابي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحّم على معاوية ؟ كان حقاً على الله ان لا يناقشه الحساب ) ( تاريخ ابن كثير : 8/139 ) , فحينئذ نعرف بعد ما اوضح موقفه من معاوية قيمة هذا الحديث الذي وضعه في حق ابي طالب (ع) .
وأما الآية، ففيها :
1- تدلنا رواية البخاري على ان الآية نزلت عند احتضار ابي طالب , ولكنا اذا رجعنا الى نزولها وجدناها مدنية , فبين وفاة ابي طالب ونزول هذه الآية ما ينوف على ثمانية اعوام . فمجرى الحديث يدل على استمرار استغفار الرسول (ص) لعمه ـ وهو كذلك ـ ولم ينقطع إلا عند نزول هذه الآية : (( مَا كَانَ للنَّبيّ ... )) .
وهنا نتساءل : كيف جاز للرسول ان يستغفر لعمه في الفترة التي بعد موته حتى نزول هذه الآية وكانت قد نزلت على الرسول آيات زاجرة تنهاه والمؤمنين ان يستغفروا للمشركين قبل نزول هذه الآية بأمد طويل , من تلك الآيات قوله : (( لَا تَجد قَوْمًا يؤْمنونَ باللَّه وَالْيَوْم الْآخر يوَادّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسولَه وَلَوْ كَانوا آبَاءهمْ )) المجادلة : 22 , وقوله في سورة النساء 139 , 144 وآل عمران 28 و المنافقون 6 وغيرها .
فهل يجوز من الرسول (ص) ان يستغفر لعمه ولديه آيات ناهية وزاجرة عن الاستغفار للمشركين؟!
2- هناك روايات وأقوال تنقض حديث البخاري وغيره في وجه نزول الآية .
وعلى سبيل المثال :
(أ) عن علي (ع) انه سمع رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان , فذكر علي (ع) ذلك للنبي (ص) , فنزلت الآية المذكورة . [ الغدير 8/12 , مسند أحمد 1/130 , اسنى المطالب 18 و ... ] .
(ب) وفي رواية اخرى : ان المسلمين قالوا : ألا نستغفر لآبائنا ؟ فنزلت .
[ تفسير ابن كثير 2/393 , تفسير الكشاف 2/246 , ابو طالب مؤمن قريش 248 ] .
3- اختلف في تفسير الآية , فالبعض قال : تحمل معنى النفي لا معنى النهي , أي : ان الاية تنفي عن الرسول انه كان يستغفر للمشركين لا انها تنهاه عن الاستغفار .
اذن كل من استغفر له الرسول فهو مؤمن ما دمنا نقر له بالنبوة والعصمة والعمل الحق .
4- لو سلمنا بحديث البخاري , فان قول ابي طالب : على ملة عبد المطلب , ليس سوى دليل على ايمانه , اليست ملة عبد المطلب هي الحنيفية , ففي الحقيقة آمن ابو طالب طبقاً لهذه الرواية , وأنه أعلن عن ايمانه بشكل تورية حتى لا يشعر به الكفار من قريش آنذاك.
والخلاصة : إن الآية لم تنزل بحق ابي طالب (ع) , وأنه مات مؤمناً لا مشركاً .