العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الفقهي

المنتدى الفقهي المنتدى مخصص للحوزة العلمية والمسائل الفقهية

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

حوزة الهدى
عضو جديد
رقم العضوية : 3431
الإنتساب : Apr 2007
المشاركات : 37
بمعدل : 0.01 يوميا

حوزة الهدى غير متصل

 عرض البوم صور حوزة الهدى

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي العدل الإلهي وإشكالية الشرور
قديم بتاريخ : 10-08-2008 الساعة : 10:11 PM


العدل الإلهي وإشكالية الشرور


المسألة:
ما هو الخطأ الذي يقع فيه أبيقور بفلسفته في قوله التالي:
"هل يريد الله ان يمنع الشر, لكنه لا يقدر؟
حينئذ هو ليس كلى القدرة!!
هل يقدر, لكنه لا يريد؟
حينئذ هو شرير!!
هل يقدر ويريد؟
فمن أين يأتي الشر إذن؟
هل هو لا يقدر ولا يريد؟
فلماذا نطلق عليه الله إذن؟"

الجواب:
الخطأ الذي وقع فيه هو تفسيره لمفهوم الشر، فالشر من المفاهيم النسبية التي لا واقع لها، فهي مثل مفهوم الكبير والصغير، فالشيء يكون كبيراً إذا أُضيف إلى ما هو أصغر منه، وهو في ذات الوقت يكون صغيراً إذا أُضيف إلى ما هو أكبر منه لذلك فهو من المفاهيم الإضافية النسبية وهكذا هو مفهوم الشر فالمطر مثلاً إذا نُسب إلى المنتفع به يكون خيراً وإذا نُسب إلى المتضرر منه يكون شراً، وهكذا الحال بالنسبة لسائر الآفات، فالكون يسير وفقاً لقوانين إلهية محكمة إلا انَّ الإنسان ينظر لآثار هذه القوانين بمنظار شخصي ويحكم عليها بالخير والشر باعتبار ما ينعكس عليه شخصياً من آثار تلك القوانين، ولو ان أفقه ذهب لأبعد من منظوره الشخصي لوجد انَّ شيئاً مما كان قد حكم عليه بأنَّه شر انَّه لم يكن كذلك بل هو خير أو ليس بشر، وهكذا كلما اتسع أُفقُ نظره سيجد نفسه وقد تغيرت عنده أحكام بالشر على وقائع وأحداث فأصبحت عنده من الخير.

فالحكم على الأشياء بالشر المطلق إنما ينشأ عن ضيق أُفق الإنسان وعدم إحاطته بأوجه المصالح والمفاسد، ولانه يتصور انَّ الشر مساوق لمعنى الضرر، فكل شيء ضار فهو من الشرور والحال ان الأمر ليس كذلك، فقد يتفق انَّ ما يكون فيه الضرر هو الأصلح للإنسان. فالضرر لا يساوق مفهوم الشر، وإذا كان لمفهوم الشر معنى فهو ما ينافي المصلحة من تمام الوجوه، ومن أين للإنسان ان يُحرز ذلك أي من أين له ان يقطع بأنَّ ما أصابه منافٍ للمصلحة التامة والحال انَّ إدراكه قاصر عن الإحاطة بجميع أوجه المصالح والمفاسد.

فالأضرار لا ريب أنَّها موجودة في الحياة الدنيا بل وفي حياة الآخرة بالنسبة للعصاة إلا انَّ ذلك لا يعني أنَّها من الشرور بل هي ليست كذلك حتماً، إذ انَّ معنى الشرور هي كل شيء سيء لا يترتب على وجوده أيُّ مصلحة غالبة خاصةٍ أو عامة، وهذا أمر لا يمكن للإنسان إحراز وقوعه، فما من شيء يقع في حيّز الوجود إلا ويُحتمل انَّ لوجوده مصلحة واقعة في سياق منظومة القوانين الإلهية التي أودعها في هذا الكون، غايته انَّ الإنسان قد يتفطَّن لذلك وقد يظلُّ ذاهلاً عن ذلك ردحاً من الزمن ثم ينكشف له وجهُ المصلحة من وجود ذلك الشيء، وقد تمتدُّ غفلته عن إدراك الحكمة من وجود ذلك الشيء إلى الأبد.

فما من احدٍ من العقلاء يحترم عقله يستطيع الجزم بأنَّ وجود شيء من الأشياء شر محض ولا حكمة من وراء وجوده بعد ان وجد الإنسان على امتداد تاريخ وجوده الطويل في هذه الحياة أنَّ كثيراً مما كان يتوهم انَّه من الشرور لم يكن كذلك بل إنَّ وجوده أصبح بنظره ملحّاً ولا غنى عنه، فإذا كان الحال في بعض الأشياء هو ذلك فلماذا لا يكون الأمر كذلك في غيرها، ولماذا يتَّهم الإنسانُ ربُّه في عدله وحكمته ولا يتَّهم عقله بالقصور، وهو يجد في كلِّ يومٍ تتبدَّى له أمورٌ لم يكن مطلعاً عليها. أفلا يكون ذلك مقتضياً لاحتمال انَّ ما يتوهمه شراً قد تكشف الأيام عن وجه الحكمة من وجوده كما كشفت عن وجه الحكمة من وجود غيره.

ثم إنَّ هنا أمراً لابدَّ من الالتفات إليه حين التفكير في هذا الشأن وهو انَّ الإنسان لا يصحُّ انْ يقصر نظره حين إرادة الحكم على الأشياء بأنَّها خير أو شر على هذه الحياة فما الدنيا إلا مرحلة من مراحل حياة الإنسان، وثمة مرحلة أو مراحل أخرى تنتظره، فقد يكون الشيء بنظره شراً لو كان قد قصر نظره على هذه الحياة إلا انه لا يكون كذلك لو وسَّع من أُفق نظره ليستوعب تمام ما سيقطعه من مراحل وجوده.

وثمة عنصر آخر يُساهم في توسيع أُفق التفكير في هذا الشأن وهو ملاحظة انَّ الكثير مما يحسبه الإنسان من الشرور إنما نشأ عن اختيار الإنسان، فلو لا ظلم الإنسان وجشعه وجهله وسوء اختياره لكانت البشرية في عافيةٍ من الكثير مما هي مبتليةٌ به الآن. فالكثير من الأمراض والآفات نشأت إما عن التعاطي الخاطىء مع قوانين الطبيعة وأما انْ تكون قد نشأت عن حرص الإنسان على تحصيل المنافع الخاصة وانْ ترتب على ذلك مفاسد تعود بالضرر على الآخرين.

وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾([1]) فالكثير من الأوبئة التي تنشأ عنها الأمراض إنما نشأت عن التلوُّث البيئي وسوءِ استغلال موارد الطبيعة، وهكذا الحال بالنسبة لما يُسمى بالاحتباس الحراري الذي أصبح يُهدد البشرية بخطرٍ كارثي إنما نشأ عن ذلك، هذا مضافاً إلى الحروب وعدم اكتراث الإنسان بما سيترتب من دمار وفساد جرَّاء ما يستخدمه من أسلحةٍ فتّاكة والتي لا تفتك بعدوِّه وحسب بل يمتدُّ أثرها فيفتك بالكائنات الحيّة في البر والبحر ويُسمِّم الأجواء ويُفسد على الطبيعة أثرها المُنتظَر منها، وما بقي منها على ظاهر الصلاح تكتنفه الكثير من الأدواء أو تكون مخبوءةً في عناصره فينعكس أثر ذلك على حياة الإنسان وصحته بل ينعكس ذلك حتى على الأجيال المتعاقبة، فالنطفة التي يتخلَّق منها الإنسان تحمل في مكوناتها أسباب الضعف أو المرض نتيجة ما كان قد تنفَّسه الإنسان أو تناوله في طعامه وشرابه أو نتيجة ما كان ينتابه من مشاعر الغيظ والكبت جراء ما تُصادفه النفس من ألوان الظلم والقهر والتمييز فيكون الضعف أو المرض الذي تحمله النطفة إلى مقرِّها من إفرازات تلك النفس المثقلة بالهموم أو العقد ومركبات النقص.

فإذا ما تجاوزنا الحروب وآثارها وجشع المتنفذين واستحواذهم على مصادر الثروة في العالم وما يترتب على ذلك من الفقر وأمراض الفقر وما يترتب على الفقر العالمي من تداعيات تضرّ بمجمل الحياة فإن ثمة الكثير من الآفات والابتلاءات تنشأ عن سوء الاختيار الشخصي للإنسان فهو يختار الزنا والشذوذ مثلاً فيُبتلى بما ينشأ عن ذلك من آفات، ولا يكترث بمن يتزوج فيُبتلى عقبه بالأمراض الوراثية، ويأكل كلَّ شيء ثم يطمع في انْ يُعافى من كلِّ شيء، ويفعل كل ما ترغب فيه نفسه ثم يأمل ان يكون في منأى من آثاره ومضاعفاته وينسى ان لهذا الكون نظم وقوانين غير قابلة للتخلُّف إلا بما شاء الله تعالى.

إذن لا يصح انْ نتَّهم الله تعالى في عدله وحكمته لأنه لم يصرف عنّا كلَّ محذور نرغب في انصرافه عنّا.

وإذا قيل لماذا لا يمنع الله تعالى عباده عن الظلم وسوء الاختيار ويمنحهم العلم التام حتى لا يُخطأوا في التعاطي مع موارد الطبيعة، قلنا: إنَّ ذلك يساوق سلب الاختيار والإرادة عن الإنسان، وحينئذٍ يكون واحداً من أشياء هذا الكون شأنه شأن الشمس والقمر أو يكون أحسن حالاً منهما ولكنه لن يتعدى مستوى البهائم السائمة، وبذلك تفقد الحياة وهجها وعنفوانها وغايتها وتظلُّ مراوحة في الموقع الذي بدأ فيه خلقها وإنشاؤها.

ان سرَّ الحيوية والفاعلية في حياة الإنسان ومنشأ تدرُّجه في مدارج لكمال هو الاختيار والإرادة وحبُّ الذات والرغبة في تحصيل المزيد من القدرة والقوة.

فمعنى قسر الإنسان على حسن الاختيار يساوق سلب الاختيار والإرادة عن الإنسان، لأنَّ معنى الاختيار هو ان للإنسان ان يفعل الشيء أو أن يتركه، فإذا كان مقسوراً على فعل شيء أو تركه فهو مجبور وليس مخيَّراً، وإذا افترضناه فاقداً لحبِّ ذاته فقد افترضناه فاقداً لمجمل المشاعر الإنسانية من اللذة والرغبة والأمل والطموح والوجل والخوف وإذا افترضناه عارفاً معرفة تامة بكيفية التعاطي مع موارد الطبيعة وقد افترضناه مقسوراً غير مخيَّر. فهذا معناه انه لا يختلف عن أي عنصرٍ من عناصر هذا الكون، فهي قد مُنحت الهداية الذاتية لذلك فهي تسير وفق نظامٍ محكم لا يتخلَّف، فالدم الذي يجري في العروق والشرايين يعرف طريقه إليها وهو مقسور على ان يتحرك ضمن دورته وهكذا الشمس فإنها تجري لمستقر لها وكذلك الشجر فإنه يتدَّرج في نموِّه ويتحرك ضمن نظام لم يكن قد تعرَّف عليه وإنما هي الهداية الكامنة في ذاته والتي كان قد مُنح إياها من قبل بارىء الكون.

وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾([2]).

وبهذا يتضح انَّ مناشيء الظلم، والكثير من الابتلاءات والآفات هي عينها مناشىء الكمال والرقي، وهي ذاتها أسباب التميُّز للإنسان عن سائر الخلق، فإذا ما جرّدنا الإنسان عن مناشيء الظلم والكثير من الآفات فهذا يقتضي تجريده عن إنسانيته، لأنَّ إنسانية الإنسان إنما هي بقدرته على الاختيار، وسلب الاختيار عنه يجعل من وجود عقله وجوداً عبثيَّاً لأنه لن يُتاح له الاستفادة منه، وهكذا حينما نُجرِّد الإنسان عن مشاعره فإننا نجرده عن أسباب تقدمه وتكامله.

لذلك ليس ثمة من وسيلة نحتفظ فيها بإنسانية الإنسان وفاعلية وجوده المتوقفان على اختياره ومشاعره وفي ذات الوقت نًخفِّف من غلواء ظلمة وجشعه وسوء اختياره إلا الدعوة إلى العبودية الصادقة لله تعالى المقتضية لاتساع أُفق الطموح عند الإنسان، فبعد ان كان طموحه مقصوراً على تحصيل الكمالات المادية يتولَّد في نفسه بعد عبوديته لله تعالى طموحٌ في تحصيل الكمالات الروحية وبعد ان كان طموحه مقصوراً في هذا الحيِّز الضيق من الحياة. يمتدُّ أُفق طموحه فيكون شاخصاً إلى حياة هي أبقى وأدوم. وذلك هو ما سيحجزه عن الظلم والجشع وهو ما سيبعثه نحو الترويض لنفسه والتهذيب لسلوكه.

وبذلك نكون قد تحفَّظنا على إنسانية الإنسان فلم نسلبه اختياره ومشاعره وأسباب رقيِّه وتكامله ونكون قد تجنَّبنا الآفات والابتلاءات التي يكون سببها ظلمه وجشعه الناشئين عن الاختيار وحبّ الذات.

ولهذا بعث الله تعالى الأنبياء وأنزل الكتب الداعية للهدى والرشاد، فهو تعالى لم يقسر عباده على اختيار الهدى رغم قدرته ولكنه حبَّبه إليهم ومنحهم الرشد ليختاروه فإذا كان اختيارهم الهدى كان معاشهم ومآبهم إلى نعيم وإذا اختاروا الظلم والجشع والضلال فإنَّ الله تعالى كتب على نفسه ان يُجزل العوض لمن ناله الأذى في هذه الدنيا.

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ / أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ / أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ / لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ / إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾([3]).

[1]- الروم/41.
[2]- طه/50.
[3]- هود / 19-23.


من مواضيع : حوزة الهدى 0 الذبح بالآلات الحديثة
0 رؤية الإمام الصادق (ع) في الصحابة
0 حقيقة أم الصبيان
0 اعتبار عدم العداوة في الشاهد
0 سند دعاء "اللهم عظم البلاء..."
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 01:51 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية