نشرت لي شبكة راصد الموقرة, مشكورةً, مقالاً بتأريخ ١٠-٢-٢٠٠٦ م مقالاً بعنوان "خطيب الأجيال ..الشيخ الوائلي"، وبمناسبة مرور خمسة أعوام على رحيله, أحببت أن تكون لي وقفة أخرى مع الشيخ الوائلي, فقد توفي الوائلي في يوم شهادة السيدة فاطمة الزهراء ١٣ جمادى الأولى ١٤٢٤ هـ الموافق لـ ١٤- ۷-٢٠٠٣ م أنظر المصادر «١–۹۳»«٣–٣٦٠». وبهذا يكون ما ذكرته في مقالي السابق بإن وفاة الشيخ كانت في ١٣ جمادى الثانية ١٤٢٤ هـ, نقلاً عن كتاب "أمير المنابر" ص ٨٨, ليس صحيحاً, والصحيح أنها في ١٣جمادى الأولى.«*»
وأحببت أن أتناول في هذا المقال ثلاثة عناوين:
• الوائلي وتطوير المنبر مع السيد محمد باقر الصدر
• إنتشار محاضرات الوائلي في العراق
• الوائلي مع السيد الإمام
الوائلي وتطوير المنبر مع السيد محمد باقر الصدر
لقد كان للشهيد السيد محمد باقر الصدر والشيخ الوائلي «رحمهما الله» هماً مشتركاً يتمثل في سُبل تطوير المنبر الحسيني «١–١٦٠» «٤–١٤۱». وقد كنتُ حاضراً في مجلس الشريف السيد سعيد الخباز, قرب حرم السيدة زينب , وبحضور الشيخ الوائلي, الذي أجاب عن سؤال أحد الأخوة عن تطوير المنبر الحسيني, فأجاب بما معناه "نعم إنني أوافقك الرأي في أن المنبر يحتاج إلى تطوير, وقد وضعنا بعض الأُطر مع السيد الصدر, ولكني خرجت من العراق, والأجل لم يمهله, فاستشهد «رحمه الله» قبل أن يرى ذلك المشروع النور".
وتتلخص هذه الأسس في ثلاث نقاط رئيسية لرفع عطاء المنبر, ذكرها الوائلي في كتابه "تجاربي مع المنبر" باختصار, ثم ذكرها بتوسع في مجلة المنهاج, ونقلها صاحب كتاب "الوائلي تراث خالد" «١–١٦٠»:
1. دعم المرجعية المادي والمعنوي للخطباء ومشاريع تطويرهم.
2. إثراء المضمون الثقافي لمادة المنبر.
3. تأهيل الخطيب.
وبشيء من التفصيل في النقطة الأولى, يقول الشيخ عن دعم المرجعية «باختصار» "ولنا أمل كبير بمرجعياتنا العتيدة في أن يكون المنبر من همومها ولا أحسبها غافلة عما للمنبر من مكانة هامة, وما من جهة هناك غير المرجعية معنية بالقيام بهذا العمل, وذلك لأسباب كثيرة, وأنا عندما أقترح ذلك لا أريد أن أُعلم المرجعية تكليفها ولكنني في قلب الساحة وأدرك مدى تأثيره على القاعدة العريضة من الناس" ثم يقول "رحم الله الشهيد محمد باقر الصدر برحمته الواسعة, وجزاه بقدر ما أتسع له قلبه الكبير من هموم, وبقدر ما حمله فكره من عطاء وكرم, ومالم يبتعد في مسيرته عن خطوط دماء الأنبياء وأبناء الأنبياء" «۱–۱۷۱». ويوصي الوائلي الذين عايشوا الشهيد الصدر بنقل الصورة المشرفة التي رسمها إلى من لم يره ولم يعايشه, وهم بدورهم يتعين عليهم ذلك ليبقى الصدر شعلة متوهجة في الأفكار, وإن ذلك أقل فروض الوفاء للريادة الملهمة .«۱–۱۷۲» وقد تناول الوائلي بقية النقاط بالتفصيل, فلُيراجع المصدرين «١ و ٤».
إنتشار محاضرات الوائلي في العراق
إنتشار محاضرات الوائلي في مختلف أصقاع العالم العربي وإيران هو أمرٌ طبيعيٌ جداً لِما تتمتع به محاضراته من اعتدال وثقافةٍ وفقهٍ وتأريخٍ و أدبٍ وغيرها. وعلى الرغم من خروجه من العراق, للظروف الأمنية المعروفة, وطلب النظام البعثي إلقاء القبض عليه «٥» حسب وثيقة مديرية الأمن العام «الاستخبارات» فإن محاضراته المسجلة انتشرت في كل أنحاء العراق وبشتى الوسائل. واستنفر النظام مديرية الأمن العام للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة, على حد تعبير النظام. لهذا فإن إحدى الوثائق المؤرخة بتأريخ شعبان ۱٤۲۳ هـ ۲ت۲ ۲٠٠۲ م «أنظر المصدرين ١و٥» والتي عُثر عليها بعد سقوط نظام صدّام, تقول ما يلي «باختصار» مخاطبةً نائب الرئيس العراقي آنذاك : "اتسعت في الآونة الأخيرة ظاهرة الاستماع إلى أحاديث المجرم الهارب الدكتور أحمد الوائلي في الأسواق العامة والدور والمقاهي وسيارات الأجرة وبعض السيارات الحكومية وذلك عن طريق إذاعة إيران العربية, إضافة إلى انتشار أشرطة الكاسيت بصوته بين المواطنين في الدور وسيارات الأجرة والأشرطة الضوئية «CD» وكذلك ضمن الإنترنت لذلك توسع تداولها." واقترحت وثيقة الأمن عدة أمور لعلاج ظاهرة انتشار الاستماع إلى الوائلي منها:
أ- تشكيل لجنة من الأساتذة المختصين بالعلوم الإسلامية وبالاختصاصات المطلوبة وبإشراف مباشر من مديريتنا «أي الأمن العام» لدراسة هذه المحاضرات.
ب- قيام مديريتنا بالتنسيق مع الأساتذة المذكورين بإعداد المقالات الصحفية للرد على أفكار الوائلي
ج- إعداد محاضرات في إذاعة القرآن الكريم يقوم بإلقائها المختص بهذا الموضوع وبإشراف مباشر من قِبل مديريتنا, ثم يتم تسجيلها في أشرطة لنشرها في الجامعات والكليات وسيارات الأجرة والنقل العام وبيعها في الأسواق.
د- إعداد برنامج تلفزيوني للرد على الوائلي.
هـ توجيه بعض الخطباء للرد على طروحات الوائلي.
و- العمل على طبع كتاب خارج العراق يحمل عنواناً صريحاً مثل «مناقشات هادئة لأقوال الوائلي» وبإسم مستعار مثل «تأليف الدكتور حسن الكاتب» ويحتوي هذا الكتاب على ردود قوية ودراسة علمية موضوعية لأقواله ويتم ترويجه الأسواق ونشره من قبل مصادرنا الأمنية في الجامعات والكليات بما يؤمن وصوله الى المتأثرين بأقواله بشكل فعَال ومؤثر.
ز-استمرار اللجنة المذكورة بالمتابعة لغرض الوقوف على ردود الأفعال وتجاوز السلبيات.
«مديرية الأمن العام» "المصادر ١ و٥"
وقد ذكرت هذه الوثيقة أسماء أكثر من "درزن" «١٢» من الدكاترة المرشحين لهذا الغرض.
نقرأ من خلال هذه الوثيقة المطولة أن انتشار محاضرات الشيخ الوائلي في العراق كانت مصدر قلقٍ للنظام البعثي. مع العلم أن الوائلي لم يتخذ من المنبر وسيلة إعلام سياسية أبداً, بل كان يبعث روح الحماس والوعي من خلال القرآن الكريم والتأريخ ووقائعه وتحليلاته, فهو يبث وعياً شاملاً لكل الأجيال ولكافة الأجيال والطبقات, وهذه ميزة لمنبر الوائلي قلّما تتأتى لغيره.
الوائلي مع السيد الإمام
ينقل أحد تلاميذ الشيخ الوائلي, وهو الخطيب السيد حسن الكشميري, في كتابه "مع الصادقين" ج ٢ ص ۳٥٦, بإنه عندما حلّ السيد الإمام الخميني في النجف الأشرف, بعد إبعاده من قِبل نظام الشاه إلى منفاه في تركيا ثم إلى العراق, حاولت بعض المرجعيات وحواشيهم تحجيم الإمام وتجاهله إرضاءً لحكومة الشاه. ولكن العديد من الجهات العلمائية رحبت به وزارته في محل إقامته ومنهم الشيخ الوائلي الذي أقام للإمام مأدبة رائعة ودعى على شرفه جمعاً من العلماء والوجهاء وألقى خطاباً مهماً في تقييم جهاد الإمام, ووصفه بإنه "حسين العصر", وكان السيد الكشميري يُترجم للإمام ما يقوله الشيخ الوائلي.
نسأل الله أن يبث في هذا الجيل من أمثال هذا الخطيب الخالد, الشيخ أحمد الوائلي.