العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العقائدي

المنتدى العقائدي المنتدى مخصص للحوارات العقائدية

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

جعفر صادق الحسيني
عضو جديد
رقم العضوية : 81005
الإنتساب : Jun 2014
المشاركات : 24
بمعدل : 0.01 يوميا

جعفر صادق الحسيني غير متصل

 عرض البوم صور جعفر صادق الحسيني

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي من يضمن لي موت عبد الله
قديم بتاريخ : 06-04-2016 الساعة : 03:47 PM


قراءة في رواية (إذا مات عبد الله)
المحتملات المطروحة والتطبيقات الخاطئة
روى الفضل عن عثمان بن عيسى عن دُرست بن أبي منصور عن عمّار بن مروان عن أبي بصير قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم. ثمّ قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع النّاس بعده على أحدٍ ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير مُلك الشهور والأيّام. فقلت: يطول ذلك؟ قال: كلّا). غيبة الطوسي:447/445، البحار:52/210/ب25/54. وباختلاف يسير في الخرائج والجرائح للشيخ الراوندي:3/1163-1164.
تناقل هذه الرواية بعض المحدّثين المعاصرين لزمن المعصوم إلى أن وصلت إلى زمن الغيبة الكبرى واستقرّت في مصنّف الشيخ الطوسي الموسوم بـ: (الغيبة). وتناول الكثير من الفضلاء قديماً وحديثاً هذا النصّ بالشرح، ووقع بعضهم في التطبيق الخاطئ والإسقاط الفاسد. ونحن إنّما عقدنا هذا المقال لبيان بعض الاشتباهات السابقة والقراءات غير المتأنية، ولوقف الترديدات الزائفة والتغريدات الناشزة التي نقرؤها في عصرنا الحاضر ونسمعها تنطلق من هنا وهناك.
علماً أنّ تناولنا للرواية سيكون من ناحيتين: سنديّة ومتنيّة، لكي لا نكون ممّن يقبل الأخبار بتساهل وهوى أو يردها بتساهل وهوى، بل بذلك نكون أقرب للإنصاف وألصق بالموضوعيّة إن شاء الله جلّ جلاله.
نبدأ أولاً بدراسة الرواية من ناحية السند:
بدأ صدر سند الرواية التي نقلها الشيخ الطوسيّ بالفضل وهو ابن شاذان الثقة.
وههنا وقفة تتعلّق بطريق الشيخ الطوسي إلى روايات الفضل بن شاذان
قال الأستاذ حيدر حبّ الله: "وطريق الشيخ الطوسي في الفهرست إلى الفضل بن شاذان ضعيف ـ كما صرّح به السيد الخوئي ـ إذ تارةً فيه عليّ بن محمّد بن قتيبة، وأخرى فيه حمزة بن محمّد وآخرون ممّن لم تثبت وثاقتهم.
نعم طريق الشيخ الطوسي في المشيخة إلى الفضل بن شاذان معتبر على المشهور، لكنّ الجزم بأنّه استخدم هذا الطريق في هذه الرواية غير واضح، لأنّ طرقه في المشيخة عادةً ما تكون طرقاً له إلى ما رواه في التهذيب والاستبصار، لا إلى مطلق ما رواه عن الراوي ولو في كتابٍ آخر غيرهما ككتاب الغيبة.
بل نحتمل جدّاً أنّ طريقه في كتاب الغيبة إلى الفضل بن شاذان هو طريقه إليه في الفهرست، وهو الطريق الضعيف، وذلك أنّه قد روى الطوسي في الغيبة عن الفضل بن شاذان ـ مكرّراً ومراراً ـ بطريقٍ فيه عليّ بن محمّد بن قتيبة الذي لم تثبت وثاقته على المعروف (انظر ـ على سبيل المثال ـ: الغيبة: 161، 162، 163، 177، 185، 187، 189، 190، 332، 335، 336، 337، وغير ذلك)".
وكتب الشيخ محمّد عبّاس دهيني: "وهذه الرواية ضعيفة سنداً، لا أقلّ بـ: (محمّد بن سفيان البزوفري) وهو مجهول الحال، و (دُرست بن أبي منصور الواسطي) الذي لم تثبت وثاقته".
وقال الشيخ محمّد العريبي البحراني:"عثمان بن عيسى الرواسي الكلابي وجه الواقفة، والصحيح وثاقته في الأحكام وترك حديثه فيما يتعلّق بالإمامة والمعارف كغيره من أمثاله.
ودرست ابن أبي منصور واقفي، لا يروي عنه عثمان بن عيسى.
وعمار بن مروان وثّقه النجاشي.
وأبو بصير، إمّا الأسديّ المتهم، أو المرادي الثقة، والأقوى أنّه الأول.
وقد تفرد بروايته الشيخ بهذا الطريق، وكتابه الغيبة ليس للاعتماد، بل لجمع أدلة المسألة تأييداً، وقد يكون فيها الاختيار.
وأضاف: أن الخبر من الغريب المتفرّد الطريق والألفاظ والمعنى، غير مشهور ولم يرو في الكتب المشهورة التي وضعت للعمل بكاملها، مجمل الدلالة، لم تتحقق لنا قرائن التصديق به مع احتمال نسبته للواقفة".
أقول: تضعيف البعض لطريق الشيخ الطوسيّ في الفهرست إلى ابن شاذان لأجل ابن قتيبة غير متسالم عليه ففي وثاقته خلاف، ويحقّ للباحث المدقّق مخالفة الرأي الذاهب إلى تضعيفه إذا ثبت له بعد الفحص متانة غيره، وهذا ما حدا بكثير من الرجاليّين لاختياره.
وأمّا الاحتمال الذي ذكره الشيخ حيدر حبّ الله من أنّ طريق الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة إلى الشيخ ابن شاذان هو طريقه في الفهرست فلا ننكره، لكنّه يبقى ضمن دائرة الاحتمال ولا يرقى إلى الجزم والاطمئنان.
وربّما تضعيف الشيخ دهيني لمحمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري يُقبل إذا ثبت حقيقة أنّ البزوفري وقع في أحد طرق الشيخ إلى الرواية، لكن من باب الأمانة فإنّ بعض المعاصرين يقبل الاعتماد على الرواية التي يرد البزوفري في طريق إسنادها، وقد عبّر الشيخ عليّ النمازي عنه بأنّه ممّن روى عنه الأجلاء، منهم: المفيد وأحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله، وروى هو عنه أحمد بن إدريس القمّي، كما جاء في مستدرك علم رجال الحديث:7/59/13171.
وبالتالي يمكن لمن يعتقد بهذا أُخراجه من حيّز التضعيف إلى حيّز القبول.

نعم، هناك نقاش في بقيّة رجال السند، وما ذكره الشيخ العريبي ففيه نظر، ولا بدّ من التكلم في ثلاث جهات:
الجهة الأولى: إنّ القول بوثاقة حديث عثمان بن عيسى في الأحكام دون المعارف وما يتعلّق بالإمامة فغير واضح، بل يصعب قبوله وتبّنيه ما دامت حجج إثباته غير قائمة و براهين إلزامه غير مقنعة. فقد عدّه الشيخ الكشي من أصحاب الإجماع الثالث.
وقال الشيخ الطوسي في العدّة: عملت الطائفة برواياته لأجل كونه موثوقاً ومتحرّزاً عن الكذب. وعدّه الشيخ ابن شهرآشوب من ثقاة أبي الحسن عليه السلام. راجع: الموسوعة الرجاليّة الميسرّة للشيخين عليّ أكبر الترابي ويحيى الرّهائي:1/560.
الجهة الثانية: إنّ القول بعدم رواية عثمان عن دُرست في غير هذا الموضع اليتيم صحيح بحسب تتبّعي، لكن طبقته لا تمنع روايته عن دُرست، فلاحظ.
كما أنّ دُرست وقع في إسناد كتاب نوادر الحكمة ولم يستثن منه، ووقع في إسناد تفسير القمّي في كلا القسمين، ويروي عنه البزنطي وابن أبي عمير بسند صحيح في الكافي، ولأجل هذه الوجوه استظهر بعضهم منها توثيقه، وقد وثّقه المحقّق الخوئي، والشيخ مسلم الداوري وغيرهما. فراجع: معجم رجال الحديث:8/145، وأصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق:2/29-30، والموسوعة الرجاليّة الميسرّة:1/342.
الجهة الثالثة: فيما يتعلّق باتّهام الأسدي إن كان المقصود به فساد المذهب (الوقف) أو التخليط على ما نُقل عن بعضهم فلا يركن إلى هذا المقصد تمام الركون، حيث أنّ الشيخ الكشي عدّه بحسب بعض النقول من أصحاب الإجماع، وذهب المشهور إلى توثيقه. راجع: رجال الكشي:174، رجال النجاشي:441/1187، اختيار معرفة الرجال للطوسي:2/673، والفوائد الرجالية للشيخ مهديّ الكجوري:155، وتنقيح المقال في علم الرجال للملا عليّ كني:160، وسماء المقال في علم الرجال للشيخ أبي هدى الكلباسي:1/343، ومعجم رجال الحديث:21/89، ومستدركات علم رجال الحديث:8/340، والموسوعة الرجاليّة الميسرّة:2/357.
ولا يضرّ موقف العلامة الحلي منه بمستوى وثاقته، فهو وإن كان لا يقبل مذهبه ويقدح بعقيدته لكنّه يرى العمل برواياته، كما ذكر ذلك صريحاً في خلاصة الأقوال:416/ف26/ب1/3.
وعليه فإنّ القول باتّهامه لرفض رواياته لا يخلو من تأمّل، بل بعضهم يرى أنّ هذا القول غير قابل للاعتماد كونه خلاف التحقيق.
ثمّ على فرض تضعيفه فإنّ الميل إلى أنّه (أعني الأوّل) هو المراد به دون الثاني ينقصه الدليل التامّ وتعوزه القرائن الموثوقة، وبالتالي لا اطمئنان على أنّ أبا بصير الذي يروي عنه عمّار بن مروان هو الأسدي لا البختريّ.
ومهما يكن فإن كان البعض يرى سند الرواية فاقداً للاعتبار كما سمعنا، فإنّ هناك من يرى اعتباره كالشيخ أحمد الماحوزي في النصوص على أهل الخصوص:614 هامش، والشيخ جلال الدّين الصغير. وهو الظاهر من كلام الشيخ الكوراني في أسئلةٌ مهدويّة/آخر ملوك الحجاز/السؤال رقم24.
وننبّه القارئ على أنّ صحّة سند الرواية لا يعني بالضرورة صحّة صدروها عن المعصوم، فتفهّم.
ثانياً: الرواية من ناحية المتن.
عند مطالعة متن الرواية بعد صرف النظر عن سندها وغضّ الطرف عن صحّة صدورها نرى أنّه يشتمل على ألفاظ عائمة ومفردات غامضة وفقرات مجملة تحتاج إلى توضيح وتبيين نوردها إليكم بالترتيب الآتي:
(من يضمن لي موت عبد الله)، (أنا أضمن) (له) (القائم)، (لم يجتمع النّاس بعده)، (لم يتناه هذا الأمر) (دون صاحبكم)، (ويذهب مُلك السنين)، (يطول ذلك).
نستهل بيان تلك المفردات بالتدرج:
الضمان لغة: يطلق على الكفالة والالتزام، وكلّ شيء أحرز فيه شيء فقد ضمنه، وضمنت الشيء ضماناً: كفلت به، فأنا ضامن وضمين. وكلّ شيء جعلته في وعاء فقد ضمنته إيّاه. أنظر: العين للفراهيدي:7/51/باب الضاد والنون والميم معهما/مادة: ضمن، والصحاح للجوهري:6/2155/فصل الضاد: مادة: ضمن.
لقد أثار بعض أهل الجمهور إشكالاً محتملاً على مفردة (من يضمن لي) بحجّة أنّها تبدو غير متوافقة مع السياقات القرآنية والمعارف الشرعيّة، حيث أنّ الموت حقّ على كلّ البشر، فكلّ من عليها فان وكلّ نفس ذائقة الموت، فلا مخلّد بينهم.
لكن هذا الإشكال يمكن تذليله إذا قربّنا الصورة بمعنى حمل الضمان على البشارة المشروطة وما إلى ذلك، وبموت (عبد الله) يتحقّق جواب الشرط فيما يأمله المؤمنون المنتظرون.
ويرى الشيخ العريبي أنّ الضمان يراد به الشرط الخبري، وهو العلامة.
وقال: "إن صحّ الخبر فمحمول على المشيئة كما هو ظاهر الخبر بقوله: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، فيكون من العلامات التي يُرجى أن يُفرّج الله بها عن المؤمنين".
كما نوّد الإلفات إلى أن مصادر أهل الجمهور المعتمدة أخرجت أحاديثاً نبويّة تذكر نفس اللفظ، ننقل لكم بعضها:
منها: ما أخرجه الشيخ محمّد البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه، أضمن له الجنّة، الحديث). صحيح البخاري:7/184/كتاب الرقاق.
ومنها: ما أخرجه الشيخ أحمد بن حنبل في مسنده عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يضمن لي واحدة أضمن له الجنّة، الحديث). مسند أحمد:5/279.
ومنها: ما أخرجه ابن حنبل وغيره بسندهم عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم اضمن لكم الجنّة، الحديث). مسند أحمد:5/323، السنن الكبرى للشيخ أحمد البيهقي:6/288، مستدرك الحاكم للشيخ أبي عبد الله محمّد الحاكم النيسابوري:5/358-359 وصحّحه، الجامع الصغير للشيخ عبد الرحمن جلال الدّين السيوطي:1/165/1095.
إذن الإشكال المطروح يصحّ رفعه بما تقدّم،ويحقّ لكم نفض غباره بما سمعتم. بل يسع الباحث أن يميل إلى تبنّي فرضيّة مهدويّة الرواية والقول بعلائميّتها المستقبليّة.
إذا اتّضح لك ذلك أيّها القارئ الكريم فأعلم أنّ بعض الباحثين يرى أنّ حديث الإمام الصادق عليه السلام كأنّه كان عن عصره، ويستدلّ بذلك من كلامه عليه السلام (للحاضرين) في زمنه ممن سمع حديثه، بقوله لهم (من يضمن) (لي)..(أضمن) (له).
وبكلمة مبسّطة: إنّه عليه السلام يُخبر جلساءه من يبشّره (منهم) بحقيقة موت عبد الله فيبشّره (الإمام) حين سماع الخبر الحقيقي (منه) بقيام القائم بالأمر منهم عليهم السلام وظهوره.
ولفظ (القائم) يُراد به من يقوم بأمر الإمامة والخلافة، والمحتمل منه أمران:
الاحتمال الأوّل: يُراد به الإمام الصادق عليه السلام أو المعصوم الذي يجيء بعده ويكون معاصراً لزمن الحاضرين أو من يجيء بعدهم بقليل. وبالتالي فإنّ هذا الوصف يصحّ إطلاقه على الأئمّة السابقين على ولادة الإمام الثاني عشر ممّن يقوم بالأمر منهم عليهم وعلى نبيّنا من قبل سلام الله وصلواته وتحياته.
وبناء على هذا الاحتمال يكون (عبد الله) هذا شخصيّة معاصرة للإمام، ويترجّح أنّه أحد حكّام بني العبّاس، ولعلّه المنصور الدوانيقي. ويميل إلى هذا الاحتمال الشيخ حسين الخشن في كتابه علامات الظهور بين حلم الانتظار ووهم التطبيق:52.
وعلى ضوء ذلك سيواجهنا السؤال التالي: هل تحقّق موت عبد الله؟ وإذا مات عبد الله حقّاً فلماذا لم يستلم الإمام الصادق أو الكاظم عليهما السلام زمام أمور السلطة الدنيويّة؟
ألم يعلم المعصوم بتعليم الله إيّاه أنّ مُلك بني العبّاس طويل، وكان قد أخبر المنصور بذلك بحسب ما جاء في بعض الأخبار، وفي أخرى أخبر أصحابه بذلك وأمرهم بالصبر وعدم الخروج عليه؟
ويمكن الإجابة عن ذلك باعتماد صيغتين:
الصيغة الأوّلى: يُحتمل حصول البداء في هذه العلامة، ولعلّ قوله عليه السلام: (إن شاء الله) يوحي بإمكان حصوله، ولهذا لم يمت عبد الله ولم ترجع الخلافة الشرعيّة للمعصوم.
وربّما يعضّد بعضهم هذه الصيغة المختارة بما جاء في بعض الروايات المعلّلة بعدم رجوع الخلافة إليهم عليهم السلام وتأخّرها لأجل قيام شيعتهم وأتباعهم بإفشاء السرّ الذي أمروا بكتمانه. ومنه تعلم الإجابة عن الشقّ الأخير من الأسئلة المتعلّقة بعلم المعصوم بطول مدّة ملكهم.
قال الشيخ حيدر حبّ الله: "إذا كان هذا هو نصّ الرواية ولم يسقط الراوي شيئاً هنا ولو سهواً، فإنّ الرواية قد تبدو غريبة، وذلك أنّ الإمام يتكلّم عن شخص اسمه (عبد الله) ويقول للنّاس بأنّ من يخبره بموته يضمن له القائم، وهنا إمّا أن يكون عبد الله هذا شخصاً محدّداً كان معاصراً لزمن الإمام وزمن صدور هذه الرواية، أو يكون شخصاً آخر قد يأتي في قادم الأزمان، فعلى الاحتمال الأوّل يبطل التعاطي مع هذه الرواية اليوم، لأنّ المفروض أنّ عبد الله هذا قد مات في تلك الأيّام ومع ذلك لم تحصل حالة ظهور الإمام المهديّ، فإمّا تكون الرواية موضوعة، أو يكون قد حصل البداء فيها من حيث كونها من العلامات غير الحتميّة بناء على صحّة هذه النظريّة".
الصيغة الثانية: يُحتمل تلاعب الواقفة بالرواية وتدخّل أيديهم في صياغة متنها ونسج فقراتها كي تنطبق على الإمام الكاظم عليه السلام الذي يعتبرونه قائمهم المنتظر، ومال إلى هذا الرأي الشيخ محمّد العريبي والشيخ حسين الأميري. والله تعالى العالم بالحقائق.
الاحتمال الثاني: يُراد به إمام الزمان المهديّ المنتظر عجّل الله فرج خروجه وسهّل ظهوره.
ومن هذه الزاوية فقد حاول بعضهم وفق ما فهمه من لفظ (القائم) تخصيصه بالإمام المهديّ عليه السلام، ولكن هذا الفهم لا يستقيم، لأنّ هذا الوصف غير مختّص به عليه السلام، والقرائن المتوفرّة في الأخبار الأخرى لا تولّد الاطمئنان للأخذ بها، كونها غير متّحدة الموضوع.
على أيّ حال لو تساهلنا ومشينا مع الاحتمال الثاني- ومع غضّ النظر عن إجمال الرواية في تبيين هويّة عبد الله وتحديد شخصيّته- فحينها سيكون (عبد الله) شخصيّة مستقبليّة حقيقيّة لا رمزيّة ستظهر في قادم الزمان.
ووفق الرضا بهذا الاحتمال يترتب عليه ما يلي:
إنّ عبد الله هذا يتمتّع بشخصيّة قويّة نافذة، بل يُستفاد من الرواية أنّه صاحب سلطة.
ولعلّه أحد ملوك الدولة العبّاسيّة الثانية، أو أحد ملوك الدول المجاورة الفاعلة والمؤثرّة في المنطقة.
ومن هنا يتّضح لك أيّها القارئ الكريم كيف وقع بعض الأعلام في خطأ التطبيق وعلق في شباك الإسقاط حينما اشتبه فتصوّر أنّ (عبد الله) هو آخر ملوك بني العبّاس (عبد الله المستعصم) الذي قتله هولاكو التتاري. راجع: الدرّ النظيم للشيخ يوسف العاملي:759/ب14، والعدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة للشيخ عليّ بن يوسف الحلي:77/ح131، وأعيان الشيعة للسيّد الأمين:2/73.
وممّن أجاد في ردّ بعض التطبيقات الخاطئة التي تناولت عبد الله المذكور السيّد حسن الميرجهاني في كتابه نوائب الدّهور في علائم الظهور:3/8-9.
إذا علمت ذلك فأعلم أنّه بناء على فرضيّة صحّة المعطيات في احتمالها الثاني فالمرجّح عندنا في تحديد زمكان (زمان ومكان) حكم عبد الله ومحلّ تواجده هو دولة بني العبّاس الثانية الكائنة في العراق أيضاً، وهو مختار فضيلة الشيخ أحمد شحتول علوان. واحتمل ذلك الشيخ محمّد مهديّ زين العابدين النجفيّ فقال عنه إنّه: "آخر خليفة ورئيس من رؤساء بني العبّاس الذين يملكون بغداد". بيان الأئمّة:2/531 وطبعة أخرى:515.
وممّن ذهب إلى أنّه حاكم العراق الأستاذ عالم سبيط النيلي في كتابه الطور المهدوي:248.
وغيرنا يرى أنّه حاكم أو ملك الحجاز. راجع عصر الظهور للشيخ عليّ الكوراني:198، واليمانيّون قادمون للكوراني:119، والمصلح العالمي للسيّد نذير الحسني:242، ومحاضرة في ملتقى مسجد براثا للشيخ جلال الدّين الصغير، وموقع المؤمّل/فصل: صراع دموي بين قبائل الحجاز على السلطة ومجيء جيش الشام إلى الحجاز.
واحتمل ذلك الأستاذ حسن النجفي في كتابه علائم الظهور في المستقبل المنظور:187-188.
هذا، وقد حاول البعض تعضيد الرأي الأخير بقرينة تناه الأمر إلى القائم المهديّ عليه السلام، من حيث أنّه يخرج من مكّة، وبما أنّ عبد الله حاكم لمنطقة الحجاز، فذلك يشرح لنا سرعة تناه الأمر وسرعة وصوله إلى الإمام الحجّة عليه السلام، وهذا بنظره يعطي الرأي رجاحة.
وكذلك ما روته أمّ سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكّة، فيأتيه النّاس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويُبعث إليه بعث من أهل الشّام فيُخسف بهم بالبيداء بين مكّة والمدينة، فإذا رأى النّاس ذلك أتاه أبدال الشّام وعصائب أهل العراق فيبايعونه بين الركن والمقام). سنن أبي داوود للشيخ سليمان السجستاني:2/423، عقد الدرر للشيخ يوسف المقدسي السلمي الشافعي:69، الحاوي للفتاوي للشيخ جلال الدّين السيوطي:2/126.
وأيضاً بما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بينا النّاس وقوف بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة، يكون عند موته فرج آل محمّد صلى الله عليه وآله وفرج النّاس جميعاً ). غيبة النعماني للشيخ محمّد النعماني:267.
ولكن مع صرف النظر عن أسانيد تلك النصوص، فإنّ هذا التعضيد قد يبدو على بعض جوانبه الضعف، وذلك لسببين:
السبب الأوّل: أنّ تفسير عبارة (ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم) بما ذُكر أعلاه ضعيف، فالرواية لا تتحدّث عن القرب المكاني لرجوع الحقّ لأصحابه، وإنّما تتحدّث عن القرب الزماني، كما أنّه لا يوجد في ما بين سطورها ما يُملح إلى أنّ الحكم المنقرض الزائل (حكم عبد الله ومن يأتي بعده) يتواجد بتشكيلته المتعاقبة في تلك البقعة المباركة كي نقوم برسم سيناريو يتلائم مع طبيعة تلك المنطقة.
وعليه فلا تلازم بين خروج الإمام المهديّ عليه السلام من مكّة المُعظّمة وبين انتقال الحكم إليه من أولئك ورجوعه إلى قبضته في فترة وجيزة، بل لا ضرورة تقتضيه.
السبب الثاني: حديث أمّ سلمة وإن كان يتّفق مع الرواية محل البحث (المناقشة) في أنّه عند موت هذا وذاك تتضعضع الأمور ويسود الاختلاف، لكنّه لا يُولّد اطمئناناً لدينا وسكينة بانطباقه على (عبد الله) ولا يُعطينا وثوقاً بحمله عليه، لضعف القرائن وخفوت البيّنة، ومن ثمّ فما من مؤكّد أنّهما شخص واحد. مع ملاحظة خلّو حديث أمّ سلمة من ذكر أمد الاختلاف، ومن تعاقب المُلك (الحكم السلطوي) قصير الأجل.
وممّا يلفت نظر الباحث أنّه يجد في متن حديث أمّ سلمة شائبة، حيث أنّه يقول أنّ أهل مكّة يخرجونه - أي: يخرجون الإمام المعصوم المهديّ- ويبايعونه بين الركن والمقام، مع أنّ النصوص المعتمدة تذكر أنّ (الثلاثمائة وثلاثة عشر) هم من يبدؤون بذلك.
وأمّا رواية النعماني فإنّها تتحدّث عن سماع النّاس في الموسم خبر موت خليفة أهملت ذكر اسمه ونسبه ومنطقة حكمه، فهي مجملة من هذه الجهة، لكنّها من جهة أخرى تُلمح إلى عصر الظهور وتشير إلى ظهور الحكومة العالميّة العادلة، باعتبار أنّ فرج آل محمّد وفرج النّاس جميعاً (الفرج العالمي) لا يتحقّق إلا في زمان استقرار حكومة المعصوم المرتقبة.
إذن تبقى علامة الاستفهام واقفة أمام مضمون الرواية من حيث أنّها لم تذكر مُلك الشهور والأيّام، وعدم تحديدها موقع سلطة هذا الخليفة، ومن ثمّ لا يتهيأ لنا ربط إعلان خبر موته في مكّة لإثبات مكيّة حكومته وحجازيّة سلطنته.
ومن هذا المنطلق فإنّ أيّ محاولة لصرف لفظ (الخليفة) المذكور فيها إلى ذلك الحاكم (عبد الله) وإسقاطها عليه فهي بنظرنا محاولة قاصرة ومجازفة لا داعي لها.
قوله عليه السلام: (لم يجتمع النّاس بعده على أحد).
علّق بعض الأخوة (المسمّى بأبي لؤلؤة) في موقع يا حسين على العبارة بما يلي:
"إن كان المقصد أنّ المعنى هو أغلب النّاس، فهل هذا يعني أنّ أغلب النّاس كانت تجتمع على ولاية عبد الله؟
ثمّ قال لمن يطبق هذه الرواية على مملكة آل سعود:
هل نظام المملكة أصلاً يؤخذ من أغلبية النّاس عبر التصويت الديمقراطي وغيره؟
فلذا نجد أنّ هذه الرواية لا دلالة عليها سنداً ومتناً، فتسقط".
وكتب الباحث الطائي في منتدى موقع الكفيل:
"عبارة المعصوم (ع) (لم يجتمع النّاس بعده على أحد)، أي: لم يحصل إجماع وتوافق على من يخلفه كما حصل لمن سبقه في الحكم.
وهذا لا يعني أنّه لا يملك أحد من بعده! بل يملك بعده ملك، ولكن بدون اجتماع من النّاس عليه لحصول اختلاف بينهم.
أي: عدم اجتماع النّاس على أحد من بعد عبد الله، هو إشارة وعلامة يجب أن تكون واضحة مُفعّلة واقعيّة حتّى يصدق عليها القول/التوصيف.
ثمّ ذكر أنّ الخلاف بينهم يلزم أن يكون واقعيّاً يؤدّي إلى صراع وتقسيم البلاد.
وأضاف: لا نعلم كم المدّة بالدقّة ستكون بين (بدأ الاختلاف وعدم اجتماع النّاس على أحد)، وبين (تحقّق الفرج الموعود بعده، وكما وصّفه الإمام (ع) بأنّه لا يطول)".
وأوضح الشيخ جلال الدّين الصغير: "المقصود هنا بـ: (النّاس) ليس عموم النّاس، وإنّما الجهة السياسيّة المعنيّة بحكم عبد الله، هؤلاء لن يجتمعوا على أمر من بعد عبد الله".
أقول: سواء أكان المجتمعون هم الجهة السياسيّة أو غالبيّة المكوّن الإسلامي في منطقة الحدث، فإنّ عدم اجتماعهم على ملك بعينه سيؤدّي حتماً إلى تفاقم الوضع الداخلي وعدم استقرار الحكم من بعد موت عبد الله، وحينها تتبدلّ صورة الحكم من حكم طويل الأمد إلى حكم الشهور والأيّام. وفي هذا إشارة إلى انتقال الحكم والسّلطة من شخص لآخر بالانقلابات أو الموت.
قوله عليه السلام: (لم يتناه هذا الأمر).
يرى بعض الأفاضل أنّ المقصود به: أنّهم لا يجتمعون على مُلك جامع، ولا ينتهي هذا الأمر من عدم الاجتماع إلّا بظهور المعصوم عليه السلام.
وبعبارة ثانية: إنّ انتقال المُلك السريع بينهم سوف لا يتوقّف ولا يسكن حتّى يصل إلى المعصوم.
قوله عليه السلام: (صاحبكم). يراد به: إمّا الإمام الصادق عليه السلام، وإمّا الإمام المهديّ عليه السلام. واختيار القارئ سيكون تبعاً لتبنّيه مقصد الرواية وترجيحه له. وسينسحب ذلك الترجيح لمقصد الرواية على قول الإمام الآتي.
قوله عليه السلام: (ويذهب مُلك السنين ويصير مُلك الشهور والأيّام).
المفهوم من العبارة أنّها جاءت للدلالة على عدم استقرار الوضع السياسيّ بعد هلاك تلك الشخصيّة، والتغييرات السريعة التي تحصل في النظام الحاكم، كما يقول النيلي في الطور المهدويّ:248.
وهذا يعني أنّها مرحلة حسّاسة وخطيرة حيث يذهب فيها ذلك الإجماع المُدّعى والتوافق المزعوم فيما بين أعضاء الكتلة الحاكمة، ويعمّ الاضطراب في أرجاء البلد.
قال السيّد مصطفى الحيدري معلّقاً على الرواية وموضّحاً العبارة أعلاه: أي: الذين تطول سلطنتهم ويملكون سنيناً متعدّدة وتصير السلطنة بالشهور والأيّام، بأن يكون هذا يملك ثلاثة أشهر، وهذا أربعة مثلاً، وكذلك الأيّام". بشارة الإسلام في علامات المهديّ عليه السلام:171.
وبمعنى آخر: "أنّهم كلما نصبوا بعده شخصاً لا يبقى سنة كاملة، ولا تمضي شهور أو أيّام حتّى ينصبوا غيره". عصر الظهور للكوراني:199.
وقبل العبور إلى الفقرة الأخيرة أحببت إخباركم بأنّي عثرت على خبر مرسل أظنّ تفرّد بنقله المسعودي وحكى فيه عن محاولة المأمون (المغرضة) بنقل الأمر وتسليم الحكم إلى الإمام الرضا عليه السلام، فأجابه الإمام عليه السلام قائلاً: (إنّ هذا الأمر ليس بكائن فينا إلّا بعد أن يملك أكثر من عشرين رجلاً بعد خروج السّفيانيّ). إثبات الوصيّة:225، عنه مسند الإمام الرضا عليه السلام للشيخ عزيز الله العطاردي:1/115.
والخبر قد لا يكون بينه وبين رواية (إذا مات عبد الله) نسبة تربطه بها، لكنّ من باب الاستئناس به أوردته هنا، فربّما يُفهم منه- إن كان الكلام عن ملوك بني العبّاس بعد خروج السّفياني - التالي:
وهو بقاء ملكهم إلى ما بعد خروج السّفيانيّ في أوّل أمره. وأنّ توالي هذا العدد الكبير من الملوك خلال فترة قصيرة جداً يذكّرنا بذهاب ملك السنين ومجيء ملك الشهور والأيّام بعد موت عبد الله.
قوله: (فقلت: يطول ذلك؟ قال: كلا). يُحتمل منه معنيان:
أحدهما: أنّ سؤال الراوي (ومقصوده) كان عن مدّة بقاء عبد الله حتّى يهلك هل تطول؟ فأجابه المعصوم بالنفي، وأنّ أجله قريب.
وهنا لا بدّ أن تعرف أخي القارئ وأختي القارئة إنّ المعرفة بموت الأشخاص تعدّ من العلم المكتسب الذي يُعلّم الله عزّ وجلّ به عباده المخلصين ويأذن سبحانه بإفاضته عليهم.
وثانيهما: أنّ سؤال الراوي (ومقصوده) كان عن مدّة حكم من يأتي بعد موت عبد الله ومن ثمّ تحقّق الفرج هل تطول؟
وبعبارة أبسط: هل تطول مدّة ملك الشهور والأيّام إلى حين إمساك المعصوم زمام الحكم؟ فأجابه المعصوم بنفي كون المدّة طويلة.
وقد ذكر نحو هذا الشيخ الصغير، والباحث الطائي.
قال الشيخ حسين الخشن: "ظاهر الخبر هو الحديث عن ظهور الإمام المترتّب على موت عبد الله، فالسائل لا بدّ أنّه يسأل عن القضيّة الجوهريّة التي هي محطّ نظر الإمام في الخبر وهي ارتباط ظهور صاحب العصر بموت الملك عبد الله، وهذا ما يتطلّع إليه المؤمن ويسأل عنه أكثر من غيره".
وكيف ما كان فإنّ الفترة بينهما ليست بالكثيرة والطويلة الأمد.
والله تعالى العالم بالأسرار وببواطن الأمور.
نرجو أن نكون قد وفقّنا في إيضاح محتملات الرواية محلّ البحث والقراءة وكشف إجمالها أو إبهامها، وبيان ضعف التطبيقات الخاطئة وزيف استغلال متنها.
وقد روى أبو سعيد الزهري عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث له قال: (تركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه). المحاسن للشيخ أحمد البرقي:1/215/كتاب مصابيح الظلم/ب8 باب التثبّت/102، الكافي للشيخ محمّد الكليني:1/50/باب النوادر/9.
ختاماً نتمنّى أن يدّكر المُتعقلون المُتفقّهون ويرعوي المُتمنّون المُستعجلون.
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وأنبيائه المرسلين.
جعفر صادق الحسيني


من مواضيع : جعفر صادق الحسيني 0 العفة النسائية مسألة بالغة الإهمية
0 إيضاح عبارة ( من لم يلحق بي لم يدرك الفتح )
0 المناقشة الجادّة لقصّة حضور الأسد في كربلاء الشهادة
0 من يضمن لي موت عبد الله
0 حديث المعرفة بالنورانيّة
التعديل الأخير تم بواسطة الجابري اليماني ; 07-04-2016 الساعة 08:34 PM.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 08:22 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية