قال عليه السلام: القول الحسن يثري المال، وينمي الرزق، وينسأ في الأخل، ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة.
لم تعرف الدنيا في عمرها الطويل أناساً كالأئمة صلوات الله عليهم، فقد جمعوا المكارم كلها، وحازوا الفضائل بأجمعها، ومن العجب أن لا تجتمع الأمة بأسرها على إمامتهم مع إجتماعهم على ما يرونه فيهم من آي وحديث، وما يذكرونه لهم من علم وعمل وعبادة وزهادة وورع وأخلاق وكرم وشجاعة وسيرة مثلى، فلا هم وافقوا الشيعة على النص والتعيين، وأنّ الإمامة فيهم، قد نص عليهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسمّاهم واحداً بعد واحد، ولا هم رأوا الخلافة بالأفضلية، فهي حينئذٍ لهم ولا تتعداهم، فهم أفضل هذه الأمة نسباً، وأزكاهم حسباً، وأكثرهم علماً، وأحسنهم عملاً، وأسبقهم إلى مكارم الأخلاق.
وإهمال شطر الأمة عن الإقرار بإمامة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ظلم لهم وغمز لحقوقهم التي شرعها الله والرسول، كما هي بنفس الوقت ظلم من الناس لأنفسهم بجحدهم الحق، ونكوصهم عن الطريق السوي مع علمهم بفضلهم وجليل مقامهم ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ) النمل 14 ، وهذا الحديث ذو شجون، وعلى الصدر الأول يقع العبء الكبير من هذه التبعية، ولله في خلقه شؤون.
والحديث في هذه الصفحة عن الإمام الرابع من أئمة أهل البيت عليهم السلام الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. كيف نبدأ الحديث عنه عليه السلام؛ أنتحدث عن مصائبه التي لم يصب بالدنيا رجل مثلها؟ فهو الذي واكب واقعة كربلاء منذ البداية وحتى النهاية، وهو الذي شهد مصرع أبيه وإخوته وأعمامه وبني عمومته وأصحاب أبيه، رضوان الله عليهم أجمعين، كما شاهد عليه السلام بنات رسول الله (ص) عصر عاشوراء يتراكضن في البيداء من خباء إلى خباء، ومن خيمة إلى خيمة، ومنادي القوم: أحرقوا بيوت الظالمين. ولله صبره وهو ينظر إبن مرجانة وبيده العود ينكث ثنايا أبيه الحسين عليه السلام. وكانت خاتمة الجولة الشام، ومجلس يزيد بن معاوية، وشماتة بني أمية.
فلو أن أيوباً رأى بعض ما رأى لقال نعم هذا العـظيمة بلواه
فوالله لمصيبته لا تصغر عندها مصيبة أيوب عليه السلام فحسب بل تصغر لديها مصائب الدنيا بأسرها، وفوادح الدهر منذ أن تخطى آدم عليه السلام هذا الكوكب وحتى تقوم الساعة.
وإذا كان الحديث عن مصائبه عليه السلام له المنطلق الرحب، والمجال الواسع، فجوانب حياته الأخرى فيها الشئ الكثير من العبر والدروس، فلقد كان عليه السلام الغاية في العبادة - كما يقول إبن أبي حديد - وكيف لا يكون كذلك، وقد أجمع أهل السير والتراجم على أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وصارت لأعضاء سجوده ثفنات كثفنات البعير، يقطعها في السنة مرتين، وأصبح لا يُعرف ألا بزين العابدين والسجاد وذي الثفنات وسيد العابدين، كما أن سيرته عليه السلام هي السيرة المثالية التي لا يقدر عليها إلا نبي أو وصي نبي، وإلا فهل هناك من يقبل أن يضم عائلة مروان بن الحكم - أعدى الناس لأهل البيت - إلى عياله في واقعة الحرة، أو يعول بمائة بيت من أهل المدينة، أو يحمل جراب الدقيق على ظهره ويطوف على بيوت الفقراء، يوصلها إليهم سراً وهم لا يعرفونه.
وإذا تحدثنا عن أدعيته عليه السلام، فأنت إذا رفعت القرآن الكريم وحديث الرسول الأعظم (ص) ونهج البلاغة، فقل فيها ما شئت، فهي زبور آل محمد والموسوعة الإلهية الكبرى.
والحديث عن بعض جوانب حياته عليه السلام، حافلة بالكثير من كلامه وسيرته الكريمة المليئة بالمثل الرفيعة، والسجايا الكريمة؛ النص عليه بالخلافة.. عبادته.. سيرته..إحسانه وكرمه.. عتقاؤه.. خطبه.. وصاياه.. رسالته.. رسالة الحقوق.. حكمه.. أجوبته.. أدعيته أو الصحيفة السّـجـّادية.. إستجابة دعائه.. شعـره .. كلمات العلماء والعظماء.. قصيدة الفرزدق... نسرد فيما يلي ما تيسر منها.
ولادته
ولد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في يوم الخميس منتصف جمادى الآخر أو جمادى الثاني والأصح في الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين أو ست وثلاثين. ويقال له ابن الخيرتين.
عمره
توفي سلام الله عليه عن عمر يناهز السابعة والخمسون أو التاسعة والخمسون.
وفاته
توفي صلوات الله عليه في الليلة الخامسة والعشرين من شهر محرم الحرام عام أربعة وثمانين هجرية، قتله الوليد بن عبدالملك بن مروان لعنه الله بالسم ولم يبق رجل ولا امرأة ولا البر ولا الفاجر ولا صالح ولا طالح إلا خرج وشهد جنازته، وأن أبنه الباقر عليه السلام حينما كبّر بعد دفنه جاء تكبير من السماء وأجابه تكبير من الأرض وكبّر من في السماء سبعاً نعم. وقد صلت عليه ملائكة السماوات والأرض، دفن في البقيع مع عمه الحسن عليه السلام