لماذا حذف اليهود قصة موسى والخضر من التوراة ؟
مصطفى الهادي.
في جولاتي المستمرة في كتب العهدين التوراة والانجيل حيث اجوس فيهما للبحث عن مصاديق لبعض ما اقرأه في القرآن الكريم لأقدر حجم الحذف والتحريف الحاصل فيهما (1) وجدت اشياء كثيرة جاء عل...ى ذكرها القرآن منها مثلا قصة سيدنا يوسف ، وقصة صناعة وعبادة العجل ، وقصة زواج موسى من صفوراء ابنة شعيب وهو ما يؤسس لمصداقية ما يذكره المؤرخون المسلمون من ان صفوراء هذه حاربت وصي موسى .
ومن بين الكثير الذي عثرت عليه استغربت عدم وجود قصة موسى والخضر هذه القصة التي اهتم بها القرآن اهتماما بالغا وتعرض فيها لأشياء عجيبة . فليس من الممكن ان تتغافل التوراة عن هذه القصة وقد اوردت قصصا هامشية لا نفع فيها.
قصة موسى والخضر من اروع القصص التي ضربها الله لنا مثلا لبيان نقص الانسان في معرفته مهما بلغ من الكمال فهو دون ما يعرفه الله لا بل لربما دون ما يعرفه بعض من اختارهم الله ليُفيض عليهم من علمه ،(نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علمٍ عليم). حتى ينتهي العلم إلى الله . خصوصا وان هذا النص القرآني ايضا يتعلق بجانب من جوانب بني إسرائيل.
قصة موسى والخضر تُعالج مسألة عالمين لا علاقة لأحدهما بالآخر إلا من حيث الإرادة الإلهية ومن حيث الفيض الذي يمن به الله على بعض عباده .
قصة موسى والخضر تعالج عالمين : (عالم المفروغ) و (عالم المستأنف) وهذا الموضوع من اعقد المسائل الفلسفية ، فلماذا هملته التوراة ؟
وبعد بحث والتعمق في النفسية اليهودية وجدت السبب تافها ولأجل هذا السبب تم رفع قصة موسى والخضر من التوراة واخفائها في مكان آخر .
فما هو هذا السبب؟
انتفخت ادمغة اليهود وهم يرون ان الرب اختارهم من بين الامم المحيطة بهم فقال عنهم بأنهم شعبه (2) وانتفخت ادمغتهم لما رأوا موسى ينتصر على فرعون بتلك الايات الباهرات ورأوه يُكلم الله على جبل حوريب. ويشق البحر بعصاه ويضرب الحجارة فيخرج لهم الماء ويرفع يده إلى السماء فيُنزل عليهم الله الوان من اطعمة الجنة.
فاليهود يُريدون نبيا مساوٍ لإلههم له قدرات خارقة ، ليس بينه وبين الله حجاب لا يُريدون نبيا جاهلا ضعيفا او ليس منهم أو ليس له مال كما اخبرنا القرآن بذلك في سورة البقرة حيث رفضوا نبيا ارسله الله إليهم لكونه فقيرا (3) وهذا النص موجود في التوراة ولكن بتغيير طفيف وهو ما نقرأه في سفر صموئيل الأول 8 : 4 ((فاجتمع كلّ شيوخ إسرائيل وجاؤوا إلى صموئيل وقالوا له: هو ذا أنت قد شخت فالآن اجعل لنا ملكاً يقضي لنا. وصلىّ صموئيل إلى الربّ، فقال الربّ لصموئيل: اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك وبعد مدّة أوحى الله إلى صموئيل بأنه اختار الشاب شاؤل من قبيلة بنيامين، وأمره أن يمسحه ملكاً على إسرائيل)).(4) وهذا الشاب شاؤل هو طالوت الذي ذكره القرآن.
فاليهود اثبتوا قصة يوسف في التوراة لأنه اصبح وارثا للفرعون ، واثبتوا قصة زواج موسى من (صفوراء) لانها ابنة نبي .
واثبتوا في التوراة اشياء اخرى كثيرة ولكنهم قاموا بحذف قصة موسى والخضر من التوراة لأن موسى يظهر فيها رجلا ضعيفا امام الخضر تابعا له لا علم له وحسب قولهم : (جاهل) وهم لا يُريدون نبيا جاهلا وهم يعتبرون انفسهم ملح الارض وسادتها فهم رفضوا طالوت (5) مع ان الله زاده بسطة في العلم والجسم ، فكيف يقبلون بنبي جاهل مثل موسى، ولما لم يكونوا قادرين على قلع موسى من التوراة، عمدوا إلى قلع النص من اساسه ورميه في كتاب آخر أخفوه بعناية طيلة قرون.
والغريب ان مسرح الاحداث التي جرت على بني إسرائيل وأسست لتاريخهم تعرف الخضر جيدا من حدود فلسطين وسيناء والاردن وسوريا في دير الزور ،كما نقرأ ما كتبه الارشمندريت بولس نعمان في كتابه (خمسة أعوام في شرق الأردن)، في القرن الماضي، حيث كتب في الفصل المخصص للمزارات، قائلا: (وأما (الخضر الأخضر)، فهو مكرم من بادية البلقاء ومؤاب، فهو على زعم العرب أول من امتطى جوادا وحمل رمحا وانتضى سيفا، وعلّمهم الخوض في ساحات الوغى).
إذن اين ذهبت قصة موسى والخضر وهذه التوراة بين أيدينا تخلوا منها ، والقرآن يُثبتها؟.
بعد البحث والتنقيب في اكثر من مصدر حيث تتبعت فيها خيوط هذه القصة وجدت أن اليهود وضعوا هذه القصة في اهم فصول (التلمود) (6) واخفوا اسماء ابطالها بعناية، وعلى عادتهم قاموا بتغيير الاسماء وبعض الاحداث وقادني السؤال عن السبب أيضا الذي من اجله وضعوا القصة في التلمود ،ووضعهم لاسم (الرابي يوحنان بن ليفي) بدلا من موسى ، فعرفت ان التلمود كتاب لا يزال يستقبل آراء وفتاوى وتفسيرات طبقة الحاخامات العليا ويُمكن بسهولة وضع اي شيء فيه بعكس التوراة التي انتشرت في العالم ولا يُمكن اضافة أي شيء لها.
لدى تتبع النص ــ الذي سوف اضع صوره ــ وجدت ان النص تم اضافته إلى التلمود بعد سنة 600 للميلاد وهذا يعني أن اليهود لما سمعوا أن القرآن ذكر قصة موسى مع الخضر بتفصيلات واضحة بيّنة ، عمدوا إلى ارجاع نص قصة موسى والخضر ولكن ليس إلى التوراة بل إلى التلمود لأنهم يرون التلمود بمثابة التوراة لا بل افضل منها وبذلك يخفون عملية طمس هذه القصة والتعتيم عليها حيث اختلطت قصة موسى والخضر بالكثير من الخرافات التي تم تدوينها في التلمود فاعتبروا القصة خرافة ، لأنها تُظهر موسى جاهلا امام الخضر الذي يطلقون عليه في التوراة اسم (الياهو الملك).
من كل ذلك تتضح لنا حقيقة خطيرة جدا تؤيد ما ذهب إليه القرآن من أنه المهيمن والحارس على الكتب السماوية التي سبقته ، ويُبين لنا حقيقة أخرى هي : أن اليهود فعلا : (يُحرفون الكلم من بعد مواضعه).
اضع بين يدي القارئ الكريم نص ترجمة قصة موسى والخضر التي تم حذفها من التوراة والتي جاء على ذكرها القرآن ، القصة موجودة كاملة ولاداعي لان اذكرها لانها واضحة سوف يفهم منها القارئ الكريم مقدار الحيف الذي اصاب هذه القصة.
اضغط على الصورة واحدة واحدة ليظهر النص امامك.
المصادر .
ملاحظة : للخضر فوائد عظيمة في وجوده حيا على هذه الارض ولعل اهم هذه الفوائد هو انه حارس ومراقب للسد الذي بناه ذو القرنين لكي لا ينفهق والذي يحول بيننا وبين العالم الآخر الذي تكمن خلفه مخلوقات غريبة ولعلنا نعرف ذلك من خلال الحديث الوارد عن أنس بن مالك قال: «قال رسول الله إن الخضر في البحر وأليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج)).
1- طبعا ملاحظة مهمة وهي اني لا اعترف بهما كتابين سماويين كما يقول اتباعهما لأني وحسب دراسات مستفيضة استنطقت من خلالها هذه الكتب فوجدت انها من وضع الناس. قصصا كتبوها لتعويض النقص الحاصل في العقيدة نتيجة لفقدان الكتب المقدسة حيث تعترف هذه الكتب بانها من صنع بشر وان واضعيها اعترفوا بذلك.
2- شعب الله هو كما جاء في سفر اللاويين 26: 12 (( وأسيرُ بينكم وأكون لكم إلها وأنتم تكونون لي شعباً)).أو ما جاء في سفر إرميا 30: 22 (( وتكونون لي شعبا وأنا أكون لكم إلها)).
3- وهي قوله تعالى : ((وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)).
4- وكان الربّ قد كشف أذن صموئيل قبل مجيء شاؤل (طالوت) بيوم قائلاً : غداً في مثل الآن أُرسل إليك رجلاً من أرض بنيامين فامسحه رئيساً لشعبي إسرائيل. فلما رأى صموئيل شاؤل. قال له الرب: هو ذا الرجل الذي كلمتك عنه. فاستقبل صموئيل الشاب وأكرمه. دعا صموئيل جميع أسباط إسرائيل بألوفهم إلى بلدة المصفاة، حيث أعلن لهم وقال: أرأيتم الذي اختاره الربّ؟ إنه ليس مثله في جميع الشعب. فهتف الشعب وقالوا : ليحيى الملك. ولكن جماعة منهم استصغرت شأنه وقالوا: أنى لهذا أن يخلصنا (4). وهذا نفس القول في القرآن : أنا يكون له الملك .
5- يستخدم المسيحييون الاسمين معا ( طالوت و شاول) كما نرى ذلك واضحا في كتاب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها أ. حلمي القمص يعقوب المكتبة القبطية الارثوذكسية ،حيث يقول : (الحقيقه ودعي الشكينا باسم سكينه فعندما اصطفي الله طالوت شاول الملك للمُلك قال بنو اسراييل نحن احق بالملك أنى لهذا أن يخلصنا)).
6- يؤمن اليهود بتوراتين واحدة مكتوبة وهي هذه التي بين أيدينا ، والتوراة الشفوية التلمود وهي عند كثير من طوائف اليهود اهم من التوراة المكتوبة. (توراة شبَعَلْ بهْ)، عبارة معناها (التوراة الشفوية) مقابل (توراة شبختاف) أي (التوراة المكتوبة). وتذهب اليهودية الحاخامية إلى أنه عندما ذهب موسى إلى جبل سيناء ليتلقى الوحي، لم يُعْطه الإله توراة أو شريعة واحدة وإنما أعطاه توراتين أو شريعتين: إحداهما مكتوبة والأخرى شفوية.وهم يستندون في قولهم على نص التوراة في سفر خروج 24 :12 (فأعطيك لوحى الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتُها لتعليمهم). مشاهدة المزيد