يقول مؤلف الكتاب المذكور يحيى هاشم فرغل مستعرضا فكرة عصمة الأئمة : إن عصمة الأئمة ظهرت عند غلاة الشيعة ، ذكر أن زيد بن علي كان يستنكرها ثم استنتج أن السنة إنما بحثوا عصمة الأنبياء لأن الشيعة بحثوا عصمة الأئمة ، وذكر أدلة
الإمامية على العصمة ومنها حديث الثقلين وقد رواه هكذا : إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي . كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ،
ثم ذكر صورا أخرى للحديث ثم قال : إن هذا الحديث جعل العترة أهل البيت بمنزلة القرآن وعدلا له ، كما جعل لهم جميع ما كان للنبي من المناصب إلا النبوة ليكون كأنه موجود بنفسه ليقوم على رعاية الشريعة ، وقد نزل الحديث العترة منزلة القرآن
فلا بد من أن يكون عندهم كل ما فيه من العلوم ، فمن ثم يكون الإمام عالما بجميع تفاصيل القرآن والسنة لتؤخذ عنه علومهما كاملة . ثم أورد روايات للشيعة حول علم الإمام ومنها ما ورد عن الإمام علي ( ع ) : ما أنزلت آية من القرآن على رسول
الله ( ص ) إلا وأقرأنيها وتلاها علي فكتبتها بيدي وعلمني تفسيرها وتأويلها ومحكمها ومتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ودعا الله تعالى أن يعطيني فهمها وحفظها ووضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وحكمة ، ثم أورد روايات هي في الواقع تجسيد لمنطوق هذا الحديث وهذه الرواية : كوجود كتاب الجفر والجامعة ومصحف فاطمة
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 154
عند أهل البيت وشرح آراء الشيعة في معنى وجود هذه الكتب عند أهل البيت وذكر أن الشيعة قالوا إنها بإملاء النبي وخط علي وأنه ليس فيها من القرآن شئ وإنما هي شروح وأخبار بالملاحم ، ثم ذكر الروايات التي تدل على أن أهل البيت محدثون
وأنهم يعضدون هذه الروايات بروايات سنية ومنها قول النبي ( ص ) الذي اتفق عليه أهل السنة " إن فيكم محدثين " وقول بعض الصحابة : كنت أحدث حتى اكتويت ، ثم انتقل بعد ذلك إلى الروايات التي تدل على وحدة السنخية بين النبي والأئمة
كقول النبي ( ص ) : إن الله خلقني وخلق عليا والحسن والحسين من نور واحد ، وقال في نهاية هذا الفصل : وإذا فنحن في النهاية نصل إلى عقيدة فلسفية أو ميتافيزيقية في الإمام تجعل من الأئمة ومن الرسول جوهرا نورانيا واحدا سابقا على الوجود
الأرضي وهنا نصل إلى نقطة هامة نسأل فيها عن ماهية درجة الإمامة وهل هي بدرجة النبوة أم لا ، واستطرادا من هنا أقول : إن المرء أمام هذه الآراء لا يستغرب أن تنشأ في تربتها آراء الغلاة ودعاوى التنبؤ ويجد في هذه إظهارا طبيعيا لمكونات تلك انتهى كلام فرغل بتلخيص وتصرف في لفظ العبارة ( 1 ) مع حفظ المضمون بمنتهى الضبط .
إتضح من هذا الفصل الذي لخصناه أن فرغل يستنكر عدة أمور ويعتبرها نوعا من الغلو وهي العصمة ، ثم وحدة الأصل والسنخية بين النبي ( ص ) وأهله ( ع ) ثم استنكر ما ينسب لأهل البيت من علوم واستنكر رابعا أن تكون منزلة الأئمة بعد النبي ( ص ) وخامسا نسب الشيعة للغلو .
تعقيب وأنا أوجه للأستاذ فرغل سؤالا هو : لو أن هذه الأمور التي استنكرها عند الشيعة وجدت عند السنة فهل ينتقد السنة أم لا ، وستعجب من هذا السؤال وتقول كيف لا ينتقدهم والموضوع واحد ولا فرق بين أن يقول به السنة أو الشيعة
وأنا أجيبك أنه لا ينتقدهم إذا كانوا غير شيعة وهو ما وقع بالفعل لأنهم قالوا بهذه الأمور التي نقد بها الشيعة وسأوقفك على قولهم فيما يلي :
1 - فالأمر الأول : الذي نقد به الشيعة القول بالعصمة ولا أحتاج أن أكرر ما سبق أن ذكرته ودللت عليه من قول كثير من السنة بالعصمة إن لم يكن كلهم ومع ذلك لم يعرض لهم يحيى فرغل بالنقد ، على أن يحيى فرغل أهون من غيره في هذا
الباب ، ذلك أن غيره كان أكثر منه عنفا وتهجما خذ مثلا : الدكتور نبيه حجاب أستاذ الأدب - لو كان هناك أدب - في دار العلوم بالقاهرة ، إن هذا الرجل يشتم الشيعة شتما عجيبا ويعتبر عقيدتهم بالعصمة مظهرا من مظاهر الشعوبية فاسمعه يقول :
إن هذه العقيدة تسربت للشيعة عن الفرس الذين نشأوا على تقديس الحاكم لهذا أطلق عليها العرب النزعة الكسروية - ولا أعرف أحدا من العرب قال ذلك في حدود اطلاعي - ولعل غالبية الشيعة كانت ترمي من وراء هذه الفكرة إلى تنزيه علي ع
عن الخطأ حتى يتضح للملأ عدوان بني أمية في اغتصاب الخلافة هذا وفي اليهودية كثير من المذاهب التي تسربت إلى الشيعة ( 1 ) أسمعت هذه الأنشودة التي يتناقلها الخلف عن السلف بصورة بلهاء وقد فندنا لك هذا الزعم فيما مضى من مبحث فارسية التشيع .
لكن الذي أريد السؤال عنه ما هو الخطأ في سلوك الإمام علي ( ع ) في نظر نبيه حجاب هل هو الحروب التي قام بها من أجل مبادئ مما أدى إلى عدم الاستقرار في الوقت الذي لم يستقر فيه وضع الأمويين إلى على الجماجم وعلى كل حال لا
يضر عليا أن يخطئه نبيه حجاب بعد أن قال فيه الرسول علي مع الحق والحق مع علي . ومن الطبيعي جدا أن يكون علي في جانب مع من هو من معدنه ونبيه حجاب ومن هم من معدنه في الجانب المقابل .
* ( هامش ) *
( 1 )مظاهر الشعوبية في الأدب العربيص 492 . ( * )
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 156
2 - الأمر الثاني : الذي استنكره فرغل هو كون النبي ( ص ) وأهل بيته من نور واحد ، ولا أدري ما هو وجه الاستغراب بعد أن أثبت الشيعة ذلك من مصادره الصحيحة هل لأن ذلك لم يصادف هوى في نفوس من لا يوالون أهل البيت أم ماذا ؟
3 - الأمر الثالث : الذي استنكره الأستاذ فرغل هو علم أهل البيت بالشريعة والعلوم القرآنية وعلوم السنة الشريفة وأن يكونوا محدثين ، وهنا يقال إن علم أهل البيت أما أن يكون بالطرق العادية كالتلقي والمدارسة ، أو يكون من قبيل الإلهام وأنهم
محدثون ، أم الطريق الأول فهو محقق لأهل البيت لأنهم نشأوا في بيت محمد ( ص ) وتربوا في حجره وأخذوا العلوم من هذه البيئة وهذا أمر لا غبار عليه ، أما العلم بالطريقة الثانية وهو الإلهام والتحديث كما تذهب إليه الروايات فالمسلمون كلهم
يقرون بذلك وسأذكر جملة من نصوصهم في إمكان مثل هذا العلم : يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني عند تفسير الآية 65 من سورة النحل : وهي قوله تعالى : * ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 157
الله) * عقب عليها فقال : لعل الحق أن يقال إن علم الغيب عن غيره جل وعلا هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته له ، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شئ وإنما هو من الواجب عز وجل إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه ، فلا يقال إنهم علموا بالغيب بذلك المعنى فإنه كفر بل يقال إنهم اظهروا واطلعوا على الغيب ( 1 ) .
وما قاله الآلوسي هو عين ما ورد عن أئمة أهل البيت : يقول الإمام الرضا ثامن أئمة أهل البيت : " يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم " وهذا المعنى هو عين مفاد الآية : 27 من سورة الجن وهي قوله تعالى : * ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسوله ) * وفي شرح هذه الآية يقول الرضا لعمرو بن هداب وقد سأله عن علم الأئمة قال : " إن رسول الله ( ص ) هو المرتضى عند الله ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة "( 2 )
وفي هذا المعنى يقول النيسابوري المفسر : إن امتناع الكرامة عن الأولياء إما لأن الله ليس أهلا لأن يعطي المؤمن ما يريد ، وإما لأن المؤمن ليس أهلا لذلك وكل منهما بعيد فإن توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى لعبده فإذا لم يبخل
الفياض بالأشرف فلأن لا يبخل بالأدون أولى - . وقد ألقى الإمام الصادق ( ع ) الضوء على بعض العلوم التي أخذوها من القرآن بالطرق الطبيعية وذلك عندما سأله بعض أصحابه ، فقال الصادق : " إني أعلم ما في السماوات والأرض وأعلم ما في
الجنة والنار وأعلم ما كان وما يكون " فلما رأى أن السائل استغرب كلامه قال الإمام : " إني علمت ذلك من كتاب الله عز وجل الذي يقول : * ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) * الآية 89 / من سورة النحل " وقد روى ذلك عنه وعن