نبذه مختصرة في الاخلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
حسن الخلق وقبحه في نظر أهل البيت عليهم السلام:
منذ أن وطئ الإنسان بقدميه تراب هذه الأرض وطئها وهو مزودٌ بالأخلاق الفاضلة وعارفٌ للأخلاق الفاسدة ومأمورٌ من قبل الله تعالى بالتحلي بكلّ الفضائل لكي يصل إلى غايته التي خلق من أجلها ألا وهي عبادة الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (سورة الذاريات 56) .
فصارت مكارم الأخلاق من لوازم الحياة الصحيحة على الأرض ومن لوازم الأمم التي تنشد الرفعة والطهارة، فأخذت الشرائع السماوية كمال الإنسان غاية لها وبدأ الأنبياء عليهم السلام بالإرشاد والتربية والتزكية لهذه النفوس الجامحة التي تميل بطبعها للراحة والدعة، وتوالت الأنبياء عليهم السلام على قيادة البشرية إلى الكمال حتى وصلت إلى خاتمها وسيد رسلها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي صرح بكلمته الخالدة: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». (ميزان الحكمة: ج1، ص804، ح1111).
وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «حُسنُ الخُلقِ مِن أفضَلِ القِسَمِ وأحْسَنِ الشِيَمْ». (غرر الحكم: 4842. ميزان الحكمة: ج3، ص1073، ح5000).
ولكي نقف على معنى الأخلاق وحسنها وسوءها وما يترتب على كل واحدة منها لابد من تبيان بعض الأمور المهمة المتعلقة بذلك، ومنها:
الخلق في اللغة والاصطلاح:
(حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر أو روية، ومجموعها أخلاق). (المعجم الوسيط: ص252).
والخلق في الاصطلاح: (سلوك يسلكه الإنسان في ميدان الفضائل أو الرذائل ويصبغ صاحبه بالحسن أو القبح).
مراتب الاتصاف بالأخلاق الحسنة وعدمها:
والسلوك أو الحال الذي يتصف به الإنسان له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: هي الاتصاف بصفة على وجه السرعة وفقدانها بذات السرعة وهذا ما يسمى (بالحال) كما في حمرة الخجل أو صفرة الوجل التي تحصل للمرء عند وجود السبب لها وترتفع بارتفاعه.
المرتبة الثانية: هي الاتصاف بصفة ما ببطء وتكرار حتى ترسخ في النفس إلى درجة (الملكة) فتصدر عن صاحبها بسهولة وسرعة دون تأمل أو روية.
المرتبة الثالثة: هي اتصاف الإنسان بصفة وصلت إلى حد (الاتحاد) مع ذاته ولا تزول إلا بزوال الذات.
فالحالة الأولى لا يمكن أن نطلق عليها بأنها خلق لسرعة الاتصاف بها وسرعة زوالها، وأمّا الحالة الثانية والثالثة هي المعنيّة بذلك وهي التي يصدق عليها بأنها (خلق) فالاتصاف بالخلق الفاضل هو الدين أو من الدين وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «جاءَ رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِن بَينِ يَديهِ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، ما الدِّينُ؟ فقالَ: حُسنُ الخُلقِ. ثُمَّ أتاهُ عن يَمينِهِ فقالَ: ما الدِّينُ؟ فقالَ: حُسنُ الخُلقِ. ثُمَّ أتاهُ مِن قِبَلِ شِمالِهِ فقالَ: ما الدِّينُ؟ فقالَ: حُسنُ الخُلقِ. ثُمَّ أتاهُ مِن وَرائهِ فقالَ: ما الدِّينُ؟ فالْتَفَتَ إلَيهِ وقالَ: أمَا تَفْقَهُ؟! الدِّينُ هُو أنْ لا تَغْضَبَ». (تنبيه الخواطر: ص89. ميزان الحكمة: ج3، ص1076، ح5030).
فلذا صار الخلق وعاءً ومكانا مناسبا للدين وهذا ما اتصف به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي أفاض الله تعالى عليه نعمة النبوة وحباه بالوحي دون غيره لخلقه الرفيع الذي وصل إلى درجة أن ينال مدح الله تعالى وثناء المولى على العبد بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.