فالقلب الذي يحمل حقداً على الناس بعيد عن لقاء الإمام، قال تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإْيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (الحشر: 10)، والقلب الخالي من الغل هو القلب الذي يلتقي بالإمام.
والإنسان المبتسم المتواضع الخلوق الذي يحبّ الناس، يألف الناس، يبادر لقضاء حوائج الناس، هو المحظوظ بلقاء الإمام، هو المحظوظ ببركة الإمام، هو المحظوظ بمدد الإمام، لأنَّ قلبه طاهر، وصفحة بيضاء لا يحمل حقداً ولا ضغينة، كما ورد عن النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وتوطأ رحالهم).
العنصر الثاني: الطهارة من الذنوب:
فالذنوب تزعج الإمام وتؤلمه، فقد روى الشيخ الطبرسي في (الاحتجاج) عن الإمام المنتظر (ع) أنَّه قال: (ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته _ الإمام يريد أن يشير إلى شرط اللقاء معه (ع) _ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد الذي عليهم لمَّا تأخَّر عليهم اليمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاَّ ما يتَّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل).
العنصر الثالث: الذكر الخفي:
والذكر الخفي مصطلح عند علماء العرفان مأخوذ من دعاء الإمام زين العابدين (ع): (وآنسنا بالذكر الخفي, واستعملنا بالعمل الزكي، والسعي المرضي)، ويقصد به الانقطاع إلى الله بحيث لا يطلب إلاَّ من الله ولا يشكو إلاَّ لله ولا يبثّ همّه إلاَّ لله، فيقال عنه: ذكر الله ذكراً خفيّاً وانقطع إلى الله تبارك وتعالى، فمن عناصر لقاء الإمام الذكر الخفي بمعنى أن تنقطع إليه وتقول: يا ربّ أنا لا أريد حاجةً لا أريد حياةً ولا شفاءاً ولا رزقاً إلاَّ برضى الإمام المنتظر (ع)، عن طريق رضاه عن طريق إرادته، لأنّي منصهر به، لأنّي متعلَّق به، لأنّي مغرم به، هذا ما يسمّى (بالذكر الخفي) وهو من عناصر لقائه (ع).
العنصر الرابع: تصوّر الإمام والتفكّر فيه (عليه السلام):
أنت إذا أحببت شخصاً تتصوَّره ويمرُّ على بالك دائماً، ولو كنت تحبّ الإمام المنتظر (ع) حقّاً لكان بالك وذكرك وذهنك مشغولاً بصورته مشغولاً بخياله مشغولاً بما تتصيَّد من أوصافه، فهل بالك مشغول به؟
ونظرة واحدة لزيارة آل ياسين تصوّر لنا التفكّر في الإمام، حيث نقرأ فيها: (السَّلامُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأطْرَافِ نَهَارِكَ...، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأ وَتُبَيَّنُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلّي وَتَقْنُتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلّلُ وَتُكَبَّرُ، السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلامُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْل إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، هذه صور للإمام تمرُّ على أذهاننا وتربطنا به (ع).
العنصر الخامس: التألّم لألمه (عليه السلام):
لا يوجد شخص على هذه الأرض يتألَّم مثل الإمام, لما يرى من مصائب ونوائب في الأمّة الإسلاميّة، كما أنَّ الإمام إذا رأى ذنباً من مؤمن يتألَّم، فكيف إذا رأى فضائع الذنوب وكبائر الجرائم والمعاصي، لذلك علاقتنا بالإمام تقتضى أن نتألَّم لألمه، ويعلّمنا دعاء الندبة المعروف بين الإماميّة كيف نتألَّم لألم الإمام: (عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ أرَى الْخَلْقَ وَلا تُرَى وَلا أسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلا نَجْوَى...، عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ اُجَابَ دُونَكَ وَ اُنَاغَى، عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ أبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الْوَرَى، عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ يَجْريَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَى)، هذه الكلمات تقوّي عندنا إحساساً بألم الإمام وبآهات الإمام، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): (رحم الله شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا)، فالتألّم لألمهم دليل الولاء لهم، ومن ألم الإمام المنتظر (عليه السلام) الذي لا ينساه ولا يهجع عند ذكره ألم كربلاء، ألم عاشوراء، فهو الألم المستمرّ المتجدّد للإمام المنتظر (ع).
الحقيقة المهدوية (دراسة وتحليل) .... تأليف: السيّد منير الخبّاز