1 - عنه عليه السلام: (والذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة الله (3).
قال ابن أبي الحديد: (واعلم، أنه عليه السلام أقسم أن القتل أهون من حتف الأنف، وذلك على مقتضى ما منحه الله تعالى به من الشجاعة الخارقة لعادة البشر، وهو عليه السلام يحاول أن يحض أصحابه ويحر ضهم ليجعل طباعهم مناسبة لطباعه وإقدامهم على الحرب مماثلا لاقدامه على عادة الامراء في تحريض جندهم وعسكرهم، وهيهات إنما هو كما قال أبو الطيب:
يكلف سيف الدولة الجيش همة * وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم (2)
ويطلب عند الناس ما عند نفسه وذلك ما لا تدعيه الضراغم (3)
ليست النفوس كلها من جوهر واحد، ولا الطباع والأمزجة كلها من نوع واحد،
(1) - نهج البلاغة، الخطبة 122.
(2) - جمع خضرم - بالكسر - وهو الكبير العظيم.
(3) - جمع ضرغام، وهو الأسد.
وهذه خاصية توجد لمن يصطفيه الله تعالى من عباده في الأوقات المتطاولة والدهور المتباعدة وما اتصل بنا نحن من بعد الطوفان - فإن التواريخ من قبل الطوفان مجهولة عندنا - أن أحدا اعطي من الشجاعة والاقدام ما اعطيه هذا الرجل من جميع فرق العالم على اختلافها من الترك، والفرس، والعرب، والروم وغيرهم... (1) ؟
2 - قال العلامة ابن أبي جمهور الأحسائي: (روى جابر الأنصاري، قال: شهدت البصرة مع أمير المؤمنين عليه السلام والقوم قد جمعوا مع المرأة سبعين ألفا، فما رأيت منهزما إلا وهو يقول: هزمني علي، ولا مجروحا إلا يقول: جرحني علي ولا من يجود بنفسه إلا وهو يقول: قتلني علي، ولا كنت في الميمنة إلا سمعت صوت علي عليه السلام، ولا في الميسرة إلا سمعت صوت علي عليه السلام، ولقد مررت بطلحة - وهو يجود بنفسه وفي صدره نبلة - وقلت له: من رماك بهذه النبلة ؟ فقال: علي بن أبي طالب (2).
فقلت: يا حزب بلقيس، ويا حزب إبليس ! إن عليا لم يرم بالنبل وما بيده ألا سيفه، فقال: يا جابر ! أما تنظر إليه كيف يصعد في الهواء مرة، وينزل في الأرض اخرى، وينزل من قبل المشرق، ومرة من قبل المغرب، وجعل المشارق والمغارب بين يديه شيئا واحدا فلا يمر بفارس إلا طعنه، ولا يلقى أحدا إلا قتله أو ضربه أو كبه بوجهه، أو قال: مت يا عدو الله، فيموت، فلا يفلت منه أحد (3).
3 - وقال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: (لا تدعون إلى مبارزة، فإن دعيت إليها فأجب، فأن الداعي إليها باغ، والباغي مصروع (4)، (قد
(1) - ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 7: ص 301.
(2) - كذا والتاريخ على القول بقتل مروان له.
(3) المجلى، ص 410.
(4) - نهج البلاغة، الخطبة 233.
ذكر عليه السلام الحكم ثم ذكر العلة، وما سمعنا أنه عليه السلام دعا إلى مبارزة قط، وإنما كان يدعى هو بعينه أو يدعى من يبارز فيخرج إليه فيقتله، دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر فخرج عليه السلام فقتل الوليد، واشترك هو وحمزة عليهما السلام في قتل عتبة، ودعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم احد فخرج إليه فقتله، ودعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله، فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبدود فإنها أجل من أن يقال جليلة وأعظم من أن يقال عظيمة، وما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيل - وقد سأله سائل -: أيما أعظم منزلة عند الله، علي أم أبو بكر ؟ - فقال: يا ابن أخي ! والله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها تربى عليها فضلا عن أبي بكر وحده.
وقد روي عن حذيفة بن اليمان ما يناسب هذا، بل ما هو أبلغ منه، وروى قيس بن الربيع، عن أبى هارون العبدي، عن ربيعة بن مالك السعدي قال: أتيت حذيفة بن اليمان، فقلت: يا أبا عبد الله ! إن الناس يتحدثون عن علي بن أبي طالب ومناقبه فيقول لهم أهل البصرة: إنكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل، فهل أنت محدثي بحديث عنه أذكره للناس ؟ فقال: يا ربيعة ! وما الذي تسألني عن علي، وما الذي احدثك عنه ؟ والذي نفس حذيفة بيده، لو وضع جميع أعمال امة محمد صلى الله عليه واله وسلم في كفة الميزان منذ بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه واله وسلم إلى يوم الناس هذا، ووضع عمل واحد من أعمال 44 على في الكفة الاخرى، لرجح على أعمالهم كلها... والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرامن أعمال امة محمد صلى الله عليه واله وسلم إلى هذا اليوم وإلى أن تقوم القيامة (1).
4 - أورد العلامة الحجة، الاية المرعشي في (الملحقات الاحقاق) نص
(1) - ابن أبى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 19: ص 60.
في (بحر المعارف): سئل الصادق عليه السلام عن هذا، قال: (أنا من الثقلين) المقالات في شجاعته عليه السلام وهى: (علي أشجع الناس قلبا، علي أسد الله في أرضه، علي سيف الله في أرضه، علي قاتل الكفرة، علي صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الدنيا والاخرة، علي أسد الله الغالب، علي قاتل الفجرة، علي يقاتل على التأويل، علي أشجع العرب، علي قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ان لعلي الشجاعة والخلافة كما أن للنبي صلى الله عليه واله وسلم الرسالة والنبوة، ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ب، لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار (1) 5 - قال ابن الأثير: (كانت ضربات علي مبتكرات لا عونا، أي إن ضربته كانت بكرا يقتل بواحدة منها لا يحتاج أن يعيد الضربة ثانيا، يقال: (ضربة بكر) إذا كانت قاطعة لاتثنى، والعون: جمع عوان وهي في الأصل الكهلة من النساء، ويريد بها ههنا المثناة (2).
وقال - أيضا: (ومنه حديث علي: كان إذا تطاول قد، وإذا تقاصر قط، أي قطع طولا وقطع عرضا (3).
وقال أيضا: (إن عليا حمل على عسكر المشركين فما زالوا يبقطون، أي يتعادون إلى الجبل متفرقين، بقط الرجل إذا صعد الجبل، والبقط: التفرقة (4).
وقال - أيضا: (وفي حديث عمر أنه سأل الاسقف عن الخلفاء، فحدثه حتى انتهى إلى نعت الرابع منهم فقال: (صدأ من حديد)، ويروى صدع، أراد دوام لبس الحديد لاتصال الحروب في أيام علي وما مني به من مقاتلة الخوارج والبغاة، وملابسة الامور المشكلة والخطوب المعضلة، ولذلك قال عمر: (وادفراه) تضجرا من ذلك واستفحاشا، ورواه أبو عبيد غير مهموز كأن الصدالغة في الصدع هو
(1) - احقاق الحق، ج 8: ص 319.
(2) - ابن أثير: النهاية، ج 1: ص 149 / (بكر).
(3) - المصدر، ج 4: ص 21 / (قط).
(4) - المصدر، ج 1: ص 145 / (بقط).