ولازلنا نتصفح كتاب (الصراع بيت الامويين ومبادئ الاسلام) ويطالعنا هذا الفصل ب :
ننتقل الى البحث في ذلك الصراع بين الامويين ومباذئ الاسلام-بأجلى اشكاله-في محاربتهم علي بن ابي طالب أثناء خلافته وفي اغتصابهم امرة المسلمين وكان قائدهم آنذاك معاوية نجل أبي سفيان قائد الامويين في حربهم مع النبي..واذا كان الفشل قد كتب للأمويين في صراعهم مع النبي لاعتصامهم بالاوثان بشكل سافر فان القضاء لم يكن في متناول ابن ابي طالب لتقمصهم (في الظاهر) رداء الاسلام الفضفاض..
ومهما يكن من الأمر فان غدر الامويين بعلي (تحت زعامة معاوية) قد أصاب روح الاسلام قبل ان يصيب أبا تراب..فقد انفسح باغتيال الامام المجال واسعا أمام قوى الشر التي حبسها علي في نطاق ضيق من خشية الله ومبادئ الدين الحنيف..فتلاشت من القلوب حرارة الايمان التي كانت تجمع بين قلب الخليفة الكبير وقلوب رعاياه..واستهان الولاة والحكام بتطبيق مبادئ الدين على شؤون الحياة..
وعمدوا الى اسكات الجماهير بوسائل فاسدة من الرشوة والملاينة أو الارهاب والتجويع.. فذوي روح الاسلام انطوت مبادئهم على نفسها بدلا من أن تسير في التوسع والانتشار.. وكانت حصيلة ذلك الانتشار التذمر والالحاد في جسم المجتمع العربي الاسلامي وتدني المستويات الخلقية الرفيعة بين الحكام والمحكومين على السواء..فبرز الاستهتار والظلم والخروج على القرآن وتعاليم الرسول من جهة الحاكمين والملق والمداهنة والانقياد من جهة الرعايا..
واختفى القائلون بالحق وراء سحب المطاردة والاضطهاد فأصبح المطالبون بحقوقهم التي ضمنها لهم الاسلام ..زنادقة و ملحدين ورافضة وصار الوصوليون المنافقون أصحاب الحظوة والكلمة النافذة..
ذكر الزبير بن بكار في (الموفقيات) عن المغيرة بن شعبة انه قال : قال لي عمر بن الخطاب يوما يا مغيرة هل أبصرت بعينك العوراء منذ اصيبت؟ قلت : لا.. قال :
(( أما والله ليعورن بنو أمية الاسلام كما اعورت عينك هذه ثم ليعمينه حتى لايدري أين يذهب وأين يجيء ))
وروى : (( ان يزيد بن معاوية قال لمعاوية يوم بويع له عهده فجعل الناس يمدحونه ويطرونه : يا أمير المؤمنين لاندري أنخدع الناس أم يخدعوننا !!!!
فقال له معاوية :
(( كل من أردت خديعته فتخادع لك حتى تبلغ منه حاجتك فقد خدعته ))
(الكامل في اللغة والادب للمبرد ج1 ص305 ومن المضحك حقا ان يخاطب يزيد أباه يا أمير المؤمنين ولسنا نعلم حق معاوية في امرة المؤمنين أو مؤهلاته لتلك الامرة او الاسلوب الذي اتبعه للحصول على تلك الامرة غير معاوية من الجهة الثانية أمير (المؤمنين) الذين هم من طراز ولده يزيد )
ورحم الله عمر بن عبد العزيز حين نظر الى ولاة المسلمين في بعض الايام فقال :
(( الوليد بالشام والحجاج بالعراق وبن شريك في مصر وعثمان بن يوسف في اليمن امتلأت الأرض والله جورا ))
قال الجاحظ : ( فعندما استوى معاوية على الملك واستبد على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الانصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة.. والعام الذي تحولت فيه الامامة ملكا كسرويا والخلافة غصبا قيصريا ولم يعد ذلك أجمع الضلال والفسق ثم مازالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا )
وليس قتل حجر بن عدي واطعام عمرو بن العاص خراج مصر وبيعة يزيد الخليع والاستئثار بالفئ واختيار الولاة على الهوى وتعطيل الحدود بالشفاعة والهوى من جنس جحد الاحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسنن المنصوبة... على ان كثيرا من مبتدعة دهرنا قالت : لاتسبوه فان له صحبة وسب معاوية بدعة من يبغضه فقد خالف السنة..
فزعمت ان من السنة ترك البراءة ممن جحد السنة!!!
ثم الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل نصرته ثم غزو مكة ورمي الكعبة واستباحة المدينة وقتل الحسين في أكثر أهل بيته مصابيح الظلام وأوتاد الاسلام ..فاحسبوا قتله ليس بكفر.. واباحة المدينة وهتك الحرمة ليس بجاحد...
فالفاسق ملعون ومن نهى عن لعن الملعون فهو ملعون ..فان كان القاتل سلطانا جائرا وأميرا عاصيا لم يستحلوا سبه ولا خلعه ولا نفيه ولا عيبه وان أخاف الصلحاء وقتل الفقهاء واجاع الفقير وظلم الضعيف وعطل الحدود والثغور وشرب الخمور واظهار الفجور !!!!
وقد ذهب المقريزي- بما له من مكانة مرموقة بين المؤرخين- الى القول بأنه كان يعجب من تطاول الامويين الى الخلافة وكيف حدثتهم انفسهم بذلك!!وأين بنو أمية وبنو مروان بن الحكم – طريد رسول الله – ولعينه – من هذا الحديث مع شدة عداوة بني أمية لرسول الله ومبالغتهم في أذاه وتماديهم في تكذيبه !!! اذ ليس لبني أمية سبب الى الخلافة ولا بينهم وبينها نسب . فاسباب الخلافة معروفة فمنهم من ادعاه لعلي باجتماع القرابة والسابفة والوصية بزعمهم . فان كان الامر كذلك فليس لبني امية في شئ من ذلك دعوى عند احد من اهل القبلة.. وان كانت لاتنال الا بالسابقة فليس لهم في السابقة قديم مذكور.. .. هذا وبنو امية قد هدموا الكعبة وجعلوا الرسول دون الخليفة وختموا في اعناق الصحابة وغيروا اوقات الصلاة ونقشوا اكف المسلمين.. ثم اني ماذا اقول ياعجبا كيف يستحق خلافة رسول الله على امته شرعا من لم يجعل له حقا في سهم ذي القربى ثم كيف يقيم دين الله من قاتل رسول الله ونابزه وكايده وبذل جهده في قتله؟ وليت اذ ولى بنو امية الخلافة عدلوا انصفوا!! بل جاروا في الحكم وعسفوا واستأثروا بالفئ كله وحرموا بني هاشم جملة وزادوا في العتو والتعدي حتى قالوا :
انما ذوي القربى قرابة الخليفة منه. وحتى قرروا عند اهل الشام ان لا قرابة لرسول الله يرثونه الا اولاد امية..
وحتى صعد الحجاج بن يوسف يوما اعواد منبره وقال على رؤوس الاشهاد :
( أرسولك أفضل أم خليفتك ؟؟ )
يعرض بان عبدالملك بن مروان افضل من رسول الله..
(المقريزي : النزاع والتخاصم ص 5 -8 و 27 – 28)