بُكائيّةُ رأس الـــــــ حُ ــسين..
للشاعر اللبناني : جوزيف حرب
ذَرْذِرِي فتيت الرياحين ، وانسجي من حبير البجع ، وكنار الحمام !
مكاسر الكفنِ الأبيض .. !
واحفري الجفنَ عميقاً عميقاً حتى مغارق الدمع !
فلقد أقبل الليل وحن جسد الحسين إلى النوم !
جملةً سماوية بين هلالين من جناحي ملاك ! كربلاء .. يا مساحة المرارة ، وموشحة الحزن !
وحارسة المصابيح التي اشتعلت بزيت مساريج الجنة !
رققي من حواشي الريح ، واملئي الأباريق !
ومدي الوسادة الزينبية ، فلقد أقبل الليل !
ورجعت من كوفة الزمن القديم .. !
***
هبيني كربلاء أُرح رأس الحسين على يديَّ .. !
أنا لست من أنزل الحسين في العراء من غير ماء وغير حصن .. !
ولست من شك سيفه بين منكَب الحسين وعنقه .. !
ولست ياكربلاء من قطع الكتف اليسرى .. !
أنا لست الأبرص بن ذي الجوشن أحز بالسيف في عنق الحسين .. !
ولست من أوطأ الجياد عظام صدره .. !
ولست عبيد الله بن زياد أضرب ثناياه بعصا الملك .. !
ولست جند عمر بن سعد أطوف بالرأس وهي على الرمح في مسالك الكوفة .. !
ولست يزيد بن معاوية أنكتُ بقضيب العرش في شفتي الحسين !
اللتين قبلتهما شفتا الرسول الكريم .. !
حتى ارتوتا من عبير ريحانة الجنة !
***
هبيني كربلاء .. أُرِح رأس الحسين على يديَّ !
هبيني سراويله اليمانية التي مزقها كي لايقتسمها من بعده القتلة .. !
هبيني جبة الخز والعمامة !
ويالعطش عبد الله الرضيع .. !
وقد مرى الهجير عرقه وهدلت رباعية أطرافه .. !
وتقطرت هُنانةُ خاصرتيه، ورنقت عيناه ، وومح جلده !
وتخّ نفَسه وبُح صوته ، ودير به مغشياً عليه !
فرفعه الحسين بين يديه وخاطب الواقفين دون ماء الفرات !
يا أهل الفرات .. يا أهل الكوفة !
خافوا الله واسقوا هذا الطفل !
إذا كنت أنا في اعتباركم أستوجب الموت ، فما ذنب هذا الطفل الصغير ؟!
يا قوم ، اذكروا عذاب يوم أليم !
أراك لا تنسينَ يا كربلاء كيف صاح به أحد الجند ، خذ.. اسقه !
وأوتر القوس ورمى الطفل بسهم اختلجت عليه أحشاؤه !
فهبيني كربلاء أرح رأس طفل الحسين على يديّ !
هبيني ذؤابتيه المرسلتين ، وقميصه المشقوق !
والعقد والعود والبكاء الذي ما ترسّل من بين أجفانه !
مخافة أن يتملح فمه إذا لا مست قطراتُ دمعه شفتيه !
***
عندما يحمّل الرجال رؤوسهم همّ العالم !
ويصفو دمهم زيتاً للحقيقة !
وتتوثب في سواعدهم جياد المعارك العلوية !
يمرّ في خاطري الحسين بن علي مقدساً في رسالة !
جنة فيجسد ، سدرة في منتهى !
شهيدَ عقيدة باعها بربه واشتراها بدنياه !
إنه الومض المقدس .. !
أقعد الجنة عمن أقعد القلب عن الهدى !
وأذلت كفه كف من أعز القبض عن العطية !
وحبس ديمة الرخاء عمن أطلق في المساكين مزنة البلوى !
وقاوم بقوة الحق قوة المنافق واللص والراشي !
وأمّر نهايةً للمفسدين اعذوذبت بدايتها !
فأرسل في الظالمين ريحاً وناراً ململمتين على شتات هشيم !
وأيبسَ عظمَ من للعراة عليه بردةُ الخيلاء !
وألهبَ جوفَ من للجياع عنده طبق حرام !
وسرّق من جاء بيت الرزق من غير بابه !
ورهن النفس بثقل ما فعلت !
وأرسل في أصلابه واعتدال ظهره انحناءة التوبة !
وغض العين عما لا يحل لها !
واشتعل في سراج الصدر فتيلة الحكمة !
وأنبت في روحه الصبر على كل بث وكل أسى !
واستقل في جنب ربه زينته تقواه . خادمه يداه !
ولأنه ما أعار دنياه طرف آخرته .. !
باع نفساً تموت غداً بنفسٍ لا تموت !
***
هناك تداخلٌ حتى الذوبان !
بين رأس المسيح بعد الصلب ،ورأس الحسين بعد القطع .. !
وبين رأس يوحنا على طبق ، ورأس الحسين على رمح .. !
وبين خل العطش على الصليب ، وملح العطش في عاشوراء .. ! بين زينبات الحسين ، ومريمات المسيح .. !
وإن الذين رغبوا إلى اقتسام ثياب المسيح على الجلجلة !
هم أنفسهم الذين رغبوا إلى اقتسام ثياب الحسين في كربلاء .. !
وإن الشهوات التي في أعماق هيرودس !
إنها رمز قاطع المنارات وقاطعِ الرؤوس : رأس الأنبياء !
رأس الرائين .. رأس الثوار .. !
رأس المفكرين .. رأس الفلاسفة.. رأس الحرية .. !
رأس السنبلة.. ورأس الحمام الأبيض ، والزيتون المبارك .. !
لودخلت عاشوراء يد القضاء لما اختل ميزان قاضٍ !
ولو هبت على خفق راية لما أُذِلّ وطن .. !
ولو لامست وسادة حاكم ، لمنعته من صلف النعاس .. !
ولو استوت على سرير خلافة ، لما عرف التاريخ قراصنة الأرض ،
ولصوص الأمم ، وشذاذ آفاق الممالك، والمشعبذة والطغاة والسحرة !
***
ثلاث وسبعون رأساً ، ورأس الحسين طليعتها !
منارةٌ خلفها منائر !
دخلت البلاط اليزيدي على سن ثلاثة وسبعين رمحاً .. !
فهل لشمس بعد أن تشرق ؟!
ولفرات بعدُ أن ينساب !
ولريح بعدُ أن تهب !
ولطائر بعد أن يسحب جناحيه !
ولنبت بعد أن يُمرع !
ولقضاءبعد أن يعدل !
ولحكم بعد أن يستوي !
ولدين بعد أن يشيع !
ولسلام بعد أن يسود .. ! إلا ومعه قضية ثلاث وسبعين رأساً !
قضت في سبيل ألاّ يُلاحم من صدوع الباطل !
ويُصدع من ثبات الحق !
*** إن مسيحيتي أيهاالسادة .. لن تكتمل ناقصاً منها الحسين !
وإن أي دين سماوياً كان أو غير سماوي .. ! لا يتضمن مرتبة حسينية إنما هو دينٌ كثير الأرض قليل الجنة..!
وإنأي حق لابد من أن يضيع إن لم تكن وسيلته حسينية .. !
فإما الحق .. وإماالشهــادة !
ولندع صفين .. ولندع التحكيم .. ولندع الفتنة .. !
ولندع خوف يزيد من العراق في يد الحسين .. !
فإن في عمق ذهاب الحسين إلى العراق ليس ما دار في رأس يزيد .. فقط !
كل ما هو ومضٌ قدسي !
سيرته في الأرض ، أن المكان الذي تركه ، إنما تركه اقتراباً من الجنة !
فإذا رجع إليه لالحكمة ابتعد بدلاً من أن يقترب !
من هنا كانت عاشوراء فصلاً من فصول ذهاب الحسين إلى الجنة لا العراق .. !
""
اعجبتني في يومٍ ما وما زالت تشدني
احببت ان أنقلها لكم من جدار قديم علقت عليه
باسم احد الأخوة