نزلت قوات مكافحة الشغب، فتحوا باب السائق. أنزلوا أولاً المسعف أمين الأسود (انظر مرآة البحرين: المسعف الذي كسر درع الجزيرة رقبته) (6). أنزلوه وضربوه بعنف دون توقف وبلا رحمة، "كنا نسمع صوت رفساتهم وأحذيتهم تخبط في جسده"يقول زملاؤه، طرقوا بأسلحتهم الباب الخلفي. قالت حنين للآخرين: سأنزل أنا، ربما لأني فتاة سيكون الوضع أخف. فتحت الباب، كانت ترتدي رداءها الأبيض. ما أن وضعت رجلها على الأرض حتى تلقت صفعة قوية على وجهها اختل توازنها على إثرها وسقطت على الأرض، لم تستوعب حنين صدمة الصفعة ولا حرارتها ولا قسوتها ولا سببها، صرخ فيها الضابط البحريني: أنزلي رأسك وازحفي على الأرض. زحفت حنين نحو الرصيف وأمرها بالبقاء فيه. فيما أنزل رجال الأمن الآخرين وربطوا أيديهم من الخلف برباط بلاستيكي حاد وتولوهم ركلاً ورفساً بالأحذية والأسلحة "يفركون أحذيتهم على وجوههم"يجتمع فوق الواحد من الشباب 6 من رجال الأمن يشبعونه ركلاً جماعياً من كل الجهات دون توقف ودون تمييز بين اليد والرجل والظهر والوجه والرأس، كل مناطق الجسد مشاعة ومباحة للركل والضرب من قبل رجال الأمن الباكستانيين.
ألقوا قنابل صوتية على عجلات سيارة الإسعاف، فجروها (7).عاد الضابط إلى حنين وسألها: انتو شنو تسوون هني؟ أجابت: نحن سيارات إسعاف ننقل الجرحى. صرخ: هل تسمين هؤلاء جرحى؟ رفعت كفها نحوه وقالت: "اليد التي عالجت هؤلاء اليوم، هي نفسها اللتي حملت بالأمس الجرحى الباكستانيين المشتبكين مع الشباب، نحن مهمتنا علاج المصابين أياً كانوا" قال: أنا رجل، ولو لم أكن رجلا لكنت ضربتك، ثم هددها بالتعرض الجنسي لها، كرر تهديده عدداً من المرات.
التفت بعدها نحو الشباب، أمسكت حنين بطرف بنطاله: لا تضربوهم كفاية، صاحت. صرخ فيها: شيلي يدك، ذهب لرجاله وقال لهم: بس خلاص، ثم التفت نحو حنين وقال: أحضري مقصا، من فورها قامت حنين بقص الرابط البلاستيكي عن الشباب وزملائها المسعفين.
الجميع تمكن من القيام من مكانه، عدا أمين، لم يكن قادراً على الحركة ولا الكلام، عيناه تتحركان والدموع تخرج من الجانبين. لم تتمكن حنين من تمييز إصابته سريعاً. قالت له: إذا تسمعني أغمض عينيك، فعل أمين. قالت له: إذا تشعر بألم أغمضها مرتين، فعل أيضاً، المسعف الآخر قام بالبحث عن بيت قريب يدخلونه، يطرق الأبواب لكن الجميع خائف ولا يعرف من وراء الباب، أحدهم فتح، ودخل الجميع. كان أمين في حالة مخيفة، بقت حنين تحاكيه طوال الوقت خوفاً من أن يفقد وعيه: يجب أن تكون بخير، تقول له. يرن هاتفه، تطالعته حنين: إذا تريد أرد على هاتفك أغمض عينيك، يفعل، ترد على الهاتف، كانت زوجته قلقة عليه، تخبرتها أنه بخير وأنه مشغول مع الحالات في المركز.
بدأت أطراف أمين تصير باردة، حاول زملاؤه إحضار (السيلان) خوفاً من أن يصيبه هبوط في الضغط، خرج أحدهم ليحضر (السيلان) من سيارة الإسعاف. عاد سريعاً، ثمة قنّاص يقف عند سيارة الإسعاف قام بإطلاق النار، بعد ٤٥ دقيقة خرج بعض الشباب مرة ثانية وأحضروا الأدوات اللازمة من الإسعاف، أمين لم يقبل أن يوضع له (السيلان)، كان يشير بعينيه باتجاه مصاب آخر يتأوه، يعني أنه أحق بالعناية منه.
مغامرة العودة
3 ساعات يقضيها الطاقم الطبي في ذلك البيت، يتم الاتصال في السلمانية ليأتي إسعاف ينقلهم، لم يكن ممكناً دخول الإسعاف في سترة المحاصرة. بعد 20 دقيقة يحضر شباب سترة سيارتين كبيرتان (فان). السيارتان تجوبان الطرق بحذر مخيف، الدقائق طويلة ومرعبة، الأجساد متهالكة من شدة التعب والروع. كم كان يومك طويلاً يا سترة!!
أخيراً يتمكن الشباب من الوصول إلى شارع آمن، ومنه يتوجهون إلى السلمانية. وهناك كانت هستيريا أخرى، وتجمع حاشد آخر، وقصص أخرى. يتم نقل المسعف أمين والشباب المصابين على الفور. رولا الصفار تحتضن حنين. حنين لا تصدق أنها عادت، وأنها ما تزال على قيد الحياة. جسدها يئن بعد عنف يوم طويل، وطاقتها استهلكت فوق ما فيها، تنام في المستشفى. لكن هل سترتاح؟
في صباح 16 مارس، كان ينتظرها وجميع الطاقم الطبي حدث آخر، في مسلسل لا ينتهي من الروع.. في الحلقة القادمة..