الهند: طفولة ضائعة وسط آلام الحياة
42% من قوة العمل أطفال في المرحلة العمرية ما بين 5 أعوام و14 عاما
تسجل الهند أعلى الأرقام في عمالة الأطفال عالميا (أ.ف.ب)
سلطت عملية القتل الأخيرة لطفل هندي في العاشرة من عمره على يد خاله الأضواء من جديد على عمالة الأطفال داخل الهند، حيث كان هذا الطفل يعمل لدى الخال. أرسل والدا الضحية معين خان الابن إلى نيودلهي مع خاله. ولم يعرف الوالدان أن الخال كليم الله خان، والمتهم بالقتل، كان يأخذ طفلهما للعمل لمدة 16 ساعة بمصنعه الموجود داخل شقة مكونة من غرفة واحدة والمستأجرة في شمال غربي دلهي. وقد دفع الطفل البالغ من العمر 10 أعوام حياته ثمنا لبطئه في أداء العمل، حيث قام خاله بضربه إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.
ويظهر هذا الحادث ممارسة سيئة تتمثل في دفع الأطفال صغار السن للعمل داخل الهند، علما بأن الهند مررت قانونا قبل قرابة 25 عاما يحظر على الأطفال دون الرابعة عشرة العمل في القطاعات الخطرة مثل مصانع المفرقعات النارية، وجرى توسيع تشريع خاص بالعمل بعد ذلك ليغطي معظم قطاعات العمال. وجرى تعديل القوانين في عام 2006 بسبب انتهاك القواعد على نطاق واسع، ويقول نشطاء إنه يتعين على المحاكم اتخاذ إجراءات صارمة بخصوص عمالة الأطفال المنتشرة في الأغلب داخل المطاعم والمتاجر والمزارع ومواقع البناء والتشييد. وتحتل الهند المرتبة الثانية عالميا من ناحية عمال الأطفال. ويوجد داخل أفريقيا أعلى معدل لعمالة واستغلال الأطفال. ومن بين 12.6 مليون طفل يعملون في وظائف خطرة، يوجد في الهند أعلى رقم من العمال في العالم تحت سن الرابعة عشرة.
وكما هي الحال مع معين، أحضر القاتل كليم الله أطفالا آخرين إلى دلهي، ويدفع إلى أولياء أمورهم 500 روبية (أي ما يعادل 13 دولارا أميركيا) كدفعة مقدمة ويعد بتقديم دخل شهري. وكان يتم إجبار الأطفال على الاستيقاظ في الصباح الباكر، ولف السجائر الهندية على مدار اليوم، حتى منتصف الليل. ولم يكن الأطفال يحصلون على أية أموال، وكانوا يأخذون فترتين للراحة وتناول العشاء والغذاء. في الظروف العادية كان يحتمل دفن معين خان في هدوء، وما كنا لنسمع عنه ولا عرفنا شيئا عن حياته القصيرة. ولكن اكتشفت مأساته عندما شعرت لجنة أحد المساجد المحلية بالريبة إزاء العجلة في دفن الطفل في المقابر المجاورة ووجدت بعض الكدمات على جسده.
ولكن لا تعد حالة معين حالة وحيدة، حيث يوجد مئات الآلاف من أمثاله يكافحون من أجل البقاء أحياء في أماكن تشبه السجون المظلمة والموحشة بدلهي تفوق في شدتها المشاهد التي تناولها الروائي تشارلز ديكينز عن إنجلترا في القرن التاسع عشر. ووفقا لتقديرات حكومية، يمثل 42.02 في المائة من قوة العمل داخل الهند أطفال في المرحلة العمرية ما بين خمسة أعوام وأربعة عشر عاما. ويأتي ذلك في تناقض صريح مع قانون عمالة الأطفال الصادر عام 1986. ولا تشمل هذه النسبة من يأتون خارج إطار القانون؛ وهم الأطفال بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة. وعلى الرغم من أنه يحظر عمل الأطفال في الصناعات الخطرة، فإنه يعمل 17 مليون طفل، وفقا لما تفيد به مصادر رسمية. وتزيد الأرقام غير الرسمية كثيرا عن ذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تسجل الهند أعلى الأرقام في عمالة الأطفال عالميا؟
يعيش نحو 77 في المائة من الهنود على أقل من 40 روبية (أي نحو دولار أميركي واحد) يوميا، في فقر مدقع حيث إن العائلات مضطرة لإرسال أطفالها إلى العمل. ويشار إلى أن الأطفال في هذه السن صغار جدا مما يجعلهم غير قادرين على المطالبة بحقوقهم، ولذا يكونون في الأغلب مطيعين ولا يطلبون شيئا. كما يعملون مقابل أجور زهيدة، مثيرة للسخرية، وفي بعض الأحيان لا يتقاضون أي أجر. وفي ظل هذا السيناريو تجني الهند، التي يوجد بها أكبر قوة عمل من الأطفال، الملايين من الدولارات من صناعة المفرقعات وأعواد الثقاب بين مجموعة من السلع الأخرى. ويتم تصدير الكثير من هذه السلع.
وتوجد حادثة أخرى مرتبطة باستغلال الأطفال في العمل سيطرت على العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام خلال العام الماضي، وهي موت طفلة في الرابعة عشرة من عمرها تدعى بياري، وهي الأكبر وسط ثلاثة أشقاء. وجاءت بياري من ولاية راجستان غرب الهند، وكانت تتردد على ولاية غوجارات الهندية منذ أنه كانت في العاشرة من عمرها لتقوم بأعمال تلقيح القطن داخل أراض يتم زراعة القطن فيها. ويمثل البالغون دون الثامنة عشرة 75 في المائة من قوة العمل المهاجرة، وهي نحو ثلث قوة العمل التي تضم أطفالا دون الرابعة عشرة. ومن بين إجمالي قوة العمل، تمثل النساء نحو 42 في المائة. ويشمل اليوم التقليدي لبياري العمل لنحو 10 - 12 ساعة في دوريتي عمل. وتبدأ في الساعة الخامسة صباحا، وتأخذ زهرات القطن الذكرية، وتجفف السداة، وبعد ذلك تخصب الأزهار يدويا. وكانت تأخذ مقابل هذا العمل المرهق 60 روبية (ما يعادل 1.2 دولار أميركي) يوميا. وفي كل مرة تعود، لتضيف إلى دخل العائلة السنوي 3000 روبية (أو ما يعادل 70 دولارا أميركيا).
ولكن خلال العام الماضي عادت بياري في وقت مبكر عن الموعد المعتاد، ولم يكن معها مال، ولكنها كانت مصابة بالحمى الشديدة وآلام حادة في المعدة، وكان صوتها يرتجف ولم تكن لديها شهية لتناول الطعام، وبقيت حالتها على ذلك إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة. وكانت من بين خمسة أطفال آخرين ماتوا بسبب ظروف العمل السيئة. المفارقة أن الآباء لم يرفعوا شكوى للشرطة لأنهم خشوا من أن ذلك سيمنع أطفالهم الآخرين من العمل في حقول القطن، ومن ثم يحول دون حصولهم على الدخل الإضافي، حيث يمكن أن تفرض الحكومة الحظر.
ووفقا لما جاء في تقرير حديث، فإن 80 في المائة من الأطفال الذين يعملون داخل الهند هم في القطاع الزراعي. وعادة ما يباع الأطفال إلى مقرضين أثرياء لا يمكن إعادة الأموال المقترضة إليهم. ويعمل أطفال الشوارع كمتسولين ويبيعون الأزهار وأشياء أخرى بدلا من الذهاب إلى المدرسة. ووفقا لما جاءت به تقديرات حديثة، فإن قرابة 60 ألف طفل يعملون في قطاع الزجاج والخلاخيل، ويضطرون للعمل في ظروف صعبة وتحت حرارة شديدة.
ومن بين مائتي ألف شخص يعملون في صناعة أعواد الثقاب، يقول خبراء إن 35 في المائة أطفال دون الرابعة عشرة. ويضطرون للعمل لأكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميا، ويبدأون العمل في الرابعة صباحا من كل يوم. ويعمل ما يصل إلى 420 ألف طفل في صناعة السجاجيد داخل الهند. ويقول باحثون إن نحو 50 ألف طفل يعملون في قطاع النحاس الأصفر داخل الهند، ويعمل العدد نفسه تقريبا في صناعة الأقفال. وفي دلهي وحدها، نجد نصف مليون طفل على الأقل في هذه الدائرة المفرغة للفقر المدقع والاستغلال الجنائي. وتوجد أشنع الانتهاكات في ولاية أوتار براديش، وهي الولاية الهندية ذات الكثافة السكانية الأكبر التي بها أكبر تجمع للمسلمين. ويوجد في الولاية المئات من محلات الحلوى، كما تنتج أقفالا لولاية عليكرا والنحاس وأدوات زجاجية لمراد آباد، إلى جانب أقمشة مطرزة، ويعمل فيها مئات الآلاف من الأطفال في وظائف صعبة شاقة.
وفي الواقع، تتكرر هذه القصة في مختلف أنحاء الهند. ونجد الأطفال أول الضحايا للاستغلال؛ بدءا من أعمال التسول، وصولا إلى أعمال البغاء، والمصانع التي تنتج سجائر «بيدي» الهندية، ومصانع المفرقعات النارية، والمزارع التي يكثر استخدام المبيدات الحشرية فيها. ويقدر أن نحو 30 مليون طفل على الأقل داخل الهند سرقت براءتهم سريعا. وبعد أسبوع من موت معين خان بعدما ضربه خاله حتى الموت، أقيمت صلوات بالشموع داخل دلهي، ورفع شعار: «لا لتكرار حادث معين». وكان ذلك في إطار حملة لحث الحكومة وأفراد الشعب العاديين على وضع النهاية لاستغلال الأطفال الصغار. ويقول كايلاش ساتيارثي، رئيس «المسيرة العالمية لمناهضة عمالة الأطفال»: «لا تكفي القوانين وحدها للقضاء على عمالة الأطفال، فهذه معركة الشعب، ومشاركتهم الفعالة ووعيهم يمكن أن يساعد على إزالة هذا المرض. يجب على الناس الحديث بصوت عال عندما يرون أطفالا يعملون داخل مصانع ومطاعم ووحدات أخرى، حتى لا يتم إخفاء ذلك عن الحكومة والشرطة. ونحتاج أيضا إلى مقاطعة البضائع والخدمات التي يقدمها هؤلاء الأطفال».
ولكن، هل سيحدث ذلك؟
**********************************************
كثيرون منهم مدمنو كحول ومخدرات.. وموتاهم يدفنون في مقبرة مجاورة
7000 طفل آسيوي يعملون في مناجم الهند
المصدر: ترجمة: مكي معمري عن: «لوموند» التاريخ: 24 يوليو 2010
آلاف الأطفال الآسيويين يفقدون براءتهم من خلال بؤس العمل في المناجم. أرشيفية
على الرغم من حظر عمل الأطفال في الهند وإلزام العائلات بتعليم أبنائهم، إلا أن عددا كبيرا منهم يمتهن أعمالا شاقة وخطيرة. ولا تقتصر المعاناة على الأطفال الهنود حيث تستقدم شركات التنقيب عمالا من الدول المجاورة أيضا، مثل بنغلاديش والنيبال. وفي مقاطعة ماغلايا تنتشر صناعة الفحم بشكل لافت وتكاد تكون المورد الوحيد لأغلب العائلات في القرى الجبلية. ويوجد بين عمال المناجم في المقاطعة أطفال تراوح أعمارهم بين 14 و15 عاما. وحسب منظمة «امبالنس نتورك» الحقوقية، فإن عددهم يتجاوز 7000 طفل يعملون في مناجم تفتقد أدنى معايير السلامة والأمان، تشبه جحور الجرذان.
وترى منظمة الأمم المتحدة أن تشغيل الأطفال في مهام شاقة يعتبر بمثابة «استعباد»، وخصصت يوم 12 يونيو الماضي ليكون اليوم العالمي لمناهضة عمل الأطفال. ويقول بعض الأطفال في ماغلايا ان المناجم توفر لهم فرصة لكسب المال والاستعداد لحياة نشطة في المستقبل. وتفضل شركات الفحم تشغيل رجال وأطفال عوض شراء آلات الحفر والتنقيب من أجل خفض تكاليف الانتاج.
وفي الصباح الباكر ينزل العمال في المنجم إلى عمق 70 مترا تحت الأرض، وينقسمون إلى مجموعات صغيرة، ويتعاون الأطفال على جر العربات. ويعانون صعوبة التنفس بسبب نقص الأوكسجين في مسالك لا تتسع إلا لمرور شخص واحد، ومع ذلك يستمر العمال الصغار في العمل من دون توقف لأنهم يتقاضون أجورهم مقابل الكمية التي ينتجونها. وتتقاضى هذه السواعد الصغيرة ما بين سبعة و16 دولارا في اليوم الواحد.
ويقول العامل النيبالي الصغير بيجاي راي «الأجرة اليومية في المنجم أكبر بكثير مما يمكن أن نتقاضاه في أي عمل في النيبال». إلا أن راي وغيره من الأطفال لم يتمكنوا من توفير مبلغ من المال بسبب غلاء المعيشة. ويستعين العمال بالكحول والمخدرات للتغلب على مشقة العمل في المناجم.
يبدو على سندار تمانغ علامات الإرهاق وكأنه في العقد الخامس من العمر. ويقول تمانغ (15 عاما) انه هرب من منزل عائلته في النيبال منذ ستة أشهر معتقدا أن «المناجم تدر ذهبا في الهند»، حسب مديرة منظمة «امبالنس نتورك» حسينة كربيه.
ولكي يتمكن الطفل من أن يعود إلى عائلته يتعين عليه دفع 185 دولارا للوسيط الذي سهّل له المجيء إلى الهند. ويحصل الأطفال الذين يعملون على مستويات عميقة في المناجم، على أجور عالية، ولكن مع احتمال التعرض للحوادث والاختناق. وأحيانا تخرج عربة عن مسارها فتسقط إلى الأسفل وتحصد أرواح عدد من العمال في طريقها. ويقضي البعض في انهيارات المناجم أحيانا وخلال موسم الأمطار حيث تغرق السيول كل ما في الأنفاق الضيقة. وفي حال تم التعرف الى جثث الضحايا فإن إدارة المنجم تقوم بنقل جثة الطفل إلى ذويه، أما إذا لم تعرف هوية المتوفى فإن جثته تدفن في مقبرة مجاورة، قامت الجالية النيبالية بشراء الأرض التي أقيمت عليها. ويقول عامل ان «الموت يلاحقنا داخل المنجم». في حين يعبر آخر عن خوفه من المجهول قائلا «أخشى الاختناق كل مرة أنزل فيها إلى الأسفل. إنه شعور مرعب ولكن يجب أن أتغلب عليه».
طفولة ضائعة
تجمع الطفلة سوليخا (ثماني سنوات) بيديها العاريتين كومة من قطع الحديد لتجمع في النهاية كمية من هذه المادة، وتتقاضى مقابلها 50 روبية هندية في اليوم، أي ما يزيد قليلا على دولار أميركي واحد. وبسبب وقوفها وعملها الدائم بين أكوام الحديد، صارت سوليخا تعاني من بعد الأمراض، وأوصى الطبيب المحلي بضرورة خضوعها للعلاج، لكن عمتها شوبا قالت «لا نستطيع تحمل تكاليف العلاج»، حيث إن هذا العلاج يتكلف أكثر من 2000 روبية إضافة إلى الأدوية. قصة سوليخا ليست فريدة من نوعها اذ إن الطفولة تتلاشى بالنسبة إلى ملايين الأطفال العاملين في مناجم التعدين في الهند، فهناك طفل آخر يدعى رافي (تسع سنوات) اعتاد حمل حوض ممتلئ بكتل الحديد الخام فوق رأسه، ويزن هذا الحوض نحو 10 كيلوغرامات، يقول رافي إن ذلك يؤلمه لكنه لا يستطيع أن يشكو لأن عدم وجود عمل يعني عدم وجود طعام لأسرته التي تتكون من ستة أفراد، ويتقاضى رافي 75 روبية مقابل العمل لمدة ثماني ساعات في اليوم.