ورد في الكافي الجزء السابع عَن يُونُسَ عَن عَبدِ اللهِ بنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلام) الرَّجمُ فِي القُرآنِ قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ فَارجُمُوهُمَا البَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهوَةَ .وفي من لا يحضره الفقيه روى هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: (قلت لابى عبدالله عليه السلام: في القرآن رجم؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة (من لا يحضره الفقيه ج4).
وقال شيخ الطائفة الطوسي قدس سره في كتب التبيان في تفسير القران الجزء الاول ولا يخلو النسخ في القرآن من أقسام ثلاثه : احدها نسخ حكمه دون لفظه والثاني ما نسخ لفظه دون حكمة ، كآية الرجم فان وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه ، والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلا خلاف وهي قوله : ( والشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البته ، فانهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) ).
سؤالي : هل يعتقد الشيعه الاماميه بنسخ التلاوه وان لم يعتقدوا ما رايكم في هذه الاحاديث؟
الجواب عن الشبهة :
الجواب يتضح من خلال بيان المقدمات التالية:
المقدمة الأولى: انّ القرآن الكريم كما أنّ أصله يحتاج إلى التواتر في إثباته كما هو معروف ومقطوع به, كذلك نسخه يحتاج الى تواتر برفعه.
المقدمة الثانية: المتفق عليه بين السنة والشيعة انّ كل آية من آيات القرآن لا تثبت بخبر الآحاد, حتى لو كان الخبر صحيحاً ما لم يبلغ حد القطع بصحته, بحيث أنهم ذكروا في مسائل تدوين القرآن أنّ الصحابي إذا أتى وحده بآية ما يطلب معه شاهد على تلك الآية وإنّ كان المتأخرون من السلفية قد خالفوا هذه القاعدة وقالوا بأن خبر الآحاد حجة في الأحكام العقائدية.
المقدمة الثالثة: إنّ الشيعة الإمامية متفقون على أنّ المسائل العقائدية لديهم لابد أنّ تكون ثابته عن طريق التواتر, وعليه فكل مسألة لها صلة بالعقيدة يجب أنّ تثبت بالتواتر المؤدية الى اليقين والقطع, وبما أنّ نصوص القرآن تدخل في العقيدة فلا بد أنْ تكون ثابتة بالتواتر أيضاً, وهذه الأحاديث وانْ سلّمنا بصحتها لكنها من أخبار الأحاد التي تفيد الظن لا القطع بحجيتها, وعليه فهي ليست من القرآن لكونها أخبار آحاد فضلاً عن كونها منسوخه التلاوة.
إذا اتضح ذلك, نقول:
انه لما كان القرآن الكريم هو ما بين الدفتين ثابت لا خلاف فيه, ظهرت جملة من الأحاديث بين الفريقين (السنة والشيعة) التي ظاهرها يؤول الى أنّ في القرآن زيادة في بعض آياته أو نقصاً أو ما شابه ذلك. ومن هنا تصدى العلماء لبيان حقيقة هذه الأحاديث وأجابوا عنها جملة, وتفصيلاً, غير أنّ بعض هذه الاجابات عن مثل هذه الأحاديث كانت في نظر المحققين من أهل العلم أنها تسيء الى القرآن بطريقة غير مباشرة!!
ومن هذه الاجابات, القول بفرضيه (نسخ التلاوة)، والتي مفادها أنّ ما جاء في الاحاديث من كلمات أو جّمل أو سور, إنما كان قرآناً, ولكن نسخت تلاوتها أي رفعت قرآنيتها, وإنْ بقي حكمها سارياً ولم ينسخ!!
وهي فرضية باطله حسب رأي المحققين لانها تتضمن الاعتراف بانّ المحذوفات كانت قرآناً, وإذا نسخت تلاوتها لم تنسخ أحكامها, مع أنّ الهدف من نزول الآية هو الحكم والمفروض أنّ النزول قد تحقق والحكم باق, فليس هناك أي معنى في (رفع التلاوة) (وانظر كلام ابن الخطيب المصري في الفرقان ص157، وكذا كلام الشيخ علي حسن العريض في كتابه فتح المنان في نسخ القرآن ص223ـ 230) وغيرهما.
وهذه النتيجة (أي بطلان فرضية نسخ التلاوة) تكاد تكون مما أجمع عليه العلماء الشيعة الإمامية كما هو واضح في كلمات المتأخرين، كالعلام الطباطبائي صاحب (تفسير الميزان) عند تفسيره لقوله تعالى: ((ما ننسخ من آية....))[البقرة:106]، والسيد أبو القاسم الخوئي (قدس) في كتاب (البيان في تفسير القرآن)، والشيخ والمظفر في (أصول الفقه)، وغيرهم.
نعم، يظهر من كلمات المتقدمين كالسيد المرتضى (قدس) والشيخ الطوسي (قدس) أنهما كانا يميلان إلى القول بالجواز!
ولكن بمجرد التأمل والفحص في كلماتهما يتضح لك أنهما كانا في معرض التنقيح والمناقشة لكل الآراء المطروحة من قبل علماء أهل السنة حول حقيقة النسخ وجوازه وما يدور حوله, فمالا إلى القول بجواز نسخ التلاوة، كحل وسط من بقية الحلول المطروحة لدفع الاشكال عن شبهة تحريف القرآن وما شابه ذلك. فليس قولهما بملزم لمن جاء بعدهما من الإمامية فضلاً عن جمهور المتأخرين منهم.
وعموماً فانّ هذه الاحاديث قد أعرض عنها علماؤنا مستندين في حكم الرجم الى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (حددت بالقرآن ورجحت بالسنة). فلو كانت هذه الاحاديث ثابته لا إشكال فيها لكان الأولى بأمير المؤمنين(عليه السلام) أن يستند إليها لكونها من القرآن الكريم! ومن هنا كانت هنالك مجموعة من الاجابات عن هذه الأحاديث وهي قابلة للتأمل منها:
أولاً: انها من أخبار الاحاد حسب رأي السيد المرتضى (قدس) الذي لا يعمل بكل خبر آحاد.
الثاني: انها من أخبار الأحاد التي تفيد الظن فهي لا تعارض الاخبار القطعية التي تقول بثبوت القرآن وكونه خالياً من الزيادة والنقيصه وكل ما يؤدي الى القول بتحريفه.
الثالث: انها تحمل على التقية أو الالزام للمخالف.
الرابع: إننا نتوقف في تفسيرها لعدم معرفة ظروف الرواية كما أمرنا أئمتنا بذلك ويوكل أمرها إليهم.
الشبهة الثانية :
وردت روايات فيها آية الرجم في بعض المصادر الفقهية الشيعية , و لعل الرواية مروية بعدة طرق :
بِإِسنَادِهِ عَن يُونُسَ عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللَّهِ ع الرَّجمُ فِي القُرآنِ قَولُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَ الشَّيخَةُ فَارجُمُوهُمَا البَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهوَةَ الكافي ج : 7 ص : 177 وَ رَوَى هِشَامُ بنُ سَالِمٍ عَن سُلَيمَانَ بنِ خَالِدٍ قَالَ قُلتُ لِأَبِي عَبدِ اللَّهِ ع فِي القُرآنِ رَجمٌ قَالَ نَعَم قُلتُ كَيفَ قَالَ الشَّيخُ وَ الشَّيخَةُ فَارجُمُوهُمَا البَتَّةَ فَإِنَّهُمَا قَضَيَا الشَّهوَةَ منلايحضرهالفقيه ج : 4 ص : 26
1- أبي رحمه الله عن سعد بن عبد الله رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة لانهما قد قضيا شهوتهما . وعلى المحصن والمحصنة الرجم .
2- حدثنا محمد بن الحسن عن الحسن بن الحسن بن أبان عن اسماعيل بن خالد قال قلت لابي عبد الله عليه السلام : في القرآن الرجم ؟ قال : نعم ، قال الشيخ : والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتة فانهما قد قضيا الشهوة.
المصدر: علل الشرائع لابن بابوية القمي ج 2 ص 540 طبع المطبعة الحيدرية بالنجف
3- الحسين بن سعيد عن ابن ابي عمير عن حماد عن الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام قال : إذا قذف الرجل امرأته فانه لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجلا يزني بها ، وقال : إذا قال الرجل لامرأته لم أجدك عذراء وليس له بينة يجلد الحد ويخلى بينه وبين امرأته ، وقال : كانت آية الرجم في القرآن ( والشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا الشهوة ) قال : وسألته عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها ثم يقول بعد ذلك الولد ولدي ويكذب نفسه قال : أما المرأة فلا ترجع إليه ابدا ، وأما الولد فاني ارده إليه إذا ادعاه ولا ادع ولده ليس له ميراث ، ويرث الابن الاب ولا يرث الاب الابن يكون ميراثه لاخواله وان لم يدعه ابوه فان أخواله يرثونه ولا يرثهم ، وان دعاه احد يابن الزانية جلد الحد .
المصدر: تهذيب الأحكام الطوسي ج 8 ص 195 فعدا عن كون صدورها تقية من المعصوم عليه السلام
ما حال هذه الروايات من ناحية السند ؟
و هل هناك روايات أصح منها و أثبت ؟
هل عمل بعض علماء الشيعة بهذه الروايات , و أثبتوا نسخ التلاوة ؟
الجواب على الشبهة :
إن بعض الروايات التي ذكرتم هي صحيحة السند وكان ينبغي أن يفهم ذلك من الجواب فانه بشقوقه الأربعة مبني على صحة الرواية.
وهذه الروايات المذكورة هي كل ما ورد في هذا الموضوع وهي مخالفة للرواية المعروفة والمشهورة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) عند الفريقين والتي تنص على أن الرجم ثابت بالسنة لا بالقرآن الكريم. فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لما أقام الحد على سراجة الهمدانية : (جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله))، واستدل بذلك فقهاء الفريقين ولم يدع مدع بأن آية الرجم في القرآن الكريم أو كانت في القرآن ثم نسخت تلاوة وبقي الحكم، أي لم يعمل أحد من علماء الفريقين بتلك الروايات التي ذكرتها أو التي برواية عمر في نفس المجال حين أراد إثبات آية الشيخ والشيخة في القرآن الكريم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن لم يوافقه أحد من الصحابة على ذلك فقال: (لولا أن تقولوا زاد عمر في كتاب الله لأثبت آية الرجم فيه)! وكأن القرآن بابه مفتوح لإبداء الرأي وإدخال الآيات أو إخراجها بحسب الاجتهاد والرأي وقبول الناس أو رفضهم لذلك ليس إلا!!
وبالتالي فهذه الاحاديث وكل أحاديث تخالف صريح القرآن الكريم أو لم تثبت بالتواتر فإنها ليست قرآناً قطعاً ولا تثبت شيئاً ، وخصوصاً مع وجود المعارض لها كما أوضحنا وكما هو الحال في كل ما ورد في التحريف أو النسخ وما إلى ذلك فلا يهم ذلك، وإن صحت الرواية سنداً فانها تبقى ظنية يتوفر الاطمئنان بذلك في ثبوتها وصدورها عن النبي(صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام) فتكون تلك الروايات أما شاذة أو منكرة أو غير صادرة في الواقع أو يجب تأويلها أو إيكال علمها إلى أهلها وبالتالي تكون مطروحة على جانب ولا يجب العمل بها ، والله العالم.
أما بالنسبة الى القول بنسخ التلاوة، فإنه لم يثبت عن أحد علمائنا القول بذلك حول ذلك، بل المشهور هو قولهم بأن القول بنسخ التلاوة هو أخو وصنو القول بالتحريف والعياذ بالله! وقد يفهم خطأً من كلام شيخ الطائفة الطوسي(قدس سره) في (العمدة في الاصول) أو في تفسير بأنه يقول بالنسخ ! والصحيح أنه في معرض الكلام بالجواز أو الاستحاله فمال بحسب رأية واجتهاده الى جوازه العقلي ولم يقل بوقوعه، وكذلك فإنّ قوله ليس بحجة على الشيعة فإن لكل زمان وعصر علماءه ومجتهديه فلا نلتزم بقول المجتهد الميت في آرائه ، ولنا قول مشهور في ذلك وهو (ان الميت تموت معه آراؤه وأقواله)، فعلينا بالاجماع أو المشهور أو قول علماء عصرنا وزماننا وهي التي تلزمنا.